الرئيسة ›برامج›مقاصد الحج›مقاصد الحج [5] مقاصد الحج [5] الأربعاء 22 ذو الحجة 1425هـ طباعة د. سلمان العودة 689 متابعة النص إلغاء متابعة النص الأنتقال الى النص مقصد تزكية النفس من خلال الحج المقدم: الحلقة الخامسة. بسم الله الرحمن الرحيم.الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.أيها المستمعون الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أهلاً ومرحباً بكم إلى هذا اللقاء ضمن لقاءات برنامجكم اليومي: (مقاصد الحج)، والذي نستضيف من خلاله فضيلة الشيخ الدكتور: سلمان بن فهد العودة الداعية الإسلامي المعروف، والمشرف العام على مؤسسة وموقع الإسلام اليوم.باسمكم جميعاً نرحب بالشيخ سلمان أهلاً ومرحباً بكم.الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: يا مرحباً، حياكم الله. المقدم: كنا قد تحدثنا معكم ومع الإخوة المستمعين شيخ سلمان في اللقاءات الماضية حول بعض من مقاصد الحج، ولعلكم تكملون الحديث حول مقصد آخر من هذه المقاصد. أهمية تزكية النفس وصفاء القلب الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: أحسنت، بارك الله فيك.بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله.نحن تحدثنا تقريباً فيما سبق عن مقصد عظيم وهو مقصد التوحيد، الذي عليه مدار الأعمال كلها، وأساس هذه العبادات: هو تحقيق التوحيد لله عز وجل. ربما يكون من المقاصد المهمة ما يتعلق بتزكية النفس، (( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ ))[الجمعة:2]، فالتزكية من أعظم مقاصد العبادات، سواء في ذلك الحج أو غيره، ولو تأملت المقاصد التي وردت في القرآن الكريم لوجدتها تتحدث عن زكاة النفس؛ وذلك لأن الإنسان عرضة للآفات، فهناك الآفات الظاهرة، سواء كانت آفات بدنية مثل الأمراض التي تعرض للإنسان، أو كانت آفات معنوية في سلوك الإنسان وفي عمله، فالإنسان قد يغلط بقوله، أو يشتم، أو يسب، أو يلعن، أو يكذب، وقد يكون ذلك بفعله مثل الظلم، والعدوان، والبغي، والعقوق، وغير ذلك من المعاني، هذه السيئات الظاهرة في الإنسان في الواقع أن لها رصيد داخلي في قلب الإنسان. ولذلك كان بعض السلف يقول: إذا رأيت من الإنسان معصية فاعلم أن لها عنده أخوات، وإذا رأيت منه طاعة فاعلم أن لها عنده أخوات، فهناك الظاهر والباطن، ولذلك ربنا سبحانه وتعالى يقول: (( وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ))[الأنعام:120]، فهناك ظاهر الإثم وهناك باطنه، وهكذا الطاعة أيضاً، هناك الحسنات الظاهرة، وهناك الحسنات الباطنة، ونقول: إن الحسنات الباطنة هي الأصل، والظاهر أثر، كما أن السيئات الباطنة هي الأصل، والظاهر أثر، ولذلك يقول العلماء والفقهاء: إن أعمال القلوب أصل لأعمال الجوارح، ومصداق ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن في الجسد مضغة ) حديث النعمان المتفق عليه، ( إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب )، وربنا سبحانه قال: (( فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ))[الحج:46].إذاً: قضية صفاء القلب هذه من أعظم المقاصد وأنبلها، دعنا نتأمل، لو أن كل واحد كتب له أن يسمع هذا الحديث الآن سأل نفسه عن مدى صفاء القلب، كم يوجد في قلبك من غل، حقد، حسد، كبر، غيرة، غضب، ذكريات مؤلمة فلان وفلان وفلان؟ بل إنك تجد هذه الأشياء أشد وأقسى ما تكون مع الأقارب، الزوج وزوجته كل واحد منهم ربما يحتفظ بصفحات سود، الأخ وأخوه، العم وابن أخيه، القريب وقريبه، الجار وجاره، الزميل في العمل، الرئيس والمرءوس، الناس، ستجد أنه كلما قربت الدائرة والعلاقة والصلة بينهم بدأت القلوب تحتفظ بذكريات مؤلمة، وحساسيات، وأحقاد، وضغائن، وهذا في الواقع أنه كلما فتشت في الناس وجدته موجوداً، ووجدته مؤثراً فيهم بشكل كبير، ومثل هذا الأمر لا ينفع فيه مجرد الكلام؛ لأن كثيراً من الناس إما أن يظن أنه غير مقصود، وأن الكلام هذا لا يعنيه، لماذا؟ قال لك: لأن فلاناً أصلاً أخطأ علي، فلاناً ظلمني، وفلاناً ما تدرون عنه فعل كذا، وفعل كذا، وفعل كذا.. المقدم: ليبرر نفسه.الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: ليبرر، ليسوغ لنفسه هذا الشيء، ويجعل لنفسه المقام الحسن الفاضل، بأنه هذا إنسان - عن نفسه - أنه زكي ونقي وصاف وعادل، ولم يظلم، ولكنه اعتدي وظلم، هذه لغة أصبحنا نتقن استماعها جيداً من كثير من الناس، أين تجد ذلك الإنسان الذي يمكن أن يعترف على نفسه، يمكن أن يراقب قلبه، يمكن أن يفتش في ظلمات النفس وانحناءاتها، وأطوائها، ولفاتها ذات اليمين وذات اليسار؟ أثر الحسد وأمراض القلوب على مستوى الأمة الإسلامية الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: كثير من معاني الحسد والحقد والبغضاء والكراهية والمقت التي دمرت المجتمع المسلم، على سبيل مثال: الحسد، العلماء والناس يقولون: الحسود لا يسود، ولذلك تجد أن الأمة الإسلامية فعلاً لم تسد، بل هي في ذيل القائمة الآن؛ والسبب هو العراك الداخلي الذي ربما كان الحسد من أكبر مؤثراته ودوافعه، فكلما رأى الناس شخصاً حقق نجاحاً في تجارة، أو في وظيفة، أو في دنيا، أو في دين، أو في عمل، أو في علم، أو في دعوة، أو في إعلام، أو في أي أمر من الأمور وجدت أن هذا النجاح يحشد المزيد من الأعداء، والمزيد من الخصوم، ومحاولة الطعن، والاتهام، والتجريح، ووضع العقبات، ووضع العراقيل، حتى إنك تجد أن الحاسد أحياناً على سبيل المثال يبذل وقته، ويتفانى، ويستميت، وربما يسهر ويخطط من أجل تعويق مسيرة هذا الشخص، أو تلك المؤسسة أو الشركة، أو هذا النجاح، هذا مثال طبعاً. أثر الكراهية والبغضاء على مستوى الأسرة والحي الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: وكذلك مثلاً: الكراهية والبغضاء بين الأسرة الواحدة، في البيت الواحد، في الحي الواحد، في المؤسسة الواحدة، هذه قضية لا تحتاج إلى كبير حديث عن وصف هذه الظاهرة وتغلغلها في المجتمعات الإسلامية، ولا أعتقد أن المجتمعات الأخرى بمعزل عن ذلك، لكن قد يكون عندنا ما ليس عند غيرنا، كما أن المحاسبة علينا باعتبار أن عندنا هذا الكتاب العظيم، وهذا الهدي النبوي الكبير الراشد، وعندنا هذه العبادات التي نمارسها، والتي من أعظم مقاصدها الشرعية: تحقيق صفاء القلب. المقدم: تزكية النفس.الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: وتزكية النفس، بحيث إن الإنسان يكون عنده في داخله روح المسامحة، الرحمة بالناس، المودة، أحياناً قد يعني الإنسان يتعامل بقسوة، بشدة مع الآخرين وغلظة، وقد يظن أن هذا محمله الغيرة، بينما أصل الدين رحمة، وربنا سبحانه يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: (( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ))[الأنبياء:107].الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله يقول: إن شريعة الإسلام بكل تفاصيلها وأحكامها مدارها على الرحمة بالعباد، حتى ما قد يظهر أن فيه شدة مثل العقوبات فهي في حقيقتها رحمة؛ لأن المقصود منها منع الناس من الوقوع في المعاصي، وكما قيل: فقسا ليزدجروا ومن يك حازماً فليقس أحياناً على من يرحم بعد الكثير من العامة والخاصة عن الاهتمام بتزكية النفس وتطهيرها الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: فتجد أن نفوس الكثير من الناس اليوم بسبب غلبة المادة، اندفاعات شهوانية، إغراق الناس في أمور دنيوية، التنافس المحموم، ضعف المؤثرات، ضعف توجيه أيضاً الجانب المقاصدي في الإسلام أنك قد تجد الإنسان في ظاهره فاضلاً وصالحاً، وقد يكون متحدثاً، وقد يكون واعضاً، ومع ذلك تجده بأمس الحاجة إلى تربية هذه المعاني، وتزكية النفس التي هي من أعظم مقاصد الرسالة أصلاً بتفاصيلها، وأصولها، وجملها، وظاهرها وباطنها. النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورد عنه أنه قال: ( إنما جعل الطواف بالبيت، وبين الصفا والمروة، ورمي الجمار لإقامة ذكر الله عز وجل )، وهذا اللفظ ذكره الدارمي وغيره، والأقرب أنه موقوف على عائشة رضي الله عنها من قولها، وإن كان بعضهم رفعه إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فالراجح أنه من كلام عائشة ، وهي تشير بهذا المعنى إلى أن مقصد الحج والطواف والسعي والرمي والوقوف أن مقصوده ذكر الله، وهذا تجده في القرآن الكريم: (( فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ))[البقرة:200]، ولذلك فإن ذكر الله سبحانه وتعالى في الحج ينبغي أن يكون على بال الإنسان، وعلى لسانه، وألا يكون هذا الذكر ذكراً مجرداً باللفظ، وإنما يتواطأ فيه القول والقلب كما أشرنا قبل قليل؛ ولهذا ربنا سبحانه قال: (( إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا ))[المزمل:6]، يعني: يتواطأ فيها القلب واللسان، بمعنى أن كون الإنسان يذكر ربه وهو غافل لا شك أنه مأجور بذلك، حتى وإن كان غافلاً، فهو أفضل من الصمت، لكن إذا كان هناك تواطؤ بين القلب واللسان -وطء يعني تواطؤ- فالإنسان يذكر ربه بلسانه، ويذكره بقلبه، ولهذا سئل بعض السلف: هل يسجد القلب؟ الجسد يسجد، طيب القلب هل يسجد؟ قال: نعم، يسجد سجدة لا يقوم منها إلى يوم القيامة، يعني: أن القلوب الصافية سجودها دائم لله سبحانه وتعالى، وليس مؤقتاً، فالقلب فيه ذكر الله سبحانه وتعالى. حتى ابن عباس لما سئل عن قضية من نسي أن يذكر اسم الله على الذبيحة قال: [ذكر الله في قلب كل مسلم]، إشارة إلى أنه إذا نسي أجزأته الذبيحة، وهذا هو الراجح فيما يظهر والله أعلم؛ لأن ذكر الله في قلب المسلم. علاقة ذكر الله بتزكية النفس وتطهيرها الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: فينبغي أن يكون هناك استشعار لمعنى تزكية النفس، وتزكية القلب، وأن من أعظم ما تزكى به النفس ذكر الله سبحانه وتعالى، ولهذا جاء في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن لله تعالى تسعةً وتسعين اسماً مائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة، وهو سبحانه وتر يحب الوتر).فهذا من ذكره سبحانه، أن تذكر الله عز وجل بأسمائه الحسنى، وصفاته العليا، أن تدعوه، فهذا من ذكره عز وجل، التلبية ذكر، الصلاة ذكر، بل هي من أعظم الذكر، قراءة القرآن ذكر، والذكر هو أعظم القرآن، في يوم عرفة النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ). ضرورة الاهتمام بمقاصد الأعمال والعبادات الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: فما أحوج الناس إلى أن يتفهموا مقاصد الذكر، ومقاصد الأعمال التي يقومون بها، بحيث تنطبع على قلوبهم، أما اليوم فمع الأسف الشديد ربما نحن نجد أن الكثيرين يمارسون تناقضاً صارخاً ربما في الوقت نفسه، يعني لا أقول: أنه فيما بعد يذهب أثر العبادة، لا، في الوقت الذي يكون الإنسان فيه متلبساً بعبادة تجده يمارس نقيضها، مثلاً: يصوم ويلعن، بينما ( النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصائم بأنه إذا سابه أحد أو شاتمه أو قاتله أن يعرض ويقول: اللهم إني صائم، إني صائم )، بينما لا يملك الإنسان نفسه فربما يكون أسرع -بسبب الجوع - إلى العدوان والتنقص والسب والشتم واللعن، ومواجهة السيئة لا أقول: بمثلها بل بأشد منها، وقد يكون هو البادئ أيضاً وهو صائم، وهكذا الإنسان وهو حاج، كم من الأشياء التي تتنافى مع قدسية هذا النسك، ومع معنى هذه العبادة، ومع ذكر الله سبحانه وتعالى، ومع التزكية؟ يعني كم من الحجاج قد يرتكب المآثم، قد يعتدي، قد يرتكب الفواحش حتى، قد يرتكب العدوان على الناس؟ طيب هذا لا يتصور أن إنساناً يعلم معنى ما أهل به وما هو متلبس به من العبادة، ثم يخالف إلى ارتكاب ما حرم الله. المقدم: أحسن الله إليكم، وبارك فيكم.أحبتنا الكرام! إلى هنا ينتهي لقاؤنا مع فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة ، وقد تحدثنا معه في حلقة هذا اليوم من برنامج: (مقاصد الحج) حول التزكية ووسائل تحقيقها في الحج.شكر الله فضيلته، شكراً لكم أنتم على طيب استماعكم، حتى الملتقى في لقاء الغد نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.