الرئيسة ›برامج›الحياة كلمة›الجرأة›مفهوم الجرأة مفهوم الجرأة الجمعة 30 شوال 1426هـ طباعة د. سلمان العودة 4801 متابعة النص إلغاء متابعة النص الأنتقال الى النص المقدم: فضيلة الشيخ! كما وعدنا المشاهدين، وكما أنَّا أيضاً نستفتح هذه الحلقة عن الجرأة، وحتى لا نطيل، حقيقة المقدمات أيضاً مبهمة، تظل الجرأة خلق وطبع، كيف تراها يا شيخ بين مختلف الطباع ومختلف الشمائل الخلقية؟ كيف هي بين حدي -مثلاً- الحياء أو الوقاحة على النقيض؟!الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: نعم! بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه أجمعين. الجرأة: بطبيعة الحال هي من الخصال المحمودة حينما تسمع هذه الكلمة من أول وهلة، وهي طاقة داخل النفس تحمل الإنسان على الفعل الإيجابي المثمر ، وبهذا نستطيع أن نعزل عنها معناها السلبي أو معناها السيئ.فالإنسان الجريء هو: إنسان حر، كريم، مقدام، شجاع، ولذلك ربما تكون الشجاعة هي أحد معاني الجرأة.قد تكون الجرأة تتمثل بأفعال حسية مثل: الجرأة في الحرب، في المعارك، وقد تتمثل بأفعال معنوية، أو ما يسمونه بالجرأة الأدبية، مثل شجاعة الإنسان على التعبير عن الرأي، شجاعة الإنسان في مواجهة المواقف الصعبة، شجاعة الإنسان في قول ما يعتقده صواباً.. إلى غير ذلك.وهما مترابطان معاً، فالشجاعة لون واحد داخل النفس، إذا كان الإنسان يملك شجاعة أدبية، فهو بالضرورة يملك شجاعة حسية. تجد مثلاً العرب كانوا يتمدحون بالشجاعة الحسية: أقول لها وقد طارت شعاعاً من الأبطال ويحك لن تراعي فإنك لو سألتِ بقاء يوم على الأجل الذي لك لن تطاعي فصبراً في مجال الموت صبراً فما نيل الخلود بمستطاع يعني: في النفس أحياناً أحاسيس أو نوازع تجرها إلى الوراء، لكن الشجاع يتغلب على ذلك ويقدم.كان علي بن أبي طالب يقول: أي يومي من الموت أفر يوم لا قدر أم يوم قدر يوم لا قدر لا أرهبه ومن المقدور لا ينجو الحذر فيستحضر أيضاً معنى القضاء والقدر، حتى يستجمع فيه قوته في الشجاعة ومواجهة المواقف الصعبة.إذاً: قد تكون هناك شجاعة أدبية أو شجاعة معنوية من جهة، وهناك الشجاعة الحسية، المتعلقة بالإقدام العسكري في ميادين الحروب. سادة الشجاعة هم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وما اختيروا لهذه المهمة إلا لأنهم كانوا جرآء على مواجهة أقوامهم، عندما تنظر إلى موسى الشجاعة الأدبية تتجلى في أن يقول لطاغية عصره: (( وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُورًا ))[102:الإسراء]، وهذه كلمة ليست سهلة أن يقولها رجل من الرعية فيما يظنه لفرعون، وشجاعته في المواقف تتجلى في قدرته على أن يهجم على البحر هو ومن معه بكل قوة. إبراهيم عليه الصلاة والسلام أيضاً وهو من أئمة الأنبياء، شجاعته الأدبية تتمثل في أن يقول للطاغية أيضاً النمرود : (( رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ))[258:البقرة].. إلى آخر الحوار المعروف.شجاعته الفعلية والحسية تتجلى في تدمير الأصنام وهو صغير: (( فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ ))[58:الأنبياء]، بل أقول: هناك الشجاعة العقلية التي تتجلى فيما يتعلق بـإبراهيم عليه الصلاة والسلام في سؤاله الذي يقول المفسرون: إنه كان في طفولته عندما نظر إلى السماء: (( رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي ))[الأنعام:76]، ثم رأى القمر، فقال: (( هَذَا رَبِّي ))[الأنعام:77]، ثم رأى الشمس قال: (( هَذَا رَبِّي ))[الأنعام:78]، ثم قال: (( إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ ))[الأنعام:78-79] . وهناك الجرأة العقلية أيصاً: في قدرة الإنسان على النظر والتفكير والنقد والمعالجة، إلى غير ذلك من المعاني. وهذه الأشياء قد تكون فطرية عندهم وعند الناس كثيراً، لكنها أيضاً يمكن أن تكبر وتنمو بالتدريب، ولذلك يروى أن ابن الزبير كان في سوق، وجاء عمر ، فهرب الصغار، وهو معهم لكنه لم يهرب، فقال عمر : [ لماذا لم تهرب معهم؟ قال: لم يكن الطريق ضيقاً فأوسعه لك، ولم أخطئ أو أجرم فأهرب وأخاف منك! ] . و عمر بن عبد العزيز جاءه وفد مرة، يقال: كان معهم طفل عمره اثنتا عشرة سنة فقام يتكلم، فقال عمر بن عبد العزيز : استأخر ليتكلم من هو أكبر منك. قال: يا أمير المؤمنين! لو كانت المسألة بالسن لكان في الأمة من هو أسن منك، فقال: تكلم، فتكلم وقال: نحن لم نأت خوفاً، فقد أمننا عدلك من الخوف، ولم نأت رجاءً، فقد وصل إلينا خيرك من غير طلب، وإنما أتينا شكراً وثناءً. فأعجب به عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه. إذاً: هذا من حيث المعنى العام لقضية الجرأة. التالي خاتمة الحلقة الجرأة السابق مقدمة الحلقة الجرأة مواضيع ذات صلة الإعاقة والموهبة تأنيب الضمير ودوره في معالجة الإدمان تغيير العقائد والقلوب أسباب أخطائنا السلوكية تجنب تبرئة الذات من الخطأ وتحميله على الآخرين