الرئيسة ›برامج›مع المصطفى›كأنك تراه [1] كأنك تراه [1] السبت 2 رمضان 1425هـ طباعة د. سلمان العودة 834 متابعة النص إلغاء متابعة النص الأنتقال الى النص صور من وضوح سيرة النبي صلى الله عليه وسلم من خلال القرآن بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، قدوتنا وإمامنا وسيدنا، وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.محمد صلى الله عليه وآله وسلم كأنك تراه: محمد أنقذ الدنيا بدعوته ومن هداه لنا روح وريحان لولاه ظل أبو جهل يضللنا وتستبيح الدماء عبس وذبيان لم يكن في سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم سر من الأسرار، كانت كتاباً مفتوحاً مكشوفاً. في مكة كان المشركون يحيطون به عليه الصلاة والسلام، الوثنيون، وكانت أحواله وأخباره على غاية ما يكون من الوضوح والعلانية.ثم في المدينة كان من حوله اليهود والمنافقون والوثنيون، وكانت جزيرة العرب كلها عبارة عن مدينة لملاعب الوثنية، وكانت الأوثان تنصب حتى إلى جوار الكعبة، والأعداء يتآمرون على النبي صلى الله عليه وسلم، كانت سيرته في غاية الوضوح. الوضوح في قوله تعالى: (وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) تعجب أشد العجب أموره الخاصة في البيت تعلن في القرآن الكريم: ((وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ))[الأحزاب:37]، بالله عليك أخي الكريم! تخيل لو أن والدك أو شيخك أو حبيبك أو أستاذك قال لك في مجلس فيه عشرون إنساناً، مثلاً: يا فلان! أنت تخفي في نفسك أشياء والله سبحانه وتعالى يبديها، وأنت تخشى الناس والله أحق أن تخشاه، ماذا سيكون شعورك وإحساسك؟ سيكون كثيراً من الامتعاض والانزعاج والقهر، وأنه هذا ليس وقت هذه الكلمة، وكان المفروض: أن تهمس بها في أذني؛ لكن تخيل هذا النبي العظيم يخاطبه ربه جل وتعالى من فوق سبع سموات في قرآن يتلى، ويقول له: ((وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ))[الأحزاب:37].ثم النبي صلى الله عليه وسلم يلقي هذه الآيات إلى أصحابه؛ من الشباب والشيوخ، وحدثاء العهد بالإسلام وغيرهم؛ لتقرأ في المساجد، وليصلى بها، وليتداولها الناس، ولتدون في المصاحف، وليسمعها حتى غير المسلمين، يسمعها المنافقون، وليسمعها المشركون، وليسمعها اليهود الذين يتآمرون، ولم يأبه النبي صلى الله عليه وسلم أنه يمكن أن يستغلوا مثلاً هذا المعنى أو يشهروا بالنبي صلى الله عليه وسلم أو يسيئوا إلى صفحته البيضاء إطلاقاً. سيرة مكشوفة، سيرة ظاهرة، [لم يكن صلى الله عليه وسلم ليخفي شيئاً مما أنزل الله تبارك وتعالى عليه قط]؛ كما قالت عائشة رضي الله عنها. الوضوح في قصة ابن أم مكتوم في سورة عبس بل يحدث له صلى الله عليه وآله وسلم أن يأتيه الرجل الأعمى؛ وهو عبد الله بن أم مكتوم : ( يا رسول الله! علمني مما علمك الله )، وهو مشغول بدعوة الكبراء، فيضيق صدر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، ويريد أن يخصص هذا الوقت لدعوة آخرين، إنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يتشاغل عنه بأكل أو شرب أو نوم أو أمر من أمور الدنيا، كان يتشاغل بأمر يتعلق بالدعوة، وفي مصلحتها، فينزل العتاب من السماء، على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى لسان جبريل، ويتلوه النبي صلى الله عليه وسلم، ويصلي به في الصلوات الجهرية، ويقرؤه بأعلى وأندى صوت ليسمعه القريب والبعيد: ((عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى))[عبس:1-4].. إلى قوله سبحانه: ((فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى))[عبس:10]، فسمى ذلك: تلهياً، مع أنه لم يكن لهواً منه صلى الله عليه وسلم وحاشاه، وإنما كان انشغالاً بأمر آخر؛ هو من أمور الدعوة ومصالحها، فيؤدبه ربه ويعلمه أن الناس سواسية، وأن من تقبل الحق ولان له واستجاب له وأشرب قلبه حبه، فهو الجدير والخليق بأن يهتم به ويستجاب له ويستمع إليه.. إلى غير ذلك مما هو من هدي وسنة النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، فتجد هذا الوضوح الكامل المباشر. الوضوح في قوله تعالى: (ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم) بل أشد وأعجب من ذلك: أن يقع في المدينة المنورة قصة؛ وهي أن تسرق درع، ويختلف الناس من الذي سرق؟ وتشير أصابع الاتهام إلى بعض اليهود، وتشير أصابع الاتهام إلى بعض المسلمين الذين يتظاهرون بالإسلام وحقيقتهم النفاق، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم دافع عن هؤلاء المسلمين، أو مال إلى تبرئتهم، وهنا ينزل القرآن أيضاً: ((إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا * ((وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا * وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا))[النساء:105-107]، قف عند هذا المعنى العظيم، في مجتمع المدينة، المجتمع الذي لا يزال منقسماً على نفسه، وفيه من فيه من اليهود والمنافقين والوثنيين والمؤمنين وغيرهم، وفيه القبائل المختلفة المتعددة، ثم يظل الوفاء للحق والصبر عليه والإيمان به هو المبدأ الذي يربي الله تعالى عليه نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم في كل الظروف، حتى ينزل قرآن يعاتبه على هذا الموقف، ويقول له: إن السرقة هي من هؤلاء المنافقين المنتسبين إلى الإسلام، وليست من أولئك اليهود الذين دارت حولهم أصابع الاتهام.هذا الوضوح والمباشرة في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم هي اللائقة والخليقة برجل مثله، جعل الله تعالى سيرته قدوة للعالمين كلهم جميعاً. الصفات الخلقية للرسول صلى الله عليه وسلم إنك تعجب وأنت تقرأ تفاصيل شخصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم! لقد وجدت العلماء يتكلمون مثلاً عن شكله الظاهر أو خلقه فيعطون أدق التفاصيل؛ شعره صلى الله عليه وآله وسلم، شعر رأسه كان وسطاً؛ ليس بالجعد ولا بالسبط، يعني: ليس من شعور الغربيين، الشعور الناعمة جداً، ولا مثل شعور السودان المجعدة، وإنما هو وسط بين ذلك، وهذا الشعر أحياناً يطول يضرب إلى منكبيه، وأحياناً يقصر ليكون إلى أنصاف أذنيه، وكان صلى الله عليه وسلم يعتني بشعره، من حيث دهنه، من حيث كده وتسريحه.. إلى غير ذلك، عائشة رضي الله عنها كانت تباشر ذلك بالمسك، وأحياناً تنزل ما يتعلق بناصية شعر النبي صلى الله عليه وسلم على جبهته ثم تفرقها بالمشط ذات اليمين وذات الشمال، وتقوم بعد ذلك بتسريحها. ما يتعلق مثلاً: بوجهه صلى الله عليه وسلم، كان مستدير الوجه، ليس استدارة كاملة، لكنه أشبه بالقمر المكتمل: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل يعوذ به الهلاك من آهل هاشم فهم عنده في خيرة وفواضل كان وجهه صلى الله عليه وسلم أبيض مشرباً بالحمرة، كأنما الشمس أو القمر تجري فيه، جبهته صلى الله عليه وسلم: أجلى الجبهة، ظاهر الجبهة، واسع الجبهة، حتى تقول عائشة رضي الله عنها: ( إنه إذا خرج في الليل كأن جبهته سراج يضيء ) بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام. عيناه: زهراوان، واسعتان، كأنه أكحل صلى الله عليه وآله وسلم. أنفه: قائم أقنى، يعني: كأن وسط الأنف مرتفع قليلاً عن بقية الأنف. وجنتاه صلى الله عليه وسلم وخداه: صافنان، أبيضان، مستقيمان. فمه صلى الله عليه وسلم عليه وسلم: كان واسع الفم، وكان عليه الصلاة والسلام يهتم بنظافة فمه بالسواك وغير ذلك كما هو معروف من سيرته. لحيته صلى الله عليه وسلم: كان لحيته كثة، لكنها لم تكن بالكبيرة ولكن بين ذلك، وكان صلى الله عليه وسلم يهتم بتسريحها ودهنها وتنظيفها وتطييبها. جسده الطاهر عليه الصلاة والسلام: كان وسطاً من الرجال، ليس بالطويل البائن الشديد الطول، ولا بالقصير الشديد القصر، ولكنه وسط بين ذلك عليه الصلاة والسلام. صور من تواضعه صلى الله عليه وسلم وبعده عن الخيلاء ما يتعلق بلباسه صلى الله عليه وآله وسلم: كان يحب من اللباس ما تيسر، لا يتكلف مفقوداً ولا يرد موجوداً، وقد يلبس اللباس الخشن، ولبس جبة رومية، ولبس العمامة صلى الله عليه وسلم، ولبس لباس العرب، ولبس الإزار والرداء، ولبس ما تيسر له عليه الصلاة والسلام، وكان يحب الطيب من اللباس، ويحب النظيف من اللباس، ولكنه لا يبالغ ولا يتكبر، ولا يطيل ثوبه، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن ذلك، خصوصاً إذا صحبه خيلاء، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ( لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء ).وهكذا ما يتعلق بحذائه صلى الله عليه وسلم، ما يتعلق بفراشه، ما يتعلق بحياته كلها، إنه عليه الصلاة والسلام كان نموذجاً للإنسان البعيد عن التكلف، البعيد عن الخيلاء، البعيد عن الكبرياء، الحريص على أن يكون قريباً من الناس في مأكله ومشربه وملبسه ومركبه ومجلسه، ولقد نام صلى الله عليه وآله وسلم بأبي هو وأمي يوماً على سرير، فأثرت ناحية السرير على جنبه؛ لأنه لم يكن بينه وبينه فراش وثير أو ناعم. وهكذا صلى الله عليه وسلم كان يجلس أحياناً على التراب، وربما أكل على الأرض، وربما قعد على الحصير: ( ويوماً من الأيام دعته امرأة إلى طعام صنعته له، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فأكل من الطعام ثم قال لهم: قوموا لأصلي بكم، فقاموا، ومعهم أنس بن مالك )، وهي قد تكون أم أنس أو جدته على الاختلاف. المهم قاموا.. يقول أنس رضي الله عنه: (فقمنا إلى حصير لنا)؛ فراش قديم مصنوع من الخز، (قد اسود من طول ما لبث، أسود، فغسلوه ونظفوه ثم فرشوه، وتقدم إمامهم، وإمامنا، وإمام البشرية كلها محمد عليه الصلاة والسلام؛ ليصلي بهم، وجعل أنساً ورجلاً آخر وراءه، ثم المرأة العجوز من ورائهم، فصلى لهم ركعتين ثم انصرف )، بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.ولو شاء لسارت معه الجبال ذهباً وفضة، لكنه عليه الصلاة والسلام آثر البساطة والعفوية، وترك التكلف، وأن يكون قريباً من الناس، يشاكلهم في كل ما يفعلون وما يتركون، ولا يشق عليهم بمثل ذلك.صلى الله عليه وسلم ورضي وأنعم، والحمد لله رب العالمين.