الرئيسة ›برامج›مع المصطفى›في بيت عائشة في بيت عائشة الاثنين 6 شعبان 1425هـ طباعة د. سلمان العودة 804 متابعة النص إلغاء متابعة النص الأنتقال الى النص فضل عائشة رضي الله عنها ومكانتها العلمية بسم الله الرحمن الرحيم.حمداً لله تعالى، وصلاة وسلاماً على النبي المصطفى، المختار المجتبى محمد، وعلى آله وصحبه وأزواجه وأتباعه بإحسان.أيها الأحبة! نحن اليوم في بيت عائشة بنت أبي بكر؛ الصديقة بنت الصديق كما يسميها العلماء، وكتبوا ذلك في كتبهم. لقد كان الصحابة رضي الله عنهم يدرون فضل الله تبارك وتعالى عليهم ببعثة هذا النبي الأمي ... ، ويشكرون الله تعالى على عظيم هذه النعمة، كما كان يقول عبد الله بن رواحة الشاعر ... الصادق، يقول: وفينا رسول الله يتلو كتابه إذا انشق معروف من الفجر ساطع أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا به مؤمنات أن ما قال واقع يبيت يجافي جنبه عن فراشه إذا استثقلت بالمشركين المضاجع عائشة رضي الله عنها حافظة حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأستاذة كبيرة في هذا العلم، حتى قال أبو موسى: [ ما أشكل علينا أمر فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علماً]. فقد ساقها الله تعالى في مثل هذا السن لتكون ربيبة بيت النبوة، وتتعلم العلم وتحفظه، حتى إنها من أكثر الصحابة حفظاً ورواية للسنة، وحتى إن عائشة رضي الله عنها كانت تستدرك على أكابر الصحابة وتصحح لهم، صححت لـعبد الله بن عمر، صححت لـأبي هريرة، وصححت لـابن عباس، وغيرهم؛ بل ألف بعض العلماء كتاباً خاصاً سماه: الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة رضي الله عنها على الصحابة، فهي في تلك السن المتألقة، الذهن الوقاد، الذكاء القوي، الحرص الشديد، وتتلقى من هذا النبي المعلم عليه الصلاة والسلام، كان من وراء ذلك خير كثير، وحكمة ربانية بالغة لا يعقلها إلا العالمون.لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يبحث في الفتيات فقط عن الجميلات، وإن كانت عائشة من أجمل النساء، ولم يكن يبحث فقط عن الفتاة صغيرة السن، ولو شاء صلى الله عليه وسلم لقدمت له قريش أحسن فتياتها، ولكنه اختار أولاً: خديجة كما أسلفت، وبعدما توفيت رضي الله عنها وأرضاها تزوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة، وهي الوحيدة التي تزوجها بكراً؛ وذلك لعمق العلاقة والمكانة بينه وبين الصديق رضي الله عنه، ولحكمة الله تعالى في أن تكون عائشة مدرسة نبوية، تحفظ للمسلمين هدي النبي صلى الله عليه وسلم خصوصاً ما يتعلق بالنساء، مثلاً: من هو الذي روى لنا كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع وهو في الفراش مع زوجته؟ نعم هذه أسرار وخصوصيات؛ لكن بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم لم تكن كذلك، كانت حاجة لأن يتعلم الناس أحكامها وحلالها وحرامها، وما هو منها مشروع، وما هو غير مشروع، فكانت عائشة رضي الله عنها هي التي تنقل لنا ذلك، حتى تقول رضي الله عنها: أنها كانت مثلاً: ( إذا حاضت ألقى النبي صلى الله عليه وسلم على فرجها ثوباً وأمرها أن تتزر، ثم ينام النبي صلى الله عليه وسلم معها ويداعبها )، دون طبعاً أن يرتكب الممنوع، كما قال الله تعالى: ((فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي المَحِيضِ))[البقرة:222]. وهكذا من الذي علمنا كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل في بيته؟ إنها عائشة رضي الله عنها التي تحكي: ( أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يكون معها في مكان الاغتسال، فتأخذ من الماء وتصب على جسدها، ويأخذ النبي صلى الله عليه وسلم ويصب على جسده، وهي تقول: اترك لي يا رسول الله! وهو يقول: اتركي لي يا عائشة! )، بهذه البساطة، بهذه العفوية، بهذه المباشرة التي تحتاجها الكثير من البيوت، بعيداً عن التكلف والمبالغات والتصنع والأشياء التي تحول دون وضوح العلاقة وانسجامها وصدقها. عبر وفوائد من قصة في بيت النبوة جاء النبي صلى الله عليه وسلم يوماً من الأيام -كما في صحيح مسلم- إلى بيت عائشة؛ ليلة عائشة وفي بيتها. ولما نقول: بيتها، يتخيل البعض قصوراً فارهة، وأماكن ضخمة، ومباني هائلة.. كلا، إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن في مجموعة من الحجرات صغيرة جداً، ربما إذا قام الإنسان وصل رأسه إلى السقف، وإذا نام ربما رجله تكاد أن تصل إلى أقصى الجدار، و( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى وأمامه عائشة وأراد السجود همزها أو غمزها فكفت رجلها؛ حتى يسجد النبي صلى الله عليه وسلم في موضع قدميها، ثم إذا قام بسطت رجلها لتواصل نومها رضي الله عنها )، كانت بيوتاً بسيطة؛ لكن كان فيها بناء المجد والعلم والحضارة، وقمة الروح والسعادة، فمتى يعي الناس ويفقهون أن السعادة ليست في المظاهر والأشكال، والملابس والسيارات الفارهة، والقصور الفخمة، والممتلكات والأرصدة، وإن كانت هذه الأشياء إذا كانت في الحلال فلا حرج فيها، وإنما السعادة تنبع من داخل قلبك.يأتي النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت عائشة وإلى نوبتها وينام معها، حتى إذا رأى أنها قد نامت، وظهر أثر نفسها، قام النبي صلى الله بهدوء، ولبس ثوبه، ولبس نعله، ثم خرج قليلاً وأغلق الباب برفق، وصحت عائشة؛ لأنها لم تكن استغرقت في النوم، وهنا ثارت ثائرتها وجاء الشيطان، وكما في الحديث: ( أجاء شيطانك )، وقال لها: هه! لقد ذهب إلى امرأة أخرى، فلبست ثيابها، وخرجت في الليل البهيم وراء النبي صلى الله عليه وسلم تتبع خطواته، ذهب النبي صلى الله عليه وسلم وهي وراءه، إلى أين.. يا ترى إلى بيت أي امرأة من نسائه سوف يذهب؟ من هذه التي يفضلها عليَّ ويذهب في ليلتي إليها؟ وخرجت عائشة ترقبه من بعيد، ذهب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى البقيع، كان في أمر آخر، لقد ذهب إلى القبور، وسلم على أصحابه رضي الله عنهم الذين قضوا وأفضوا إلى الدار الآخرة، وقال: ( السلام عليكم يا أهل القبور! السلام عليكم دار قوم مؤمنين، ليهنكم ما أنتم فيه مما أصبح الناس فيه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع بعضها بعضاً )، ودعا لهم واستغفر لهم، ثم رجع، رجع النبي صلى الله عليه وسلم، وخلع ثوبه وخلع نعله، ثم جلس في الفراش، والتفت إلى عائشة أتراها نائمة؟ كلا، ولكنها تتظاهر بالنوم، فقد أغمضت عينها، وحاولت أن تصور كما لو كانت نائمة فعلاً، ولكن حركة صدرها والنفس الثائر يعبر عن أن المرأة لم تكن نائمة، فالتفت عليها المعلم الزوج صلى الله عليه وسلم، وقال لها: ( عائشة! ما الخبر؟ )، ما لك؟ ( ففتحت عينيها كأنما تستيقظ لتوها، وقالت: أبداً، لا شيء يا رسول الله. قال: لتخبريني أو ليخبرني اللطيف الخبير. قالت: والله يا رسول الله! رأيتك خرجت فخرجت وراءك وخشيت أن تذهب لتلم ببعض نسائك. قال لها: أخشيتي أن يحيف الله عليك ورسوله؟ قالت: يا رسول الله! مهما يكتم الناس يعلم الله )، هذا الذي خشيته وهذا الذي تابعتك من أجله، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنت السواد الذي رأيت أمامي؟ )، وكان صلى الله عليه وسلم قد لحظ ورأى سواداً أمامه؛ ولكنه لم يتبين له، ( قالت: نعم يا رسول الله! فلهدها في صدرها )؛ ضربة يعني: ليست ضربة عنف -كما يفعله بعض الرجال- ولا قسوة، وإنما للتأديب، يعني: لمجرد أن يقول لها: إن هذا الفعل الذي فعلتيه كان خطأً، لم يكن لك أن تظني هذا الظن، ولا أن تفعلي هذا الفعل، إنها حركة بسيطة بطرف أصابعه، وفيها تعليم، قال لها: ( إن جبريل أتاني هنا؛ ولم يكن ليدخل علي وقد وضعتي ثيابك للنوم )، يعني: كانت بملابس النوم، ( فأشار إلي فخرجت، فقال لي: إن الله تعالى يأمرك أن تذهب، وأن تستغفر لأهل البقيع، فذهبت واستغفرت لهم ). معاملة الزوج زوجته بلطف عند اشتداد غيرتها هذه القصة أيضاً فيها عجائب، يعني: هذا الآن مشهد عابر معبر من مشاهد بيت النبوة؛ عائشة الصديقة رضي الله عنها، المعلمة، الفقيهة، العالمة يقع منها مثل هذا الشعور، وبحق من؟ بحق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم تبوح به، وتتبع خطواته صلى الله عليه وسلم، وانتهى الموقف عند حد أنه ضربها بطرف أصابعه، أو لكزها لكزة خفيفة تأديبية، وأخبرها بالخبر: أن جبريل أتاني وأمرني أن أستغفر لأهل البقيع. أنت يا أخي! -ولأكن صادقاً معك- زوجتك حينما فتحت الجوال في غيبتك، ولاحظت الأرقام، ولاحظت الرسائل الموجودة، أليس في جوالك ما تداريه وتخفيه عن أهلك، هذه الأرقام من حق الزوجة ربما أن.. أنا لا أقول: من حقها أن تتجسس عليك؛ لكن إن حصلت منها الغيرة، وحصل منها هذا الاندفاع، كان من حقك أن تشرح لها الأمر بشكل جيد، وأن الأمر كيت وكيت وكيت، وليس هناك أي أمر يوجب الشك أو الريبة، مع أنه لو تأملت كيف النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المقام الرفيع العالي، ومع ذلك قدر من عائشة رضي الله عنها مثل هذا الموقف، وشرح لها بشكل جيد. معالجة الاختلافات بين الأزواج وتذكر كل واحد مكانة الآخر إذاً: قضية العلاقة الزوجية كيف يمكن أن تكون؟ وهنا أركز وأؤكد على معنىً واحد فقط في موضوع العلاقة؛ وهو كيفية معالجة الاختلافات التي تقع بين الأزواج وتكاد أن تطيح بالحياة الزوجية، فأكثر ما يدمر الحياة الزوجية ويفضي إلى الانفصال، سواء كان انفصالاً عاطفياً أو حتى انفصالاً يفضي إلى الطلاق، وتدمير البيت الذي أسس على الإيمان، وعلى التقوى، وعلى عقد شرعي ومقدس، إنه ليس بسبب مشكلات كبيرة وضخمة وطويلة وعريضة، ربما أغلب الحالات أن ذلك يكون بسبب مشكلات صغيرة، تتراكم ولا يتم حلها بشكل جيد.إننا بأمس الحاجة -أزواجاً وزوجات- إلى أن نتعلم كيف نتكيف مع الآخرين، وإلى أن نكون منصفين، بمعنى: أنه يجب عليك أيها الزوج! أن تضع نفسك مقام المرأة، فهذه المرأة مثلاً: قعيدة أربعة جدران.. تعاني من المشاكل: الأطفال، الطبخ، غيبتك، بعدك، لا تستغرب أنها تعتب عليك إذا تأخرت في المجيء مثلاً، وربما أنت تسهر في استراحة مع أحد أصدقائك مثلاً، لا تستغرب إذا وجدت منها أحياناً نوعاً من الغضب لمعاناتها مع أطفالها، قل لي بالله عليك: لو فرض أنك ستتولى أمر المطبخ يوماً من الأيام، هل تطيق ذلك؟ هل تتحمله؟ أو لو كتب لك أن تعاني أمر الأطفال، وتقوم بتلبيسهم وتنظيفهم وتغذيتهم، وتحمل صراخهم وانفعالاتهم وغضبهم فيما بينهم، هل كنت تتحمل؟ إن الله تعالى أعطى المرأة قدرة على التحمل ليست عند الرجل، فالمرأة في حملها.. في حمل الطفل، ثم في ولادته، تتحمل أمراً لا يستطيعه أشداء الرجال الذين يواجهون المعارك والحروب، ثم كذلك في معاملة الأطفال، في القيام بشئون المنزل، في رعاية الزوج، فهي سيدة على مملكة كبيرة جداً، وتستحق التوقير والإجلال، والإكرام والاحترام، والشفافية والمصارحة، والوضوح والصبر أيضاً من الزوج.وبالمقابل فالزوجة عليها أن تدرك حق الزوج ومكانته، وأنه في النهاية هو السيد، كما قال ربنا سبحانه: ((وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ))[يوسف:25]، وصاحب القرار الأخير، وإذا عرف كل إنسان قدر الآخر، هنا ربما نستطيع أن نضمن بيوتاً سعيدة، آمنة مطمئنة، يظللها الإيمان والبر والتقوى.إن هذه البيوت الآمنة هي من أعظم الضمانات للحفاظ على المجتمع المسلم والأمة المسلمة، ومقاومة عوامل التدمير وعوامل الهدم في المجتمع الإسلامي.وبالمقابل على الإنسان أن يكون عنده من الإيمان بالدار الآخرة والاستعداد لها بقراءة القرآن، بزيارة القبور، بتذكر هذه الأمور ما يحفظ له إيمانه ويقينه. أتيت القبور فناديتها فأين المعظم والمحتقر وأين المذل بسلطانه وأين العظيم إذا ما افتقر تفانوا جميعاً فلا مخبر وماتوا جميعاً وأضحوا عبر اللهم صل على محمد، وآله وأصحابه وأزواجه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.