الرئيسة ›برامج›مع المصطفى›لا تغضب لا تغضب السبت 9 رمضان 1425هـ طباعة د. سلمان العودة 1000 متابعة النص إلغاء متابعة النص الأنتقال الى النص خلق الغضب بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.في صحيح البخاري وغيره عن سليمان بن صرد رضي الله عنه قال: ( استب رجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.. )، يعني: تسابا؛ سب أحدهما الآخر، فرد عليه الآخر بمثل ذلك، وحصلت معركة كلامية بينهما في حضرة النبي عليه الصلاة والسلام، ( والنبي صلى الله عليه وسلم جالس في ملأ من أصحابه، فرأى أحد الرجلين وقد غضب، واشتد به الغضب، فقال صلى الله عليه وسلم: إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فسمع أحد الصحابة كلام النبي صلى الله عليه وسلم فذهب إلى ذلك الرجل وهمس في أذنه، وقال له: أتدري ما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم؟ إنه يقول: قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فاشتد غضبه وزاد، ونفض يده وقال له: أتراني مجنوناً؟ اذهب )؛ ابتعد عني. أغلبية غضب الناس لأنفسهم هذه القصة فيها عبر، أولاً: قضية الغضب، وإشارة النبي صلى الله عليه وسلم هنا إلى أن الغضب من الشيطان، إذا كان غضباً في غير حق، وهو غالب ما يعتري الناس؛ أن يكون عند الإنسان غضب وانفعال، وربما نستطيع أن نقول: أن غالب ما يصيب الناس من الغضب هو انتصار لأنفسهم، يعني: أن الإنسان إذا شعر أن ذاته، أو أن أنانيته تتعرض للابتزاز أو المضايقة أو أن شيئاً من حقوقه يتعرض للمصادرة أو ظن هكذا، فإنه يغضب وينفعل. مقامات الناس في الغضب والناس في مقامات الغضب يتفاوتون: هناك أحد بطيء الغضب؛ لا يغضب بسرعة، ولكنه أيضاً بطيء الرضا، فإذا غضب ليس من السهل أن يرضى. وهناك أحد سريع الغضب، سريع الرضا، وهذا أمره والتعاطي معه سهل، إذا فهمه الإنسان وأدركه. وهناك أحد بطيء الغضب، وسريع الرضا، وهذا أفضل الدرجات؛ أنه لا يغضب إلا قليلاً، وأيضاً إذا غضب سرعان ما يتراجع ويستغفر ربه سبحانه، ويعود إلى رشده وإلى صوابه. وهناك أحد سريع الغضب، بطيء الرضا، وهذا شر المنازل، يغضب بسرعة ولأتفه الأسباب، ثم إذا غضب قد يكون من الصعب جداً إعادته أو ترضيته. التعامل مع الغضب الغضب فطرة إنسانية، ولا شك أن وجود الغضب أصلاً له حكم، وله مصالح، وله فوائد، إذا تم توظيفه بشكل صحيح؛ لكن المشكلة إذا سيطر الغضب على الناس، وأصبح الكثيرون يتصرفون بمنطلق الاندفاع الغضبي، دون أن يحكموا أنفسهم بالحلم أو العقل، ( أشج عبد القيس لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال له: فيك خصلتان يحبهما الله: الحلم، والأناة، قال: يا رسول الله! خصلتان جبلت عليهما أم رزقني الله إياهما؟ )، يعني: تعلمتهما، ( قال: بل جبلت عليهما، فقال: الحمد لله الذي جبلني على ما يحبه الله ورسوله ).إذاً: الحلم.. الصبر هذه مدرسة، تحتاج إلى تدريب.. إلى تعليم، ربما أنا أتحدث إليك الآن عن الصبر، ويمكن أنت تتحدث مع غيرك؛ لكن يجوز أن هذا المتحدث، أو هذا المعلم ربما لأول أو لأتفه موقف قد ينسى كل ما علمه، وكل ما تعلمه، ويغضب ويزمجر، ويظهر أثر الغضب في احمرار عينيه، وانتفاخ أوداجه وحركاته، ربما يبطش أو يضرب أو يعتدي.كم من القرارات والمواقف والتصرفات كانت بناءً على حالة غضبية، لم يستطع الإنسان أن يحكمها. أعرف كثيراً جداً من البيوت دمرت بسبب كلمة (طلاق) أطلقت في حالة غضب، نعم الطلاق فيه خلاف بين الفقهاء في وقوع طلاق الغضبان، والراجح أن طلاق الغضبان له حالات؛ يعني: إذا كان الغضب شديداً مستحكماً؛ بحيث يسيطر عليه، ولا يستطيع أن يتحكم، وهذا ربما يكون له آثار أحياناً حتى في الأمراض البدنية من القولون وغيره، فهذا لا يقع طلاقه، وإذا كان الغضب سهلاً يسيراً بسيطاً، ومجرد بدايات أو أن الإنسان خرج عن حد الاعتدال، فهذا يقع، وإذا كان الغضب بين بين، فهو يحتاج إلى تأمل وتدبر، واستفتاء أهل الفقه؛ لكن كم من البيوت -بغض النظر عن الجانب الفقهي- دمرت بسبب حالة غضب، وقد يكون الإنسان يندم أشد الندم؛ لكن بعد فوات الأوان. وكم من إنسان ربما فقد، لا أقول: فقط زوجه أو حياته أو ماله، بل أقول: ربما فقد دينه وآخرته؛ بسبب كلمة غضب، فبعض الناس إذا غضب ربما سب وشتم، ولا يبالي من يسب ومن يشتم، وقد تصل إلى حد أن يسب دينه -والعياذ بالله- أو يسب النبي صلى الله عليه وسلم، أو يسب القرآن، أو يسب من أنزل القرآن.. إلى غير ذلك مما يقع من كثير من الناس؛ بسبب سوء التربية، وفساد التأهيل والتعليم والتهذيب الذي يجعل الإنسان منذ طفولته ينبغي أن يتدرب كيف يحكم نفسه، ويضبط نفسه، ولا يستجيب لدواعي الغضب والاستفزاز التي تعرض له، ( والرجل الذي جاء للنبي صلى الله عليه وسلم قال: أوصني، قال: لا تغضب. أوصني، لا تغضب. أوصني، لا تغضب. )، مراراً والنبي صلى الله عليه وسلم يردد عليه هذه الكلمة: لا تغضب.. لا تغضب.. لا تغضب، هذه ليست وصية للرجل، وصية لي ولك، ولكِ، ولنا جميعاً. فيفترض أن يتعلم الإنسان كيف يحكم نفسه، أيضاً تتعلم كيف تتجنب إثارة الآخرين إذا غضبوا، فإذا كان زوجك غاضباً -مثلاً- يجب أن تتعلمي كيف تتعاملين معه، ولا تحاولين أن تستثيري هذا الغضب أو تزيديه، وهكذا أنت؛ إذا كانت زوجتك غاضبة يجب أن تتعلم كيف تراضيها وتهدأ، وليس عيباً ولا يخدش في رجولتك مثل هذا المعنى، كما يتصوره بعض الجهلاء، بالعكس هذا من كمال الرجولة.إذاً: النبي صلى الله عليه وسلم يشير هنا إلى أن الغضب من الشيطان الرجيم، ويربي أصحابه على أن يستعيذوا بالله من الشيطان، وفي بعض الروايات الأخرى -أحاديث- مثلاً: الإنسان يذهب يتوضأ، الوضوء أيضاً يطرد الشيطان ويبرد الغضب، أحياناً ربما يكون من المناسب أن الإنسان إذا كان قائماً قعد، وإذا كان قاعداً يضطجع، يعني: يغير الوضعية التي هو عليها، فيزول بذلك غضبه. وجدت كلمة جميلة لبعض الحكماء، وهي رائعة لو استطعت، ولا أظنك تستطيع: إذا غضبت فانظر إلى وجهك في المرآة، سترى شيئاً فظيعاً، لا تطيق أن تنظر إليه، سترى شخصاً آخر، كأنه تلبسك شيطان ولست أنت فلان ابن فلان، الهادئ الوديع اللطيف، الذي نحبه ونعرفه. إذاً: هذا كافٍ أن يحرص الإنسان على ألا يكون معروفاً بالغضب، وألا يستجيب لنوازع الغضب؛ بل أن يتجنب الأوضاع التي من شأنها ربما أن تغضبه أو تثيره إذا كان يعرف نفسه أنه قد يفقد أعصابه في بعض الحالات. الهدي النبوي في التعامل مع الغضبان حال غضبه الجانب الآخر في هذا الهدي النبوي العظيم: النبي صلى الله عليه وسلم هنا لم يذهب إلى الرجل ليقول له: يا فلان! اتق الله ولا تغضب، وقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وإنما قال يخاطب أصحابه الذين حوله، والرجل لا يسمعه، ( إني لأعلم كلمة لو قالها هذا لذهب عنه ما يجد، فذهب أحد الصحابة ) في بعض الروايات أنه معاذ بن جبل رضي الله عنه، ( وهمس في أذن الرجل وقال له: قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم )، فلاحظ كيف رد فعل الرجل؟ غضب زيادة وقال: أنا مجنون؟ أتراني مجنوناً؟ هل فيَّ شيء؟ ما فيَّ بأس، اذهب.إذاً: الرسول صلى الله عليه وسلم هنا لماذا لم يخاطب الرجل مباشرة، وإنما خاطبه من وراء وراء؟ علم أصحابه، علم النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا الرجل في حالة غضب، وأنه ربما لو خاطبه لقال للنبي صلى الله عليه وسلم قولاً شديداً، ومثل هذا لا يليق بأحد أن يقع منه، قد يكون هذا الرجل الذي غضب -كما في بعض الروايات- قد يكون منافقاً، وقد يكون من الأعراب الذين لا زالوا في بداية الطريق ولم تتهذب نفوسهم، وقد يكون إنساناً بطبيعته أنه صاحب غضب وانفعال؛ ولكن لم يتمكن الإيمان والتهذيب والتربية الإيمانية في قلبه، المهم أن هذا الرجل كان من الممكن أن يفقد دينه لو أن النبي صلى الله عليه وسلم خاطبه مباشرة بترك الغضب؛ لئلا يستجيب للنبي صلى الله عليه وسلم، ويقول مثل ما قال لـمعاذ: أتراني مجنوناً؟ اذهب عني، وهذا قد يكون لـمعاذ أهون بكثير من أن يقال لسيد ولد آدم؛ سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم.فهنا تلاحظ كيف رحمة النبي صلى الله عليه وسلم، كيف أسلوبه في التعليم، هذا نوع من التعليم غير مباشر، يعني: الداعية من هنا نلاحظ -من هذه الحادثة- أن الداعية يجب عليه أن يراعي ظروف المدعوين.. ظروف المخاطبين، الخطيب، المعلم، حتى الأب، الزوج، يجب أن نراعي الظروف، يعني: هذا الإنسان الذي أمامك ليس مجرد أعضاء ولحم ودم، لا، هو كتل من المشاعر والأذواق والارتباطات، والمعاني والتجارب والأخطاء أيضاً، والأشياء التي ربما في الطفولة تلقاها الإنسان ولا سبيل له إلى التخلص منها بسهولة، فأنت حينما تتناول هذا الإنسان لا تحكم فقط على فعل مجرد، أو خطأ، أو موقف عابر، أو كلمة عابرة، وتعتبر أن هذا الموقف يلخص هذا الإنسان ويختصره ويبين عنه، لا، قد تجد إنساناً عنده تقصير، أو يمارس معصية، فلا تختصره في هذه المعصية، وتعتقد أن هذا الإنسان من أهل النار، لا، هذا الإنسان قد يكون فيه خير وفيه إيمان، وقلبه يشتعل حسرة وندم على ما يقع منه؛ ولكن ابتلي بمثل هذه الأشياء، ( وكل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون )، ( ولو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون ويستغفرون، فيغفر الله تبارك وتعالى لهم )، بل في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه الجماعة وصححه بعض أهل العلم كالشيخ الألباني وغيره، أنه: ( ما من مؤمن إلا وله ذنب هو مقيم عليه، أو ذنب يعتاده الفينة بعد الفينة، إن المؤمن خلق مفتناً تواباً نسياً، إذا ذُكِّر ذَكَر )، فعلينا ألا نختصر الناس في موقف محدد أو خطأ أو ذنب، وإنما ندرك أن هؤلاء الناس لهم ظروف نفسية وأوضاع، وأن الإنسان قد يتكلم في حالة الغضب أو الرضا، وقد يتكلم وهو مذهول أو محزون أو غير ذلك، فنحتاج إلى التلطف معه في إيصال هذه الرسالة والدعوة، وألا ننقلهم من الوضع الذي هم فيه إلى ما هو شر منه، من خلال الأسلوب الذي قد يكون فيه تجاهل لظروفهم وأوضاعهم، وإنما همنا ... ومهمتنا وحرصنا أن ننقلهم من الوضع الذي هم فيه إلى وضع أحسن، وهذا يتطلب قدراً كبيراً جداً من الرحمة والرفق واللين والصبر، وفي كثير من الأحيان يتطلب نوعاً من الدعوة غير المباشرة، بمعنى: ألا تخاطبه في وجهه، وألا تجبهه بالكلام، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً في المنبر، وفي المناسبات -كما في الصحيحين وغيرهما- كثيراً ما يقول: ( ما بال أقوام يقولون كذا، ويفعلون كذا؟ )، ثم يبين هذا الأمر، فليس من الضرورة أن تتحول الدعوة إلى نوع من فضح فلان أو علان، ولا مواجهته أو مجابهته، ولا القسوة عليه، ولا تجاهل الظروف والأحوال والبيئة والمناخ والوعاء الذي تربى فيه هذا الإنسان، نستطيع أن نصنع الكثير جداً، ونستطيع أن نتألف كثيراً من الناس على الخير، ونقربهم إذا رفقنا بهم، وقدرنا ظروفهم، ووضعنا أنفسنا في موضعهم، وحاولنا إذا وجدنا أن هذا الإنسان نافر أو غير متقبل أو في وضع لا يساعده الآن أن نعطيه بعض المهلة، نعطيه بعض الوقت، ممكن أحياناً نستخدم أسلوب الدعوة غير المباشرة، يمكن تأمر غيره وأنت تقصده، وعلى طريقة المثل: (إياك أعني واسمعي يا جارة). يمكن أن تثني وتمدح جوانب وأنت تقصد أن ينتبه لها، أو تذم جوانب أخرى وأنت تقصد أيضاً أن يحذر منها، أو تذكر قصة أو أسلوباً من الأساليب الذي فيه تريبة وتعليم وبناء دون أن يكون تجاهلاً لوضع هذا الإنسان، وظروفه الاجتماعية والنفسية والعقلية التي يمر بها، إن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رحمة، وعلى أتباعه أن يكونوا رحمة كذلك، من خلال تقدير ظروف الناس وأحوالهم، ودعوتهم إلى الله سبحانه وتعالى بالحكمة والموعظة الحسنة.وكما ( ورد عن بعض الشعراء أنه جاء للنبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن بعض الشعر فقال: يا رسول الله! من أجمل ما قلت: فحي ذوي الأضغان تسب قلوبهم تحيتك الحسنى وقد يرفع النغل فإن دحسوا بالكره فاعف تكرماً وإن جحدوا عنك الحديث فلا تسل فإن الذي يؤذيك منه سماعه وإن الذي قالوا وراءك لم يقل ) وصلى وسلم على معلم الناس الخير، نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.