ÇáÑÆíÓÉ ›محاضرات›الشباب والغريزة›وقفة مع بعض أوصاف المنحرفين›وصف الكفر وصف الكفر الأحد 15 جمادى الأولى 1438هـ طباعة د. سلمان العودة 609 متابعة النص إلغاء متابعة النص الأنتقال الى النص أحبتي الشباب! قبل أن أدخل في الموضوع الذي حددت أن أتكلم معكم فيه؛ لفت نظري في قراءة الأخ للآيات وصفان ذكرهما الله تعالى في وصف المنحرفين عن الصراط، فهو سماهم مرة بالكافرين: ((وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ))[الزمر:59]، وسماهم مرة أخرى بالمتكبرين: ((أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ))[الزمر:60]، وهذا فعلاً ملفت للنظر.ما معنى الكافر في لغة العرب؟ وأنتم أهل الزراعة تعرفون كما قال الله تعالى: ((يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ))[الفتح:29]، وكما قال في الآية الأخرى: ((كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ))[الحديد:20]، فالمزارع يحفر الأرض والتربة، ويضع فيها الحب ثم يدفنه، ولذلك ما زالت القرى الصغيرة في عدد من البلاد في مصر وغيرها، يسمونها (كفور)؛ كفر كذا، أو كفر كذا، يعني: قرية كذا أو مجموعة من المزارع. إذاً: الكفر في أصل اللغة هو: الستر والتغطية، ومنه تسمى القرية بالكفر؛ لأنهم يبذرون الحب ويدفنونه في التربة.إذاً: لماذا سمى الله الذي ينحرف عن الطريق المستقيم كافراً؟ يجب أن نسأل أنفسنا هذا السؤال. سماه كافراً؛ لأن الفطرة عنده موجودة، والعقل عنده موجود، والمعرفة عنده في النهاية موجودة، ولكنه يستر هذه الحقائق الموجودة بنفسه، بمعنى: أنه يغالط نفسه.. يضحك على نفسه، فالحق معروف لديه، ولما تجادله توصله إلى طريق مسدود، وتحرجه فعلاً، ولكنه يخادع نفسه، ويسلك الطريق المنحرف، وبعد ما يسلك الطريق المنحرف يقول: لا أريد أن أثبت للناس أنني أعرف الحق وأتركه، وأنني أسلك طريق الباطل على رغم أنني أعرف أنه خطأ، لا أريد أن يفهم الناس عني هذا؛ لأن هذا دليل على أنني ضعيف الهمة.إذاً: ما الحل؟ الحل هو أن يقول الإنسان: إن هذا الطريق الذي سلكته -وهو يعرف أنه طريق خطأ- يقول: لا، هذا صواب! وذاك الطريق الذي تركه -وهو يعرف في الواقع أنه طريق الحق- يقول: لا! هذا خطأ. هذا أصل معنى كلمة الكفر، بمعنى: أنه ممكن تواجه أنت أحياناً من الناس إنساناً يسلك طريق الخطأ، لكنه صادق مع نفسه صريح، لما تقول له: يا أخي! لماذا أنت هكذا؟يقول: صدق يا أخي! أنا والله أعلم، ما أحتاج تقول لي، أنا أعرف أن هذا خطأ، وأنه غير لائق مني، لكن يا أخي! عسى الله يهديني، وعسى الله أن يأخذ بيدي، وأنا عندي ضعف همة، والسبب سوء التربية في الطفولة، وعدم وجود من يوجهني، و.. و.. إلى آخره.وأضرب لكم مثالين قريبين لا يتعلقان بموضوع الكفر؛ لكن يتعلقان بأن الإنسان في كثير من الأحيان يعرف الحق، ولكنه إما يعرض عنه ضعفاً أو لغير ذلك من الأسباب، ثم من الناس من إذا ترك الحق حاول أن يجعل الحق باطلاً، ويجعل الباطل حقاً، أضرب مثالين: من الصور الموجودة في مجتمعنا: صور المغنين والغناء، بطبيعة الحال المجتمع يتكلم عن الغناء على أنه نوع من الفن كما يسمونه، وتكتب عنه الصحف في ملاحقها؛ الملاحق الفنية؛ وذلك لأن الفن عندنا -وفي كل مكان- له دور كبير في تخدير المشاعر، وصرف الناس عن الاهتمامات الحقيقية التي ينبغي أن تشغل عقولهم، إلى اهتمامات أخرى ثانوية أو ساقطة أحياناً.فالفن -كما نعلم في الغالب- يخاطب غرائز الإنسان، ويتكلم عن العشق، والحب، واللقاء، والوصال، والهجر، وصفات المحبوبة، ولون شعرها، ولون رمشها ووجهها ونظرتها وضحكتها.. إلى آخره. هذا اللون من الفن وما يصحبه -كما تعرفون- من الموسيقى والغناء وتحسين الأصوات، وظهور أصوات الرجال تسمعها النساء فتتكسر قلوبهن، أو ظهور أصوات النساء يسمعها الرجال.. إلى آخره. هذا الفن تواجه اثنين واقعين في الفن، يشتغلان بالغناء، أنا رأيت اثنين؛ -أعطيك مثالاً- فواحد منهم لاحظت في رأسه شيباً، وهو لا يزال في مقتبل العمر، فقلت له: لماذا ظهر فيك الشيب على رغم صغر سنك؟ قال لي: أقول لك بصراحة، ظهر الشيب علي وأنا في مقتبل عمري، وذهبت للأطباء وسألتهم، فقالوا لي: إنك تواجه مشكلة نفسية، ووضعاً قلقاً، وعدم ارتياح، أنت غير مقتنع بالوضع الذي أنت فيه.وقال: أنا بصراحة غير مقتنع، ولا أشعر أني خلقت لأكون مغنياً، ولا لأن أصدح بهذه الكلمات في آذان الناس، أنا أحس أنني شيء آخر غير هذا.فقلت له: إذاً ما الذي جاء بك إلى هذا المجال؟فقال: أنا بصراحة أعتبر المسئول الأول والأكبر عن هذا الموضوع هو والدي رحمه الله؛ لأنه غفل عني، ولم يهتم بي ولم يوجهني، بل ربما كان يشجعني، حتى كبرت ووجدت نفسي في هذا الأمر، ووجدت نفسي محاطاً بصداقات، وعلاقات، ومعرفة، وارتباطات، ومواعيد، وأمور، وشهرة، وسمعة، وأشياء كثيرة كسبتها من وراء مثل هذا الأمر، فلم يعد من السهل أنني أسحب نفسي.ليست القضية قضية فقط أن أترك المجال، القضية تتطلب قدراً من قوة العزيمة والإرادة، والصبر والتحمل، قد لا أملكها الآن، لكن لو عرفت من البداية فمن السهل أني أتراجع. انظر! هذا الآن إنسان سالك طريق خطأ؛ طريق الغناء، لكن سلوكه هذا الطريق ما جعله يقول: لا يا أخي! ما فيه شيء، لماذا أنتم تبالغون كثيراً، الغناء ليس فيه بأس؟لا، فهو لم يسلك الطريق هذا، إنما سلك طريق الوضوح والصراحة حتى مع نفسه. تأتي لإنسان آخر يسلك نفس الطريق، فلما تتحدث معه، تجد أنه يركز كثيراً ويعتلي على أن يقول لك: يا أخي! الغناء لا شيء فيه، الغناء أمر مباح.. الغناء كذا.. وقد كان فلان يسمع الغناء، وكان فلان من العلماء يـبيح الغناء، وكان.. وكان.. ويحاول أن يفلسف لك الخطأ حتى يتحول الخطأ إلى صواب! لاحظ الفرق الكبير! الثاني يستر الحقيقة والأول يكشفها، وسبحان الله! ما من إنسان -غالباً- إلا وعنده شعور وميزان داخلي يستطيع أنه يهتدي به إلى شيء من الحق، ولهذا الله تعالى يقول كما في الحديث القدسي: (إني خلقت عبادي حنفاء كلهم) يعني: على الفطرة المستقيمة الواضحة البينة؛ بحيث أي إنسان لو ترك وشأنه لاهتدى إلى الله عز وجل، أي إنسان لو تركته وشأنه يهتدي إلى الله تعالى، صحيح ما يستطيع يعرف الدين.. ما يستطيع يعرف الإسلام.. ما يستطيع يعرف أن فيه خمس صلوات في اليوم والليلة، وأن فيه نبياً اسمه محمد عليه الصلاة والسلام بعث إلى الأمة، وأن فيه كتاباً اسمه القرآن، وأن فيه شهراً اسمه رمضان يصام، وأن فيه حجاً، وصفة الحج كذا، هذه التفاصيل بالتأكيد لا يمكن معرفتها إلا عن طريق الوحي؛ لأنها من الله.لكن شعوره بأن الله موجود، وأن الله هو المعبود الحق، وأنه يجب أن يتوجه ويتأله بالقلب إلى الله، هذا يعرفه بفطرته، كيف لا يعرفه والحيوان يعرفه يا أخي؟! إذاً: الله لما يسمي المنحرفين عن الصراط المستقيم كفاراً، إنما يسميهم كفاراً؛ لأنهم يسترون الحقيقة التي يعرفونها في قلوبهم، يعني: يضحكون على أنفسهم ويخادعون أنفسهم، فيصورون أن ما وقعوا فيه من الخطأ أنه صواب، وأن ما تركوه من الصواب أنه خطأ، ولهذا سماهم الله كفاراً. التالي وصف الاستكبار وقفة مع بعض أوصاف المنحرفين مواضيع ذات صلة بعض آثار الذنوب والمعاصي الشيطان تصور الموت وقت المعصية الحرمان من المتعة الحلال المبادرة إلى التوبة وحسن الظن بالله