الرئيسة ›برامج›مع المصطفى›ولا تفرقوا ولا تفرقوا الأحد 10 رمضان 1425هـ طباعة د. سلمان العودة 596 متابعة النص إلغاء متابعة النص الأنتقال الى النص حرص الإسلام على تعميق الأخوة الإسلامية بسم الله الرحمن الرحيم. اللهم لك الحمد، نثني عليك الخير كله ونشكرك، ونصلي ونسلم على خاتم رسلك، وأفضل أنبيائك، وخيرتك من خلقك؛ محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ثم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.في سنن أبي داود عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه: ( أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نزلوا في منزل، وكانوا في سفر، فتفرقوا في الشعاب والأودية وتحت الأشجار وغيرها، فقال لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية إنما هو من الشيطان، فكانوا بعد ذلك يجتمعون ويتقاربون، حتى إنه لو بسط عليهم بساط لوسعهم أو لعمهم ).هذه التربية وهذا التعليم النبوي فيه معنى ضخم كبير جداً، يا ترى هل نستطيع أن نفقه ونفهم هذا المعنى أم لا زلنا دونه بكثير؟ العرب في جاهليتهم -كما هو معروف- كانوا من أكثر الأمم تفرقاً واختلافاً وتناحراً، وحروبهم ضارية جداً، وجاء الإسلام ومن أعظم أسسه: الجماعة والوحدة والتقارب بين الناس، وتجد في هدي النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً فيما يتعلق بموضوع الأخوة الإسلامية، كيف عقد هذه الأخوة وزكاها؛ بل أجرى عقداً حقيقياً في المدينة المنورة يسمى: المؤاخاة بين المهاجرين -أهل مكة- وبين والأنصار -أهل المدينة- وجعل الله تعالى الأخوة رابطة بديلاً عن روابط الأرض والدنيا، كما قال سبحانه: ((وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ))[التوبة:71]، وقال سبحانه: ((إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ))[الحجرات:10]، فجعل صهيباً و سلمان و بلالاً و عماراً و أبا بكر، وقبلهم محمداً صلى الله عليه وسلم، ورجالهم ونساءهم، وبعيدهم وقريبهم، وعربهم وعجمهم، دمجهم في وحدة واحدة، وأمة واحدة، وأزال ما بينهم من الفوارق: ((فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا))[آل عمران:103]، هذه الأخوة العظيمة التي أسسها النبي صلى الله عليه وسلم ثم عبرت التاريخ وصارت الأمة الإسلامية الفاتحة، أدرجت ضمنها أمم الأكراد مثلاً، فحمل الأكراد المشعل والراية، وقامت لهم دول، وكان لهم حضور عظيم في التاريخ الإسلامي، ودفاع عن الحرمات والحوزات، ومنهم أبطال أفاضل معروفون، والبربر دخلوا أيضاً في الإسلام، وتعلموا لغته، ودانوا بدينه، وكان لهم حضور ولهم تاريخ ولهم مجد، والهند والفرس والسند، والأمم كلها ذابت وانصهرت في هذا الدين. ما بيننا عرب ولا عجم مهلاً يد التقوى هي العليا خلوا خيوط العنكبوت لمن هم كالذباب تطايروا عميا وطني كبير لا حدود له كالشمس تملأ هذه الدنيا في إندونيسيا فوق إيران في الهند في روسيا وتركيا آسيا ستركض فوقها خيلي وأحطم القيد الحديديا أمة واحدة، لسان واحد، دين واحد، مبدأ واحد، مصلحة واحدة، مصير واحد، في الدنيا وفي الآخرة لهذه الأمة. وهناك أصول كبيرة جداً لهذه الأخوة يفترض أن تتجدد كلما صلى الإنسان؛ لأنه يصلي إلى جوار أخيه المسلم، ويسجد معه ويركع معه ويقوم، وكلما قرأ القرآن وهو يتخيل أن ملايين المسلمين يقرءون معه الآن، وكلما صام الشهر الكريم أو أفطر وهو يدري أن صيام رمضان واجب وركن من أركان الإسلام، تشترك فيه الأمة كلها، وكلما قام بعمل أو طاف بالبيت وعرف أن هذا البيت هو الذي تصلي إليه الأمة كلها في مشرق الأرض ومغربها. واقع المسلمين اليوم تجاه الأخوة والجماعة مقارنة بغيرهم لكن وا حسرتاه، وا حسرتاه لما نجده اليوم -ومنذ قرون طويلة- من عودة كثير من الشعارات الجاهلية، والمعاني والانتسابات والانتماءات العرقية والقبلية والوطنية والإقليمية والجاهلية، التي تفسد هذه الوحدة، واليوم على وجه الخصوص تلاحظ هذا المعنى، تلاحظ أن أمم الأرض كلها تدخل فيما يسمى بالعولمة، التي تحاول القوى المتنفذة أن تدمج فيها الأمم كلها؛ اقتصاداً وسياسة وإعلاماً وثقافة وإلى غير ذلك، وأصبحنا نجد ما يسمى بالشركات العابرة للقارات؛ شركات النفط.. وشركات الكمبيوتر.. شركات السيارات.. شركات الإعلام.. شركات كثيرة جداً، قد يكون رأس مال الشركة مائة مليار دولار أحياناً، ومع ذلك تنضم إلى شركات أخرى؛ لتكون وحدة مندمجة قوية، تستطيع أن تواجه التحديات، وأن يكون لها نفوذ يفوق أحياناً نفوذ الدول والسياسات ذاتها.أمم، بل دول تجد أنها تحاول أن توجد نوعاً من الوحدة، كما نجد على سبيل المثال في الوحدة الأوروبية التي هي عبارة عن مجموعة من الإمبراطوريات، تحاول أن ينضم بعضها إلى بعض، فدولة كـألمانيا أو بريطانيا أو فرنسا، فضلاً عن دول أوروبا الأخرى، تحاول أن تندمج في هذه الوحدة الأوروبية؛ بعملة واحدة، بنظام واحد للجمارك، بدستور واحد، ربما في المستقبل بجيش واحد، ربما باتفاقيات أمنية محكمة، أو وحدة أمنية، إلى غير ذلك من العوامل التي يلاحظون أنها تضمن لهم الوجود والحضور والبقاء، وتضمن نصيبهم من الخيرات العالمية، من المكاسب، من المواقف، وأن يكون لهم تأثير وقدرة على الضغوط.ثم تلتفت إلى هذه الأمة، التي وضع الله سبحانه وتعالى وحدتها وأقام شريعتها، وأسسها النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه، فتجد أمراً عجباً، النبي صلى الله عليه وسلم يربيهم على أنه حتى التقارب في الأجساد أنه مطلوب، فإذا كانوا في هذا الوادي كان يخاطب أصحابه ويقول لهم: ( إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية إنما هو من الشيطان )، لماذا تتفرقون؟ اجتمعوا، فيجتمعون رضي الله عنهم على أكل أو شرب أو صلاة أو حديث، أو حتى يتقاربون فيما بينهم. ليس المعنى في الاجتماع هو فقط: أن يكونوا مجموعة واحدة، هذا هو الأصل في الأشياء المشتركة؛ لكن ربما حتى لما يتفرقون للنوم أو للظل أو لغير ذلك، لا يكون بعضهم بعيداً من البعض الآخر، فيتربون على القرب، وعلى الدنو بعضهم من بعض، وتجنب ما يمكن أن يحصل لبعضهم في الغفلة عن الآخرين، فضلاً عن دعوته صلى الله عليه وسلم إلى وحدة قلبية، وحدة إيمانية، وحدة روحانية فيما بينهم، الشعور بحق هذا الإنسان، وأن من حقه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أن تنصره ظالماً أو مظلوماً، قال: يا رسول الله! أنصره إذا كان مظلوماً، فكيف أنصره إذا كان ظالماً؟.. )، إذاً: من هذه الوحدة نصرة أخيك المسلم المظلوم. تعرض العالم الإسلامي اليوم للظلم بسبب تفرق المسلمين ونحن نجد اليوم أن العالم الإسلامي هو أكثر بلاد العالم يتعرض للظلم والعسف؛ بسبب ربما التخلف، بسبب التمزق والشتات، بسبب أنه لا يزال يعيش في سبات، بينما الأمم الأخرى قطعت مراحل طويلة جداً؛ ولذلك أصبح العالم الإسلامي منهوب الثروات، مأخوذ الخيرات، مصادر الإرادة، وأصبحت القرارات العالمية -حتى القرارات المتعلقة بالعالم الإسلامي- لا تعبأ بالمسلمين، ونحن نجد مثلاً: أن الدول الكبرى تدري أن مصالحها في العالم الإسلامي، وليست في ما يسمى بإسرائيل، ومع ذلك هم يراعون خاطر وضمير الشعب اليهودي المحتل في فلسطين، ويصوتون له ويعلنون دعمه سراً وجهاراً، ويتنافس الرؤساء المنتخبون لإظهار مزيد من الدعم والتأييد، بينما العالم الإسلامي الذي فيه الخيرات، وفيه النفط، وفيه الإمكانيات المادية، وفيه الأعداد البشرية الهائلة -مليار ومائتا مليون إنسان- لا يجد مثل هذه الاهتمامات، ولا يجد نظرة ولا التفات، والسبب: هو أن العالم الإسلامي منشق منقسم على نفسه، فأنت تجد هذا الشتات.. ليس فقط من خلال مجموعة من الدول؛ لأنه ممكن يكون مجموعة من الدول؛ لكن يكون هناك علاقات جيدة، يكون هناك ترابط وثيق، يكون هناك مصالح مشتركة، وبرامج مشتركة، وتعاون يسمح لنا بأن ندخل منتدى العولمة، ندخل ميدان الحياة، ونحن أقوياء متآزرون، يد أحدنا بالآخر؛ لكن حتى فيما هو أبعد من قضية الدول، داخل الدول نفسها تجد الأقاليم المختلفة منشقة بعضها على بعض، داخل الإقليم الواحد تجد كل مدينة تحمل نوعاً من الكراهية للمدينة الأخرى، أو نوعاً من العصبية أو التنافس -أحياناً- الذي لا يكون شريفاً، بل داخل الأسرة الواحدة أو القبيلة الواحدة تجد ألواناً من الخلافات والصعوبات، حتى إني أعرف أحياناً هناك أناس حتى الصلاة لا يصلون في المسجد الذي يصلي فيه أولئك، أو صلاة العيد مثلاً، العيد يوم فرحة للمسلمين، ويفترض أن يكون فيه مظهر من مظاهر وتجليات الاجتماع والوحدة، تجد الإنسان لا يصلي العيد، يوم العيد يا أخي! يوم الفرحة، يوم السرور، أذق قلبك طعم الفرح بإخوانك المسلمين، طعم تحقيق معنى من معاني الأخوة، وحتى في غير العالم الإسلامي.لا يفوتني أن أقول: أن كثيراً من إخواننا المسلمين في العالم الغربي: في أوروبا.. في أمريكا، وهذا شيء أعلمه يقيناً، وأتألم له والله! أشد الألم، أنه أيام العيد.. أيام رمضان.. تجد الانشقاق الكبير جداً في البلد الواحد.. في المسجد الواحد؛ هذا صائم، وهذا مفطر؛ لأن هذا يصوم تبعاً لدولته، وهذا يصوم تبعاً للبلد الذي هو فيه، وهذا يصوم باعتبار إكمال الشهر، وهذا كذا.. يمكن ثلاث.. أربع.. مجموعات، فإذا جاء العيد كان منهم من هو صائم ليكمل رمضان، والآخر مفطر، يعني: هذا يتدين بوجوب الفطر؛ لأنه يوم عيد، وهذا يتدين بوجوب الصيام؛ لأنه آخر يوم من رمضان، بالله عليك يا أخي! إلى متى سنظل نحن نلوك ونلت ونعجن مثل هذه الخلافات، ولا نمل منها، ونضريها، ونشجعها، ونلتمس لها الأسباب والمسوغات والمبررات، حتى صدق علينا قول القائل: بحثت عن الأديان في الأرض كلها وزرت بلاد الله غرباً ومشرقا فلم أر كالإسلام أدعى لألفة ولا مثل أهليه أشد تفرقا وحق علينا قول الآخر: وتفرقوا شيعاً فكل قبيلة فيها أمير المؤمنين ومنبر وقول الثالث: مما يزهدني في أرض أندلس ألقاب معتصم فيها ومعتضد ألقاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد لن يكون للمسلمين حضور ولا قوة، ما لم يتربوا.. نعم أنا أؤمن بأن عوامل الاختلاف موجودة، ولا سبيل إلى تجاهلها، التعصب القبلي مثلاً، ( أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن.. )، وأنا أعلم الآن في كثير من المتدينين المحافظين، ربما يكونون أخياراً، ومع ذلك ينطلقون أحياناً من منطلقات عصبية قبلية، فإذا كان في عمل أو مسئولية ربما قرب ليس الأكفاء وإنما الذين ربما عندهم كفاءة؛ لكنهم أيضاً أقارب أو بنو عم أو بنو خال، وهكذا في أحاديثنا الخاصة ومجالسنا، وربما نتحدث علانية أو على المنبر، عن رفض العصبية القبلية، لكن إذا خلا بعضنا إلى بعض، وكنا من نفس المجموعة ونفس الطائفة، ربما تجرأنا على أن نتحدث عن الآخرين بأنهم هم ونحن، هذه مشكلة كبيرة جداً.إذا كانت هذه المعاني تظل تسيطر على تصرفاتنا.. على دوافعنا.. على أعمالنا، حتى في الأعمال الخيرية، في الفئات التي تدعو إلى الله سبحانه وتعالى، وتربي الشباب على الخير، وعلى الإيمان، وعلى الوحدة، ربما يكون هناك نوع من غرس الانشقاق من خلال تعميق الانتماء لهذه المجموعة أو تلك، أو هذا الشيخ أو ذاك، أو هذا المذهب أو ذاك، بينما نجد أن الأئمة والعلماء السابقين -حتى الأئمة الأربعة مثلاً أو غيرهم- كانوا على قدر كبير جداً من الوئام والانسجام واللحمة والمحبة، وإن اختلفوا فيما بينهم في مسائل، حتى الشافعي رحمه الله لما قال لـيونس الصدفي، وقد ناقشه وجادله يوماً من الأيام في مسألة، فلما قاموا من المجلس قال: [ لم أر أعقل من الإمام الشافعي! أخذ بيدي وضمها إليه، وقال لي: يا أبا علي! ألا يصح أن نكون إخوة وإن لم نتفق في كل مسألة؟ ]، متى نفقه قول هذا الإمام العلم، البحر، الحكيم، متى نستطيع أن ننظر أكثر إلى جوانب الاتفاق والوحدة؛ وحدتنا بالقرآن، بالإسلام، بالإيمان، باتباع النبي صلى الله عليه وسلم، بأركان الإسلام التي اجتمعنا عليها، بالأمور العملية، بالأصول العامة، التي ندين الله تبارك وتعالى بها، متى نركز على هذه المعاني، ونخفف التركيز والنظر على جوانب التفرق والاختلاف، ونأخذها بحجمها الطبيعي، إنني أؤمن بأن الإنسان إذا كبر بعض الأشياء حجبت عنه الرؤية، فلو أن -مثلاً- إنساناً أتى بهذا الكأس ووضعه أمام عينه لا شك أنه سوف يحجب عنه رؤية العالم الفسيح من حوله؛ لكن لو وضعه في مكانه سيراه بحجمه الطبيعي.ينبغي أن نتربى في محاضننا المنزلية، والدعوية، والعامة والخاصة، على تقدير معاني الترابط مع هذه الأمة والوحدة والانسجام، وأن نضع جوانب الاختلاف في حجمها الطبيعي، ولا نجعلها تتغلب على وحدتنا وأخوتنا.أسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يجمع شملنا على الحق والتقوى، ويلهمنا رشدنا، إنه جواد كريم.