الرئيسة ›برامج›مقاصد الحج›مقاصد الحج [9] مقاصد الحج [9] الأربعاء 22 ذو الحجة 1425هـ طباعة د. سلمان العودة 694 متابعة النص إلغاء متابعة النص الأنتقال الى النص دور الحج في إبراز الأخلاق ومعادن الناس المقدم: الحلقة التاسعة. بسم الله الرحمن الرحيم.الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.أيها المستمعون الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أهلاً ومرحباً بكم إلى هذا اللقاء ضمن لقاءات برنامجكم: (مقاصد الحج)، والذي نستضيف من خلاله فضيلة الشيخ الدكتور: سلمان بن فهد العودة المشرف العام على مؤسسة وموقع الإسلام اليوم، والمفكر الإسلامي. باسمكم جميعاً نرحب بالشيخ سلمان ، أهلاً ومرحباً بكم.الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: مرحباً، حياكم الله. المقدم: ما زلنا في الحديث معكم شيخ سلمان في مقاصد الحج، وكنا قد تناولنا في الحلقة الماضية مقصد تحقيق الأخلاق الإسلامية، وتوقفنا عند بعض الوسائل المعينة لتحقيق هذا المقصد، وهو شيوع الأخلاق وتحقيقها وتطبيقها في المجتمعات الإسلامية، فلعلنا نكمل الحديث معكم حول هذا الجانب. أهمية التحلي بالأخلاق في الحج وتأكيد الله تعالى على ذلك الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: بسم الله الرحمن الرحيم.الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه أجمعين.نعم، كنا نتحدث عن موضوع الأخلاق، وكما تقول العرب: الحديث ذو شجون، حقيقةً: محزن جداً أن نتكلم عن الأخلاق، ونستذكر معاني الحج وارتباطها بهذه القيم الأخلاقية، وقد قلت في الحلقة الماضية: إن الأخلاق تبرز وتتميز من خلال الاحتكاك بالناس ومخالطتهم، فالحج ليس احتكاكاً فقط، وإنما ربما احتكاك يصل إلى درجة التزاحم أحياناً، وإلى درجة التضايق والتنافس على الفرص، على الطريق، على الماء، على الأكل، على الشرب، على المكان، على المركب، على الطواف، فهنا تبرز أهمية الأخلاق، وأيضاً يبرز مدى تحقق هذه الأخلاق في المسلمين بشكل عام، وفي شخصية الحاج على وجه الخصوص، يعني ربنا سبحانه وتعالى يقول: (( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ))[البقرة:197]، فيؤكد ربنا سبحانه وتعالى أن هذا الحج يقصد من ورائه تربية الناس على العبودية لله سبحانه وتعالى، وعلى تجنب كل ما يخدش قيم الأخلاق الإيمانية. النهي عن الرفث والفسوق في الحج والمراد بهما الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: (( فَلا رَفَثَ ))[البقرة:197]، والرفث يدور حول القضايا المتعلقة بالنساء، سواءً كان بالفعل مثل التقبيل، أو اللمس، أو الحضن، أو الجماع ودواعيه ومقدماته، أو كان بالقول مثل أن يستطرد الإنسان بالحديث في القضايا الجنسية الذي ربما يكون بمثابة الفعل أحياناً، أو يدعو إلى تأجيج الشهوة وإثارتها، وسواء كان هذا مع الزوجة والحليلة، أو كان مع غيرها من باب أولى، فالإنسان المحرم يمتنع، وهذا من محظورات الإحرام، عليه أن يمتنع عن هذه الأشياء، فربنا سبحانه وتعالى يقول: (( فَلا رَفَثَ ))[البقرة:197]. ثم يقول: (( وَلا فُسُوقَ ))[البقرة:197]، والفسوق أو الفسق: هو اسم جامع لكل المعاني التي فيها معصية الله سبحانه وتعالى، وارتكاب نهيه، ففعل الذنوب والمعاصي والإصرار عليها، وخصوصاً الذنوب الكبيرة كالسرقة، والكذب، والفجور، والفحش والزنا وغير ذلك هذا من الفسوق. النهي عن الجدال في الحج والمراد به الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: ثم يقول الله سبحانه وتعالى: (( وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ))[البقرة:197]، والجدال يشمل الاستطراد في المخاصمة والمراء، والجدل بين اثنين فأكثر، سواء كان هذا الجدال في أمر ديني أو أمر دنيوي إذا كان بغير حق، مثل الجدال في الأمور الدنيوية، الجدال الذي يقع اليوم بين الحجاج بسبب الازدحام، على المواقف، على السيارات، على المخيمات، على الانطلاق، في الطواف بالبيت، في السعي بين الصفا والمروة، في رمي الجمار، فأنت تجد أن المسلمين هنا ينهمكون في وتيرة شديدة من الجدل، وكأن كل واحد منهم يريد من الآخرين أن يتوقفوا ويكفوا؛ ليوسعوا له في الطريق، أو ليعطوه الفرصة، ولا يستشعر أنه هو الذي يجب أن يفعل هذا المعنى لإخوانه المسلمين، وأن يتواضع لهم، وأن يقدمهم على نفسه، ويؤثرهم على نفسه في مثل هذه الأشياء التي فيها تضايق وتزاحم في الفرص وفي المجالات، فهذا نص القرآن الكريم. فكم مسلم يستشعر هذا المعنى وهو ينطلق لأداء الفريضة أو يمارسها، أو يؤديها وهو يشعر بحاجته إلى ربه سبحانه وتعالى، وأنه يتقرب إليه؟ وربما كانت هذه الفريضة هي المرة الوحيدة التي يحج فيها المسلم، وربما دفع فيها آلاف الدولارات أو الريالات، أو.. المقدم: كل ما يملك.الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: أو ما يملك، وربما أربعين خمسين سنة وهو يستعد لأداء هذه الفريضة، وأيضاً من باب أولى إخواننا الذين ربما يحجون كل سنة، أو كل بضع سنوات من داخل المملكة أو من البلاد المجاورة، أو من غيرها، أو من قاطني مكة البلد الحرام، الجميع ينبغي أن يطرح على نفسه هذا السؤال قضية: (( فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ))[البقرة:197]، كما قلت: حتى لو كان جدالاً في أمور دينية لا جدوى من الجدل فيها، والاستطراد في خلافات وأقوال، وهذا خطأ وهذا صواب، يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول في الحديث المتفق عليه: ( أنه خرج ليخبر أصحابه بليلة القدر أي ليلة هي؟ قال: فتلاحى رجلان منكم فرفعت، وعسى أن يكون خيراً )، يعني كان يريد أن يخبرهم أن ليلة القدر مثلاً كانت ليلة سبع وعشرين كمثال، ثم وجد رجلين يختصمان في المسجد، تلاحى رجلان، فرفعت ليلة القدر، وأنسيها النبي صلى الله عليه وسلم، (وعسى أن يكون خيراً)، فانظر حرمان الناس أحياناً أفراداً وجماعات من بعض الفضائل وبعض التوفيق بسبب الجدل، بسبب التلاحي، وماذا يمكن أن تتوقع أن يتلاحى رجلان من الصحابة، وفي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي ليال فاضلة؟ قد يكون هذا خلاف في أمر ديني، ولكنه انتقل من مسألة الأخذ والرد العلمي المخلص ودخل فيه شيء من حظ النفس، ولذلك سماه النبي صلى الله عليه وسلم ملاحاة، فما بالك بأحوالنا وأحوال المسلمين اليوم وانغماسهم في ألوان من الجدل، والخصومات، والخلافات التي تتنافى مع مقصد الحج الذي نص عليه ربنا في محكم تنزيله: (( فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ))[البقرة:197]؟ كم من المسلمين يسأل نفسه هذا السؤال وهو يحج بيت الله الحرام، ويقدم هذه التضحيات الجسام، ويتعرض للشمس والحر والبرد والمخاوف مخاوف الطريق، وآلام الغربة والبعد عن الأهل، والحرمان من أشياء كثيرة، ثم - ولا نحجر واسعاً - قد يعود بفضل من الله سبحانه وتعالى ونعمة وأجر وثواب، لكن كان من الممكن أن يعود بذلك مضاعفاً، ويعود معه أيضاً بأخلاقيات عالية، ودروس تربوية راقية، وفهم سليم، وشخصية ناضجة، واستشعار معاني الأخوة مع المؤمنين، والإيثار بدلاً من الأنانية والهوى وحظ النفس، كذلك النبي صلى الله عليه وسلم يقول في حديث أبي هريرة المتفق عليه أيضاً: ( من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه )، فقيد النبي صلى الله عليه وسلم الحج المبرور الذي ليس له جزاء إلا الجنة كما في الحديث الآخر: ( الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ) بقوله هنا: ( فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه )، يعني: مغفوراً له، ليس عليه ذنب ولا خطيئة؛ بسبب أنه حج ولم يرفث ولم يفسق، لكن هذا تحدي ليس بالسهل، ما أهون أن يردد الناس هذا الحديث، وما أهون أن يحفظوه، لكن ما أشق على النفس أن يجرب الإنسان ولو لساعة واحدة ألا يدخل في صخب، في جدل، في خصومة، في عراك، في صراع، في رفث، في صخب، في فسق أيضاً، وأن يكون الإنسان على سنن الوفاق والانسجام مع ما أمر الله تبارك وتعالى به من الأخلاق. التحذير من بعض الممارسات المخلة بالأخلاق في الحج الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: كلنا حججنا واعتمرنا، ورأينا ماذا يجري في المطاف، وكيف يعصر الناس بعضهم بعضاً، ربما أحياناً في حركة لا إرادية، وهذا لا يلامون عليه، لكن أيضاً لو كان المسلم عنده تربية وعنده تهذيب، لو تخيلت هذه الآلاف التي تطوف كل واحد منها قد تربى وتهذب، وعرف كيف يتصرف، وكيف يتحرك في هذا الموقف لخف حدة الضغط والازدحام إلى حد كبير. المزاحمة وعدم مراعاة الناس عند الطواف بالبيت الحرام الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: ثم انظر أيضاً إلى كثير من الممارسات التي ليست اضطرارية عند المسلمين، فتجد الإنسان مثلاً إذا كان يريد أن يطوف تجده لا يبالي بأفواج الحجاج والناس فيأتي معترضاً بينهم، يريد أن يذهب ليقبل الحجر، أو يذهب إلى الركن اليماني، أو ليكون إلى جوار الكعبة، أو ليصلي على مقربة منها، أو وراء الركن اليماني مباشرةً أيضاً، ومقام إبراهيم مباشرةً أيضاً، فتجده لا يبالي بالناس حينئذ، المهم أن ينفذ هو ما اقتنع أن يفعله وما يريد أن يمارسه الآن دون التفات، فإذا انتهى الإنسان من مطافه لم يبال أيضاً بمن أمامه، فحاول أن يشقهم كالسهم ليخرج من المكان الذي انتهى فيه طوافه، قد يكون أمامه رجال كبار السن، أمامه نساء، أمامه صبيان، أمامه صغار، أمامه مجموعات من الناس، كذلك تجد أن التجمعات والكتل البشرية التي تطوف وتحاول أن تحطم ما أمامها ومن أمامها، هذه العبادة الربانية العظيمة التي يمارسها المسلم الآن وهو يطوف بالبيت ضاحياً ذاكراً لربه سبحانه، معترفاً له بالألوهية، ولنفسه بالضعف والعبودية، جاء ليتلقى ويتلقن معاني الأخلاق، ثم انظر كيف يمارس المسلم الوطء على الأخلاق بقدميه، وأن يدوسها برجليه وهو يمارس هذه العبادة؟ تجد ممارسات أستطيع أن أقول بغير مبالغة ولا مجازفة: أن الإنسان - خصوصاً في الأوقات المزدحمة في رمضان أو في موسم الحج - لا يمكن أن يأتي إلى البيت ليطوف ويخرج منه إلا ويجد عشرات الحالات التي تندرج تحت المعنى الذي ذكرناه وحذرنا منه. وهذا المعنى يخلق معنىً مضاداً، فتجد آخرين بدلاً من أن يحاولوا تعليمهم تجد أنهم قد يدخلون معهم في عراك وصراع قد يصل إلى حد المضاربة بالأيدي، أو وطء الناس بعضهم بعضاً في هذا المكان الطاهر المقدس، وربما تحمل الجثث أحياناً من تحت الأقدام، فهذا مظهر مناف للأخلاق، مناف للمبادئ، مناف لعظمة هذا الدين، والإنسان كما ذكرت متلبس بعبادة لله عز وجل. الإزعاجات التي يمارسها بعض سائقي السيارات في الحج الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: كذلك ما يتعلق بعملية حطم السيارات بالأصوات المزعجة، والمنبهات، والسرعة التي لا داعي لها أحياناً، وعدم الاكتراث بالمارة، والأصوات الكثيرة التي يجد الناس أنفسهم فيها في جو مليء بالضجيج، ومليء بالصخب، ومليء بالإزعاج، فلا وقت لديهم حينئذ لعبادة، ولا وقت لديهم لذكر، ولا وقت لديهم لهدوء، بل لا وقت لديهم لنوم، أو أن يهنئوا بقدر من الراحة بعد عناء طويل.كذلك تجد هذا الأمر في الازدحام عند الناس كافة، فتلاحظه عند الحاج، وتلاحظه عند رجل المرور أحياناً، وتلاحظه عند المسئولين عن التنظيم في أي مؤسسة أو مكان، وتلاحظه أيضاً عند رمي الجمار، فالإنسان يتعجب! يعني المسلم جاء لرمي الجمار ماذا يتوقع؟ أن رمي الجمار ماذا يكون؟ وما هو المطلوب منه؟ فتجد أن المسلم يأتي لرمي الجمار الذي هو معنى من اتباع إبراهيم الخليل عليه السلام، ومعنى من معاني رفض الشيطان، ورفض إيحاء الشيطان، ووسوسة الشيطان وهو يمارس أشياء أخلاقية منافية لهذا تماماً، بل هي مما يأمر به الشيطان من العدوان على إخوانه المسلمين، العدوان على النساء، على الصبيان، على الصغار، على الضعفاء، على الشيوخ، وعلى غيرهم، وكم هو مؤسف ومحزن أنك تجد أنه قلما ينتهي موسم إلا ومجموعة من المسلمين حملوا جنائز وجثثاً ربما تكون بالمئات أحياناً في مثل هذا المقام الطاهر، المقام الطيب الذي هو مكان عبادة لله عز وجل. المقدم: بارك الله فيكم وأحسن إليكم شيخ سلمان.أحبتنا الكرام! إلى هنا ينتهي وقت هذه الحلقة، حيث تحدثنا مع فضيلة الشيخ سلمان بن فهد العودة المشرف العام على مؤسسة وموقع الإسلام اليوم، والمفكر الإسلامي عن مقصد من مقاصد الحج ذلكم هو الأخلاق، وكيفية تحقيقها في هذا الموسم العظيم.حتى الملتقى بكم في لقاء الغد نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.