الرئيسة ›برامج›مقاصد الحج›مقاصد الحج [13] مقاصد الحج [13] الأربعاء 22 ذو الحجة 1425هـ طباعة د. سلمان العودة 746 متابعة النص إلغاء متابعة النص الأنتقال الى النص استشعار العبد فضل الله عليه في تيسير الحج له من بين سائر الناس المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.أيها المستمعون الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أهلاً ومرحباً بكم إلى هذا اللقاء المبارك ضمن لقاءات برنامجكم: (مقاصد الحج)، يسرنا أن نرحب في بدء هذه الحلقة بضيفنا فضيلة الشيخ الدكتور: سلمان بن فهد العودة المفكر الإسلامي والمشرف العام على مؤسسة وموقع الإسلام اليوم، باسمكم جميعاً نرحب بالشيخ سلمان ، أهلاً ومرحباً بكم.الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: مرحباً بكم، حياكم الله جميعاً. المقدم: شيخ سلمان! ونحن نسجل هذا اللقاء وهو اللقاء الأخير في حلقات هذا البرنامج: (مقاصد الحج)، وقد استعرضنا جملةً كبيرةً أثناء الحديث معكم في الحلقات الماضية حول مقاصد الحج، لعلنا نتناول بعضاً أيضاً من هذه المقاصد في هذه الحلقة معكم، اتفضل شيخ سلمان.الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: بسم الله الرحمن الرحيم.حمداً لله تعالى، وصلاةً وسلاماً على نبيه المصطفى وخليله المجتبى محمداً بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.هذه أيام فاضلات، وليال مباركات، وفرص طيبة من فرص العمر التي يمن الله بها على من يشاء من عباده.إن الحج اختيار يختار الله سبحانه وتعالى له من يشاء، وهكذا العمل الصالح، بل الإيمان، يقول الله سبحانه وتعالى عن بعض المؤمنين: (( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى ))[الحجرات:3]؛ وذلك لأنهم يغضون أصواتهم عند النبي صلى الله عليه وسلم كما ورد عن أبي بكر وغيره من الصحابة رضي الله عنهم، فامتحان القلوب للتقوى يعني نوعاً من الاختيار والاصطفاء والاجتباء. فليستشعر المسلم أولاً هذا المعنى: أن الله سبحانه وتعالى منّ عليه بالحج، ومنّ عليه بأداء هذه الفريضة وإكمالها، هناك من لم يتمكن من ذلك، وهناك من قد يكون بدأ ولم يكمل، وهناك من قد يكون حال بينه وبينه عجز مادي، أو يكون حال بينه وبين أداء الحج معصية لله سبحانه وتعالى قعدت به، كما كان الحسن البصري رحمه الله يقول: [ قيدتكم ذنوبكم، قيدتكم خطاياكم ]، فكون الله عز وجل منّ على الحاج بأداء الحج وأداء النسك، ثم منّ عليه بإكماله، هنا على الإنسان أن يسأل الله عز وجل أن يمن عليه بالقبول، فإن القبول هو التتويج لهذه الأعمال، وربنا سبحانه وتعالى يقول: (( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِينَ ))[المائدة:27]. تطهير القلب وتخليصه من الذنوب والمعاصي الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: ولذلك إذا كنا تحدثنا بالأمس عن التقوى، وأن من أعظم معالم الحج وشعائره ودروسه التي يجب أن يستشعرها الإنسان، وأن يختم بها، وأن يجعلها ثمرة لهذا الحج ولهذا النسك، يرجع بها وفي قلبه وعقده وضميره أن يتخلص من أوضار الذنوب والمعاصي، ومن المخالفات، ومن العقوق، ومن الربا، ومن ألوان الذنوب التي يعلمها هو، ويعلمها قبل ذلك الله سبحانه وتعالى، وإن كان الناس لا يعلمونها، فلا يغرك ما يقول الناس عنك، ولا ما ينظرون إليك، وليست العبرة بالمظاهر ولكن بالحقائق، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول كما في صحيح مسلم : ( إن الله لا ينظر إلى صوركم، ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم -وفي لفظ-: وأعمالكم ).إذاً: الصورة وحدها لا تعني شيئاً، كون الإنسان ظاهره طيب هذا مطلوب ولا شك، ولكن لا يكفي، فالعبرة بالقلب وما احتوى عليه هذا القلب ( ينظر إلى قلوبكم )، فالقلب موضع نظر الرب كما يقول العلماء، فأي قلب تلقى الله تبارك وتعالى به (( يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ))[الشعراء:88-89]، سليم من الشرك، سليم من الشبهة، سليم من الشهوة، سليم من الغل، من الحقد، من الحسد، كم نحتاج إلى مثل هذه القلوب، وكم نحتاج إلى أن تكون هذه العبادات تفرز أثرها الإيجابي المطلوب علينا، وأن يسأل الإنسان نفسه. حرص كثير من الناس على الحج كل سنة وأثره على الآخرين الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: كثير من الناس يحجون ربما كل سنة، ويبذلون أموالاً، ويتحايلون حتى على الأنظمة، وقد يكونون سبباً في مزيد من الازدحام، وهذا في نظري ليس جيداً، لماذا يحج الإنسان كل سنة؟ دع الناس يحجون، ووسع على المسلمين، وهذا المال ربما تنفقه في سبيل الله، أو تعين به ملهوفاً أو محتاجاً، أو تغيث به مكروباً، أو تصل به رحماً، أو تطعم به جائعاً، أو تكسو به عارياً فذلك خير وأفضل من نوافل يترتب عليها مفاسد عظيمة من مزيد من المضايقة على الناس، والإحراج لهم، وتكرار هذا الأمر، وما يترتب عليه أحياناً نوع من الكذب، ومخالفة الواقع، ومخالفة النظام لما لا مصلحة من ورائه، ومع ذلك مع تكرار الحج ربما قصارى ما يريده الإنسان من الحج هو فقط الأجر والثواب الذي ينتظره، وأنا لا أقلل من أهمية الأجر والثواب، فالله سبحانه وتعالى بيده الخير والفضل العظيم، ونسأل الله أن يتقبل من الحجيج جميعاً، وأن يردهم سالمين غانمين، ويعظم لهم الأجر والمثوبة، وأن يكتب لهم الرضوان والسعادة أبداً، لكن مع ذلك الأجر يكون مرتبطاً بنوع الأداء الذي أدى الإنسان به العمل، وبماذا رجع الإنسان؟ وهل تغير قلبك؟ الاهتمام بتطهير القلب والعودة من الحج بقلب سليم الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: فإذا كان الحاج يعلم أن الله تعالى ينظر إلى قلبه كما أخبر الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام: ( ينظر إلى قلوبكم )، انظر أنت إلى قلبك، أي قلب تحمل؟ وأي قلب تلقى الله تعالى به؟ وأي قلب يتنقل بين هذه المشاعر وبين هذه الشعائر وبين هذه العبادات؟ القلب الذي يعود الآن ويئوب من مكة أهو القلب الذي جئت به بما فيه من كراهية، من حقد، من بغضاء، من مشكلات، من حزازات، من من.. إلى آخره؟ أم هذا القلب قد تم غسله وتنظيفه كما تتوضأ خمس مرات في اليوم والليلة للصلاة، وكما تصلي خمس مرات، وكما تتطهر من كل الأدران والأنجاس، وكما تغتسل من كل الأوساخ والأقذار، وكما يحب الله سبحانه وتعالى من عباده أن يكونوا نظيفين في مظاهرهم، في أشكالهم، في ملابسهم، في روائحهم، في هيئاتهم، فكذلك بل أشد يحب الله تعالى من عباده أن يكونوا نظيفين في قلوبهم، في مشاعرهم، في أحاسيسهم، في دواخلهم، هذا معنىً راق عظيم. أنت تعود الآن من رحلتك في الحج إلى زوج ينتظرك، زوجة تنتظرك، تعود إلى أولاد يترقبون قدومك، تعود إلى جيران فقدوك، تعود إلى زملاء في العمل، تعود إلى شركاء في المؤسسة، تعود إلى أناس منهم الصديق، ومنهم العدو، المحب، المبغض، القريب، البعيد، الموالي، والمعادي، فبأي نفس سوف تعود؟ هل سوف تعود حليمة إلى عادتها القديمة، وتبقى كما أنت مثل الحجر يغسل بالماء ولا يتغير ولا يتأثر؟ أم إنك سوف تعود بوجه غير الذي ذهبت به، وعندك على الأقل نوع من اليقظة في قلبك، ونوع من استشعار الخوف، استشعار الندم، استشعار الحرقة، استشعار وجوب التغيير؟ يجب أن يكون ثمة تغيير في حياتك، بعد رمضان يجب أن تغير، بعد الحج يجب أن تغير، ويجب أن تقول: إذا كان رمضان يأتي ويدخل ويخرج وأنا أنا كما كنت، الحج أحج وأنصرف وأعود وأنا لم أتغير، فما الذي سوف يغيرني؟ هل ينتظر الإنسان مثلاً أن يقع له حادث معين، أو أن ينزل به مرض مفاجئ، أو أن يكون عنده مصيبة وكارثة هي التي تحمله حملاً أن يكون مقهوراً قهراً على التغيير، فيكون كعبد السوء الذي يساق بالعصا والسوط إلى الفعل؟ أم إنك تختار لنفسك أن تقبل إلى ربك بطوعك وإرادتك، منكسراً، مستغفراً، مقراً بالذنب، معترفاً بالعيب، مستغفراً للرب، طالباً للقرب، وأن تعلم أن مدار ذلك كله على السؤال عن مردود وأثر هذه العبادة على ما في قلبك، وعلى ما في داخلك، نعم سعيت، وطفت، ورميت، ووقفت، ولبيت، ونحرت، وفعلت أشياء كثيرة، وصليت، واستغفرت، وكتب لك صحبة مجموعة من الأخيار، ربما انتفعت بحديثهم، بدروسهم، بمحاضراتهم، بمجالستهم، وأرجو ألا يكون حصل من المشكلات والخلافات والصراعات والتنافس ما يفسد قدسية هذه العبادة وأثرها.بقي السؤال الأخير بعد هذا كله: المحصلة النهائية، الطالب خرج من الاختبار، الشهادة ماذا تحمل؟ أي تقدير حصلت عليه؟ أي مستوى من الدرجات وصلت إليها؟ ما هي النتائج التي خرجت بها؟ هذا سؤال يجب أن نطرحه على أنفسنا، وأن نستشعره. العزم على التغيير في النفس من خلال الحج الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: هذه الأمة تمر بظروف صعبة، أنا وأنت أفراد من أفرادها، إذا غيرنا ما بأنفسنا غير الله تبارك وتعالى ما بنا، كما قال سبحانه: (( إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ))[الرعد:11]، فليكن الحج فرصة للتغيير، وبدلاً من أن نتحدث طويلاً وكثيراً عن تغيير أوضاع الأمة على صعيدها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعلمي، وهذا لا شك كله مطلوب، ينبغي أن نبدأ الخطوة الأولى، الخطوة الأولى تبدأ من عندي، تبدأ من عندك، فلنتفق أنا وإياك على أن يكون الحج فرصة لأن نغير ما بنا، أن نبدأ ولو بخطوة واحدة، أن نعود إلى الله سبحانه وتعالى، (( قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا للهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ))[سبأ:46].أن يسعى الإنسان إلى الخطوة الأولى، والله عز وجل يعينه، فإذا علم الله تبارك وتعالى من عبده الصدق والإخلاص أعانه، وفي الحديث القدسي يقول ربنا جل وتعالى كما في صحيح البخاري : ( من تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، ومن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً، ومن أتاني مشياً أتيته هرولة ).فالله تبارك وتعالى لك بالخير أقرب، وبالإعانة أقرب، وبقبول التوبة أقرب، عليك أن تصدق الله سبحانه وتعالى، وأن تقبل على الله عز وجل، وأن تعزم عزيمة صادقة وإرادة قوية على التخلص من كل الأخطاء التي أنت تعترف أنها موجودة في حياتك، وأن تعزم عزيمة صادقة قوية أيضاً على الرجوع إلى كل الواجبات التي أنت تعترف بالتقصير فيها، ترك الصلاة مثلاً، كيف يحج الإنسان ولا يصلي؟ أو غير ذلك من الواجبات الشرعية سواءً كانت واجبات تعبدية، أو كانت حقوقاً للآخرين، وأن تعزم عزيمة صادقة على أن تحفظ حقوق الناس، وأولى الناس بحفظ الحقوق هم المحيطون بك من زوجة، من أسرة، من جيران، من زملاء، من مرءوسين، من أقارب، من شركاء، أن تصدق الله تعالى في حفظ حقوق هؤلاء الناس، وأن تعزم عزيمة صادقة على أن يكون الحج هو بداية جديدة لمرحلة من مراحل الإصلاح والتغيير والتطوير في حياتك نحو الأفضل، ونحو ما يحبه الله تعالى ويرضاه، وربنا سبحانه وتعالى يقول: (( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ ))[العنكبوت:69].أسأل الله جل وتعالى أن يجعلنا وإياك من المجاهدين في سبيله، المهديين إليه عز وجل، وأن يرزقنا وإياك والمسلمين جميعاً الدرجات العلى من الجنة، ويوفقنا لصالح القول والعمل، إنه جواد كريم. المقدم: آمين، بارك الله فيكم. وبعد: أحبتنا الكرام! فمع انتهاء هذه الحلقة من حلقات برنامجكم نكون قد وصلنا إلى ختام حلقات هذا البرنامج: (مقاصد الحج)، كنا قد استضفنا من خلالها فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة المفكر الإسلامي، والداعية المعروف، والمشرف العام على موقع ومؤسسة الإسلام اليوم، قد آنسنا فضيلته شكر الله له بحديث ماتع تطرق من خلال حديثه في هذه الحلقات حول جملة كبيرة من مقاصد الحج. نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا جميعاً بما سمعنا، ونسأله أن يتقبل من الحجاج حجهم، وأن يرزقنا وجميع الإخوة المستمعين على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يتقبل منا ومنكم صالح العمل.أحبتنا الكرام! إلى هنا ينتهي هذا اللقاء، حتى الملتقى في برامج قادمة ولقاءات قادمة نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.