---

متابعة النص إلغاء متابعة النص

---

الأنتقال الى النص

1. أسباب اختلاف العلماء

   الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: نطلب منكم تذكر هذه الأسباب، تفضل يا..
   مداخلة: اختلاف أهل العلم في حدة الذكاء، وقوة الفهم.
   الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: نعم، اختلافهم في حدة الذكاء، وقوة الفهم، وممكن أن نضيف في النقطة هذه، وهو ما ذكرناه بالأمس ويدخل فيها، لكن يحتاج إلى إشارة؛ وهو الأمر المتعلق بقوة الشخصية؛ قوة شخصية العالم، فإن من العلماء بسبب قوة ذكائه، وحدة فهمه، وسعة عقله؛ يكون مع ذلك عنده قوة نفسية، وقوة شخصية؛ بحيث يستطيع أن يخالف غيره في هذه المسائل التي له فيها رأي، ولذلك تجدون مثلاً..
   مداخلة: الجرأة.
   الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: أعني بها الجرأة، الجرأة هي قوة شخصية العالم، بحيث تجدون أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بسبب ما أعطاه الله تعالى من الهيبة والقوة في شخصيته، تجدون أنه نقل عنه أشياء كثيرة خالف فيها بعض الصحابة، وأفردت بمؤلفات أو مصنفات، وتوجد في فقه عمر رضي الله عنه؛ وما ذلك إلا لما أعطاه الله تعالى من قوة الفهم والعقل أولاً، وقوة الشخصية ثانياً، وقوة الشخصية قد ترجع إلى قوة الفهم، وترجع أحياناً إلى قوة النفس؛ أنك تجد من العلماء من يكون له القول أو الرأي؛ لكنه يموت وهو في صدره؛ لأنه لا يستطيع أن يقول هذا القول؛ خشية من تبعاته، والآثار المترتبة عليه، ولذلك يحدث أحياناً أن بعض العلماء قد يكون عنده مؤلفات أو أشياء، فيطلب ألا تنشر هذه الأشياء إلا بعد وفاته؛ لأنه لا يتحمل التبعات التي تترتب على كونه يجهر بهذه الفتاوى، أو بهذه الأقوال والنصوص.
   ثانياً؟
   مداخلة: اختلاف النيات.
   الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: وراك رحت إلى آخر واحدة، ماشي.
   مداخلة: أكدت عليه أمس أنه ...
   الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: نعم جيد، ثانياً قلنا: اختلاف النيات، وأدخلنا في اختلاف النيات أولاً: اختلاف المقصد الأصلي في كونه أراد وجه الله فيكون غالباً موفقاً للصواب، ويدخل في ذلك التجرد والموضوعية، والسلامة من التعصب لمذهب، أو لعالم، أو لطائفة، أو لبلد، أو التعصب ضدهم، فهذا يدخل في موضوع النية، وصلاح النية، وحسن النظر في الأمر.
   الثالث؟ نعم يا..
   مداخلة: سعة العلم، ...
   الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: سعة العلم، أو كثرة العلم وقلته، وهذا كما أنه يحدث في اختلاف شخص عن آخر، كذلك يحدث في الشخص الواحد نفسه؛ لأنك تجده في يوم أو في وقت يكون لديه أقوال، وكلما زاد علمه ربما غير هذه الفتاوى، أو هذه الأقوال التي كان يقول بها.
   الرابع؟
   مداخلة: اختلاف الزوايا التي ينظر إليها إلى النص.
   الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: اختلاف الزاوية التي ينظر من خلالها إلى النص، فيكون العالم ينظر إلى النص من زاوية معينة، وغيره ينظر من زاوية أخرى، فهذا يرجح جانب الحظر، وهذا يرجح جانب الإباحة، وهذا يرجح جانب الاحتياط، وهذا يرجح جانب التوسعة، وذكرنا نماذج لذلك.
   الخامس؟ ها يا طالب.
   مداخلة: اختلاف ...
   الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: اختلاف الظروف والأحوال والبيئات والأوضاع، وهذا مشاهد، وذكرنا من أمثلته عمر رضي الله عنه، وبعض فتاويه التي بناها على تغير الظروف، واختلاف أحوال الناس، فيفرق بين الحالة التي يكون فيها تمسك قوي بالدين عن الحالة التي يكون فيها ضعف، وحالة القوة والشدة عن حالة الرخاء، وحالة الغنى عن حالة الفقر، وهكذا تختلف الظروف والأحوال، وهذا يكون من أسباب اختلاف العالم نفسه؛ فإنه قد يختلف بعض علمه، وبعض فتواه بحسب الحالة والظرف الذي يعيش فيه.

2. الضوابط العلمية التي ينبغي لأهل العلم مراعاتها عند وجود الخلاف

   الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: وحتى لا نسترسل ونطيل في الموضوع اليوم أحببت أن أركز على مسألة لعلها تكون الأخيرة إذا ما جد جديد في الموضوع؛ وهي مسألة الموقف من اختلاف العلماء، واختلاف المفتين، واختلاف الفقهاء.
   القاعدة التي ركزناها وبنيناها الآن وأسسناها: أن الخلاف لا بد منه، سواء خلاف الناس ما بين مسلم وكافر، كما قال الله تعالى: (( وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ))[هود:118]، أو ما يتفرع عن ذلك من خلاف المسلمين أنفسهم إلى فئات شتى، وإلى آراء شتى، وإلى مذاهب شتى في الفقه أو في غيره، هذا لا بد منه، وتفريعاً على هذه الجزئية أقول: إن كثيراً من الذين يتبرمون من الخلاف، ويضيقون من الخلاف، ويريدون أن يضيقوا شقة الخلاف بطريقة متعسفة، هم من حيث لا يريدون ولا يشعرون يكونون سبباً في إغراء الخلاف، وإذكاء ناره.
   وعلى النقيض من ذلك: الذين يحاولون أن يطبعوا أنفسهم مع الخلاف إذا كان وفق أصول ومعايير شرعية، وأن يتقبلوه كواقع لا بد من الاعتراف به؛ أن هؤلاء غالباً يكونون أفضل في معالجة الخلاف، وتحديد موقف سليم منه.
   وفي موضوع الموقف من الخلاف ما دام سلمنا أنه لا حيلة فيه، وأنه لا بد منه، وأن الفقهاء سيختلفون، وأن المفتين سيختلفون، وأن العلماء سيختلفون، وأن الأمة تبعاً لهم سوف تختلف، فأحب أن أشير إلى جانبين مهمين:
   ‏

   1. الضابط الأول: أن يحرص المفتي على التحقيق والتدقيق وتحري الألفاظ

      الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: الجانب الأول: يتعلق بالنواحي العلمية؛ الجوانب العلمية.
      ففي الجوانب العلمية -مثلاً- هناك نقطة متعلقة بضرورة أن يحرص العالم على التحقيق والتدقيق، والبحث والتحري والنظر في الأدلة، فإذا أفتى العالم بمسألة، أو قال قولاً فينبغي له باعتبار أنه متبوع، وكما قيل: إذا زل العالم زل بزلته عالَم، وزلة العالم تطير بها الركبان، وليست كزلة الجاهل تطوى ولا تروى، فهذا يجعل أنه من المتعين على العلماء والمفتين وطلبة العلم: أن يحرصوا على الدقة في أقوالهم، والتحري، والنظر في الأدلة، والتحقيق، وعدم الهجوم على القضايا بغير روية ولا تثبت، وأن يعلم العالم أنه كما قيل:
      كلا طرفي قصد الأمور ذميم
      فإن من الناس من تبهته بعض المسائل، وهو يجيب عبر برنامج على الهواء، أو أمام الناس في محاضرة، أو درس، أو ميدان عام، ويثقل عليه أنه كلما سئل عن شيء يقول: الله أعلم.. لا أدري.. أراجع المسألة.. ليس عندي خبر.. لا يطيق ذلك أحد، فتجد أنه يريد أن يتخلص من الموقف، فمنهم من يسعى بالتخلص من هذا الموقف بأنه دائماً يأخذ جانب الاحتياط والمنع، فكلما سئل عن شيء حاول أن يبحث له عن وسيلة، ويقول بمنع هذا، ومنع هذا، ومنع هذا؛ لأنه يرى أن المنع أكثر حزماً فيما يتعلق بالنفس.
      حتى إنه قد يسأل عن أشياء من البدهيات التي لا يكاد يختلف الناس في جوازها، وفي وضوح أدلتها، ولكنه قد يعزب عنه الدليل، أو تعزب عنه الفتوى، فيقول: بأنه ينبغي منع ذلك، وقد يحرمه، وقد يشدد فيه، وقد يبني عليه نتائج، على سبيل المثال: يسأل إنسان: ما حكم من يترك صلاة الوتر؟ فتجده بسبب العجلة وكذا يقول: صلاة الوتر تركها ضرر، ومن تركها لا تقبل شهادته، وكيت وكيت وكيت، والآن يترك صلاة الوتر، وغداً يترك صلاة الفريضة، ثم يطول الأمر إلى أشياء لم يكن لها مناسبة، وقد يصل إلى درجة أنه يأخذ ببعض الأقوال في التشديد في أشياء، ولو أنه تأنى وتريث وصبر؛ لكان بإمكانه أن يبلغ مراده في حث الناس على فعل الخير، وتحريضهم عليه، من غير أن يوقع نفسه في مضايق في جانب الحظر والاحتياط والمنع للناس.
      وبعض الناس على النقيض من هذا؛ قد يسأل في مناسبة، أو تجمع، أو برنامج على الهواء، أو في جلسة في المسجد، من غير أن يكون أمامه مجال للتأمل والنظر في الأسئلة، فتجده أنه يتسامح في كثير من الأمور، ويفتي بإباحتها وبجوازها، وقد تكون من القضايا المتشابهة، بل قد تكون من المحرمات الواضحة أحياناً، لكن عزب عنه الأمر؛ بسبب عدم الأناة.
      فـينبغي أن يحرص العالم وطالب العلم على التثبت والتأني، والنظر في الأدلة، ومراجعة أبحاث المسألة، وأقوال أهل العلم فيها، ويراعي أن يتكلم مع الناس باللغة والأسلوب الذي يعرفون، فإن بعض المسائل قد يكون الأمر فيها واضحاً من الناحية الشرعية، أو من الناحية الفقهية، لكن تراعي أن كثيراً من المتلقين اليوم هم من العوام؛ لأن العلم الآن قد فتح على الناس في مسائل معينة، بمعنى: أن كثيراً من الفتاوى سواء كانت في الإذاعة، أو في محطات التلفزة، والقنوات الفضائية، أو في الإنترنت، أو في الأشرطة، أو في غيرها، أصبحت الفتوى يسمعها ألوف من الناس، بل ربما نقول: ملايين أحياناً، وتجد أن أحاديث الناس من الغد هو فيما قال فلان، وما أفتى به علان، وقد يكون كثير من العوام لا يدركون الألفاظ الشرعية، ولا يعرفون الفروق، ولا يستطيعون أن يميزوا، ويقع عندهم لبس كثير، فإذا سمعوا عالماً يفتي بأن المسلم الذي لا يوجد في بلد بنوك إسلامية، يجوز له أن يودع ماله في البنك الربوي، والفوائد التي تصرفها تلك البنوك بدلاً من أن يتركها للبنك، أو يتركها للجمعيات التي يسمونها خيرية، وهي جمعيات تنصيرية، أو تبشيرية؛ أن عليه أن يأخذها لا ليتملكها، ولكن ليتخلص منها، وهذه فتوى أفتى بها معظم الفقهاء المعاصرين، وهي الصواب، لكن قد يسمع هذه الفتوى إنسان عامي، فلا ينتبه إلى أن الفتوى هذه مربوطة بالبلد الذي يكون فيه بنوك ربوية، ولا يوجد فيه بنوك إسلامية يمكن الإيداع فيها بغير ربا، فيغفل عن هذا الفرق، ويغفل عن الفرق الثاني أو الجانب الثاني؛ وهو أنها تؤخذ لا للتملك، ولكن للتخلص، فمن الغد لا تستغرب أبداً أن تسمع عامياً يقول: الشيخ فلان أحل الإيداع في البنوك، وأحل الفوائد الربوية.
      قد يقول قائل: ما هي الحيلة؟
      الحيلة بالنسبة للعوام، لا حيلة في أنهم سيظلون -بل حتى بعض المنتسبين للعلم وكثير- أنهم ينقلون الأشياء على غير وجهها، هذه لا حيلة فيها، هذه سنة الله حتى من القديم، لكن بسبب توسع الآن الإعلام، وقدرته على التأثير، ووصوله إلى كثير من الناس؛ أصبح هذا يوجب لطالب العلم، أو العالم، أو المفتي، أن يحرص على الوضوح، والدقة في عبارته بقدر ما يستطيع؛ بحيث أن هناك أشياء ممكن أن يقدم بها بين يدي فتواه، ويضع هناك خطوطاً عريضة، ويؤثر فيها في نفسية المتلقي، وفي عقله، ثم بعد ذلك يقدم الفتوى التي سئل عنها؛ لأن الفتوى لو قدمت هكذا كما هي في كتب الفقه مجردة عارية ليس لها حواجز، وليس لها خطم وأزمّة، وأشياء تحيط بها، فربما كثير من الناس يفهمونها بطريقة غير ما أراد المفتي أو العالم، لكنه إذا وضع لها مقدمات، ووضع لها ضوابطاً، ووضع لها أسساً؛ فإن كثيراً من الناس يسهل عليهم فهمها. فهذا جانب لا بد منه في ما يتعلق بالناحية العلمية.

   2. الضابط الثاني: أن يكون الترجيح بمرجح شرعي

      الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: الجانب الثاني: هو أنه لا يسوغ لأحد -حتى لو كان من المنسوبين إلى علم، أو فهم، أو فقه، أو فتيا- أن يرجح في مسألة من المسائل بغير مرجح شرعي، فـلا يحل لأحد أن يرجح قولاً على قول بمجرد وجود خلاف بين العلماء؛ فإنه كما ذكرنا سابقاً معظم المسائل فيها خلاف بين العلماء..، فروع المسائل فيها خلاف بين العلماء، فلا يفهم أحد أن مجرد وجود الخلاف بين العلماء أنه دليل في المسألة، يعني: واحد فعل شيئاً قلت له: يا أخي! ما كان ينبغي أن تفعل هذا، قال: يا أخي! المسألة فيها خلاف، صحيح فيها خلاف؛ لكن هل هذا الخلاف يبيح لك أن تتخير من أقوال العلماء ما تشاء بمجرد حصول الخلاف، أم أنك لا بد أن يكون لك موقف علمي من الخلاف؟
      نعم الصواب: أنه لا بد أن يكون لك من الخلاف موقف علمي؛ للبحث والتحري والتحقيق والترجيح بالأدلة الشرعية، فلا يجوز اعتبار مجرد الخلاف مدعاة أنه دليل شرعي، أو مدعاة لأن يأخذ الإنسان من الأقوال أياً منها.
      ومثل ذلك: أن بعض الناس قد يأخذ من الأقوال يأخذ منها بالتشهي، أو بمجرد الرغبة النفسية، هذا أيضاً لا يجوز؛ لأن الفارق أصلاً بين الشريعة وبين الضياع هو أن الشريعة وحي ملزم، وما سواها فهو الهوى، ولذلك قال الله سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: (( ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ))[الجاثية:18]، فـلا يجوز الأخذ بمجرد التشهي، بل يجب أن يكون الأخذ مبنياً على لون من الترجيح والاختيار الشرعي أياً كان، فيكون الترجيح: بآية قرآنية، أو بحديث صحيح، أو بإجماع قائم، أو بقياس جلي واضح لا لبس فيه، وهناك أنماط، بل الترجيح فيه كتب كثيرة، مجلدات كتبت، وتكلم فيها الأصوليون وأطالوا، وليس المقصود الآن البحث في المرجحات، وأسباب الترجيح، وإنما المقصود: الإشارة إلى أنه لا يجوز للإنسان أن يأخذ أو يتخير من أقوال العلماء، وأقوال المفتين ما تدعو إليه نفسه؛ أو الرغبة النفسية، أو مجرد التشهي، أو مجرد الهوى، ويقول: فلان أفتى! لا، ينبغي أنه يكون هناك نوع من الاختيار العلمي المبني على أصول صحيحة.

   3. الضابط الثالث: لا إنكار في مسائل الخلاف

      الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: النقطة الثالثة في الجانب العلمي: هي مسألة عدم الإنكار في المسائل الاجتهادية، المسائل التي اختلف فيها أهل العلم، فالأصل فيها عدم الإنكار، وأن يعذر بعضهم بعضاً، ويقبل بعضهم قول بعض، فيسلم له أن له أن يقول بهذا القول، وإن لم يوافقه عليه، ما دام أن الله سبحانه وتعالى لم يجعل في المسألة دليلاً قطعياً لا يحل لأحد تجاوزه أو تعديه.
      وهذا ما كان عليه أئمة السلف، مثل: يحيى بن سعيد الأنصاري رضي الله عنه ورحمه الله كان يقول: إن أهل العلم أهل توسعة، وما اختلفوا فيه أهل العلم فلا أنهى أحداً من إخواني عن أن يقول به. وهكذا سفيان الثوري رحمه الله قال مثل هذا، ودرج أهل العلم على الإشارة إلى أن مسائل الاجتهاد لا إنكار فيها، وهذه القاعدة صحيحة من حيث الجملة، وإن كان كل قاعدة لها استثناء كما يقال، فهناك أشياء أو مسائل ينبغي استثناؤها من هذه القاعدة، مثل: المسائل التي الخلاف فيها أصبح قضية تاريخية كما يقال؛ لأنك في الواقع لو نظرت فيما يسمى بالتراث الفقهي -تراث الفقهاء ولا أعني: الفقهاء الأربعة، ولا الفقهاء العشرة، بل كل المنسوبين إلى الفقه من أهل العلم عبر العصور- لوجدت أن في بعض أقوالهم المنسوبة إليهم من الشذوذ والغرابة قدراً لا أحد يقبله، ولو جمعت هذا الأقوال واعتبر أن هذا كله تراث فقهي ويجب قبوله وعذر أحد إذا قال به لكان من وراء ذلك فتنة عظيمة.
      على سبيل المثال: ذكرنا سابقاً قول عمر رضي الله عنه وابن مسعود في مسألة التوضؤ للجنب، وهذا قول يجب طرحه، وذكر غير واحد إجماع الأمة بعد ذلك على تركه، فأصبحت القضية قضية تاريخية، أذكر على سبيل المثال من الأقوال المشهورة: أورد لنا بعض التابعين أظنه أبو سلمة بن عبد الرحمن، كان يقول: إن الإنسان إذا رأى في المنام رؤيا أنه يأتي امرأته في المنام وجب عليه الغسل حتى لو لم ينزل، وهذا القول مخالف للنص الشرعي: ( إنما الماء من الماء )، و( نعم إذا هي رأت الماء )، وأجمع الفقهاء قبله وبعده على خلافه.
      كذلك أذكر قولاً ذكره غير واحد من أهل العلم على سبيل المثال: أنه يمكن إذا واحد له دين على آخر وعجز عن سداد دينه ممكن يسترقه بدينه، هذا القول أظنه ذكر -إن لم تخني الذاكرة- في فتح الباري، ونسب إلى عثمان البتي وهلم جراً، فهذا القول وجد فقيه واحد قال به في عصر من العصور، فاعتبر من زلات الفقهاء، وعثرات العلماء التي تثبت بشريتهم، وأنه لا عصمة لهم، ولذلك نهى العلماء عن تتبع زلات الفقهاء وعثراتهم، حتى قال بعضهم: لو أن أحداً تتبع عثرات الفقهاء لاجتمع فيه الشر كله، فـهناك عثرات يعتذر فيها للفقيه أنه قال بهذا القول؛ بسبب غفلة، أو عزوب النص عنه، أو عدم الالتفات إلى التبعات واللوازم من هذا القول، أو أنه نسب إليه ولا يصح عنه، أو يقال في النهاية: إنه زلة تثبت بشرية هذا العالم، أو هذا الفقيه، لكن ليس من المعقول أن يعذر أحد غيره إذا تابعه على هذه الزلة، بل ينبغي أن يثرب عليه، ويقال له: إنه لا يصح للعالم والفقيه الرباني أن يتتبع زلات وعثرات الفقهاء والعلماء.
      ألخص هذه النقطة: أن هناك أقوالاً فقهية وغرائب علمية أصبحت في عداد الأقوال التاريخية التي اندرست وانقرضت، وذهبت بذهاب من كان يقول بها، لـابن حزم رحمه الله من ذلك أشياء في كتاب المحلى، وكذلك داود الظاهري، مثل: ما ينقل عنه من الإغراب في الظاهرية، حتى إنهم يقولون في حديث البول في الماء الراكد: أنه لو بال في إناء ثم صبه -نقل عنه هذا- في الماء فإنه لا يترتب عليه الحكم؛ لأن القضية معلقة بأن يبول هو في الماء الراكد. وغير ذلك من الغرائب التي قد تقال على سبيل الاستطراف أو الاستغراب أو شيء من هذا القبيل.
      إذاً: هناك أقوال تعتبر من الأشياء التي أصبحت في عداد الأمور التاريخية، فهذه لو أن أحداً تبناها أو قال بها فينبغي أن يثرب عليه، وينكر عليه، ويبين له أن هذا غلط ممن قال به، وأنه ينبغي له أن يترك هذا القول.
      فهذه من الأشياء التي نقول، وإن كانت مسائل ليست من القطعيات المطلقة، لكن ينبغي أن يكون هناك توجيه، أو تعليم، أو حتى إنكار لمن يقول بها.
      كذلك المسائل التي تكون مصادمة للنص؛ تكون بعض المسائل مصادمة للنص، فهذه ينبغي أن ينكر على من قال بها، ويبين له مخالفته، وأنه لا يسوغ له اتباع فلان أو علان؛ لأن فلاناً أو فلاناً ممن قالوا بهذا القول قد يكونوا قالوا به في ظروف خاصة، أو في وضع خاص، أو كما ذكرنا حصل منهم وهم، أو غفلة عن النص، بل إن الصحابي رضي الله عنه قد ينقل الحديث وينساه -أو التابعي- ويعزب عنه، وهذا باب معروف.
      فبعض الأقوال التي تكون ضعيفة جداً، ومع ضعفها فهي مصادمة لنص من النصوص الشرعية قرآناً أو سنة، أو مصادمة لإجماع واضح، وهذا الإجماع ممكن يكون إجماعاً قطعياً، ونعني بالإجماع القطعي: الذي توارد العلماء على نقله من غير نكير، أو يكون إجماعاً قوياً على أقل تقدير، وهو أن يكون نقل الإجماع جماعة من أهل العلم، ولا يعرف مخالف في مدونات وكتب أهل العلم، بخلاف بعض الإجماعات التي تنقل فهي لا تكون دقيقة؛ فإن من العلماء كـالطبري من يعتبر أن اتفاق أغلب العلماء إجماعاً، وهذا مذهبه معروف، ومنهم من يعتبر اتفاق الأئمة الأربعة إجماعاً، وقد يخالف اتفاق الأئمة الأربعة رأي الفقهاء السبعة، أو رأي كثير من الصحابة في مسائل معروفة ومشهورة، بل قد يقع وإن كان في مسائل قليلة نعم هي قليلة؛ لكن قد يخالف ظواهر نصوص أخرى، أذكر منها على سبيل المثال: عدم التسري بالإماء المشركات، وهذا ذكره ابن قدامة في المغني واستغربه.
      فالمهم أن الأقوال التي تخالف نصوصاً ظاهرة أو إجماعاً قطعياً، أو إجماعاً قوياً، وبطبيعة الحال ستكون هذه الأقوال ضعيفة، فينبغي توجيه وإرشاد من قال بها، وحتى الإنكار عليه فإنه لا تثريب في ذلك، ولا حرج.
      أما المسائل التي اختلف فيها أهل العلم، وشاع بينهم الاختلاف وذاع، ودونه أهل العلم في مصنفاتهم، وتناقلوه ولكل قول أدلة، وفيها راجح ومرجوح، لكن ليس فيها هدى وضلال، أو خطأ وصواب، أو حق وباطل، فمثل هذه الأشياء مما يتعاذر فيه أهل العلم، فيعذر بعضهم بعضاً فيما ذهبوا إليه من تلك الأقوال، ولا يحمل بعضهم على بعض بسبب ذلك.
      فهذه ثلاث نقاط نشير إليها في مسألة الجوانب العلمية.

3. ضوابط العمل في المسائل التي وقع فيها الخلاف بين أهل العلم

   الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: أما الشق الآخر فهو الجوانب العملية، وهذه فيها الحقيقة عدة قضايا، لعلي أستطيع أنني أستوعب ولو بعضها.
   فمن القضايا العملية في موضوع الخلاف:
   ‏

   1. حرمة القول على الله بغير علم وضرورة أخذ الفتوى من أهل العلم المختصين

      الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: أولاً: عدم دخول غير العلماء وغير المختصين ممن ليسوا من طلبة العلم، ولا من المعنيين بهذه الشئون؛ عدم دخولهم في هذه المسائل؛ لأن دخولهم فيها دخول فيما لا يعنيهم، ( ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه )، والله سبحانه وتعالى يقول: (( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ))[الإسراء:36]، فينبغي للإنسان ألا يقفو ما ليس له به علم.
      ولا شك أن العامي -وأقصد بـالعامي: من ليس من العلماء أو طلبة العلم- ولو كان مثقفاً في اختصاصه، قد يكون طبيباً، أو إدارياً، أو مهندساً، أو ما أشبه ذلك، وقد يكون ناجحاً في مجال تخصصه، لكنه في القضايا الشرعية ليس له -كما يقال- ناقة ولا جمل، وليس له باع في هذه الجوانب الشرعية، فضلاً عن أن كثيراً من الناس اليوم هذا الحقيقة هو مما يزيد الطين بلة كما يقال؛ أن كثيراً من الناس الذين يدخلون في هذه القضايا ويتكلمون قد يكونون ليسوا منها في قبيل ولا دبير، هم عوام من كل الوجوه؛ بل قد يكون حتى قدراتهم العقلية، وذكاؤهم ولماحيتهم قد تكون ليست بذاك؛ لأن العاقل غالباً ينأى بنفسه ويربأ بنفسه عن أنه يدخل في المضايق والمتاهات، ولا يريد من نفسه أن يكون حكماً بين أساطين أهل العلم وجهابذتهم؛ فهو يقول: من أنا حتى أجعل نفسي حكماً بين مالك والشافعي، أو أحمد وأبي حنيفة، أو النووي وابن حجر، أو فلان وفلان من فقهاء العصر، أو أقل من ذلك؟ ربما لا يبلغ بي الحال أنني أستطيع أن أفهم أقوالهم، وأضبط فتاويهم، ولا أستطيع أن أنقله لغيري فكيف سأجعل من نفسي حكماً بين هؤلاء؟! يعني: هنا أكون لم أحسن الاختيار لنفسي، ووضعتها في غير موضعها، والعرب يقولون: ليس هذا عشك فادرجي، يقصدون بهذا المثل الإشارة إلى أن الإنسان الذي يتدخل فيما لا يعنيه كما يقال: من تدخل فيما لا يعنيه سمع ما لا يرضيه.
      فينبغي للإنسان أن يترك ما لا يعنيه؛ لأن هذا من حسن إسلامه، كما ذكر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وهو من امتثال أمر الله تعالى في ترك قفو ما ليس له به علم.
      ولم يخرب العلم والفقه والفتوى والدعوة -وأقول هذا عن إدراك ورؤية- إلا أن يدخل فيها كثير ممن ليسوا من أهلها، وليس لهم بها علم، يعني: ربما مرت الإشارة العابرة: أن العلماء في الغالب يكون عندهم من سعة الأفق، وسعة النظرة والعذر، ولذلك إذا التقى بعضهم ببعض تجد السلام والمصافحة، والابتسام والتكريم والتقدير، وليس بينهم إلا كل خير، لكن كثيراً من الأتباع الذين يكون عندهم جهالة، وعندهم تعصب، وعندهم عماية، وعندهم فراغ، وكما قيل:
      لقد هاج الفراغ عليّ شغلاً            وأسباب البلاء من الفراغ
      فكثير من هؤلاء هم الذين يكونون سبباً في مثل هذه الأمور، فـلو لم يدخل في هذا العلم والفتوى والفقه والدعوة.. لو لم يدخل فيها من ليس من أهلها لكانت على خير في الجملة، ويكون هذا إرشاد لنا، للإخوة الحضور، ولمن يبلغهم هذا الحديث، أن على الإنسان أن يحرص على ألا يتدخل في الأمور التي ليس بقدرها، يقول: هذه ليست على (قدي)، هذه أكبر مني قليلاً، أنا أمتنع، أتوقف، أحجم عنها، هذا طيب، هذا من حسن اختيار المرء لنفسه. هذه نقطة.

   2. الأخذ بالأحوط من كلام أهل العلم وضابطه

      الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: النقطة الثانية: مسألة الاحتياط فيما يتعلق بسلوك الإنسان الشخصي، أو معاملته مع أهله وولده وغير ذلك.
      فإن الإنسان قد يجد أقوالاً كثيرة واختلافات، فهذا يبيح، وهذا يحرم، وهذا يقول: مكروه، وهذا يقول: مستحب، بل قد يصل الحال إلى أن يقول بعضهم: هذا واجب، ويقول آخرون: هذا محرم.
      إذاً: هناك مجال في الجملة للاحتياط؛ وهو أن الإنسان يأخذ بالأحوط، لا نقول: يجب عليه الأخذ بالأحوط، ليس واجباً، لكن نقول: ممكن للإنسان أن يأخذ بالأحوط فيما يخصه هو، فإذا وجدت أن هناك اختلافاً في مسألة من المسائل وأنت تستطيع أن تتركها، تقول: الحمد لله أتركها، وليست هذه من الضرورات التي لا يمكن الاستغناء عنها.
      فيحتاط الإنسان لنفسه، ويستبرئ لدينه وعرضه، ويعتبر هذا بالنسبة له من الشبهات، وفي المتفق عليه حديث النعمان بن بشير: ( فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه )، فيحتاط في مثل هذه الأمور.
      ومن الاحتياط ومن الورع: أنه إذا اختلف العلماء في مسألة من المسائل، إذا اختلفوا: هل هذه المسألة مكروهة أو واجبة أو مباحة؟ ما هو الاحتياط في هذه الحال؟ الاحتياط هو أنك..
      مداخلة: تبتعد.
      الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: تبتعد عن هذه المسألة، تترك هذه المسألة، تقول: الحمد لله، ما دام المسألة مترددة بين كراهية أو تحريم أو إباحة، فعلى أحسن الأحوال هي من المباحات أنا أتركها إذاً، فهذا احتياط، لكن من الاحتياط: أنه إذا اختلف العلماء في مسألة أخرى فمنهم من قال بأنها واجب، ومنهم من قال بأنها مستحب، ومنهم من قال بأنها مباح، فالاحتياط في هذه الحالة ما هو؟
      مداخلة: العمل.
      الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: أن تقوم بهذه المسألة.. أن تعملها من باب الورع، فكما أن الورع هو: ترك ما قد يضر بالدار الآخرة، أو ترك المشتبهات بالحرام أو بالمكروه، فكذلك من الورع.. كمل؟
      مداخلة: فعل..
      الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: نعم، من الورع: فعل المشتبه بالواجب أو المشتبه بالمستحب، وبعض الناس يفهمون الورع الأول، ويغفلون عن الثاني؛ لأنه دائماً بعض الناس يميل إلى الكسل، فالورع عنده الترك، لكن أن يكون الورع عنده هو الفعل.. أن يقع في ذلك مثلاً وقد تكون الدعوة من الواجبات المتعينة عليك فتنطلق وتقوم بها، أو أن يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الواجبات عليك، أو أن يكون الجهاد بالمال من الواجبات المتعينة عليك، فتقوم بفعل ذلك على سبيل الاحتياط، والاستبراء لنفسك، تجد أن كثيراً من الناس لا يسلكون هذا المسلك في الورع، فيفهمون الجانب السلبي من الورع؛ الذي هو جانب الترك، ولا يفهمون الجانب الإيجابي من الورع؛ الذي هو جانب فعل الشيء خشية أن يكون واجباً عليك أو مستحباً، وهذا باب واسع وكبير.
      لكن نراعي في الورع أمور:
      منها: أن الورع سلوك شخصي لكن لا تلزم به، وكذلك الاحتياط، الورع سلوك شخصي لكن لا تلزم به، فتفعله بنفسك لكن لا تلزم به حتى أقرب الناس إليك قد لا تلزمهم، زوجتك قد لا تستطيع أن تلزمها بهذا المسلك، ولدك قد لا تستطيع أن تلزمه بهذا المسلك، وإنما ربما تنصحه، تقترح عليه، تتمنى عليه؛ لكن لا تلزمه بذلك. هذه واحدة؛ لأن في إلزامهم بذلك مشقة عظيمة جداً على الناس.
      النقطة الثانية في موضوع الورع والاحتياط: أن من المسائل ما لا يمكن فيه الورع كما ذكرت، فأنت بين قولين: إما الوجوب، وإما التحريم، فإن تورعت على مذهب قوم وقعت في المحذور على مذهب آخرين، مثل: قراءة الفاتحة في الصلاة الجهرية، فمنهم من يقول بأنها واجبة؛ لحديث: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )، ومنهم من يقول بأنها محرمة إذا لم يسكت الإمام؛ لقوله تعالى: (( وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ))[الأعراف:204]، ففي مثل هذه الحالة لا بد من الاجتهاد في المسألة سواء بالنظر في الأدلة لطالب العلم أو العالم، أو باتباع من يثق بدينه وعلمه بالنسبة للعامي المقلد الذي لا يستطيع النظر في الأدلة، فمن المسائل ما لا يمكن فيه الورع، ولا يمكن فيه الاحتياط.
      النقطة الثالثة: أن الاحتياط فيما يتعلق بأقوال أهل العلم ليس دليلاً شرعياً؛ لأنه كما ذكرنا ربما كثير من المسائل فيها خلاف، فكون الإنسان كلما كان في المسألة خلاف قال: أتركها هذا ليس مشروعاً بإطلاق، بل لو ظهر له رجحان قول بآية، أو حديث، أو قوة حجة عقلية، أو غير ذلك أخذ به، ولا تثريب عليه، ولذلك لو بحث طالب علم في مسألة ورجح قولاً بأنه هو الاحتياط، أو أنه خروج من خلاف الفقهاء، لم يكن هذا له القوة والوجاهة، وعليه إشكالات كبيرة كما ذكر ذلك غير واحد من أهل العلم.
      فنشير إلى هذه الملاحظات الثلاث فيما يتعلق بالورع والاحتياط.
      نقول: أولاً: أنه الورع لك شخصياً، ولكن لا تلزم به غيرك.
      ثانياً: من الوسائل ما لا ورع فيها ولا احتياط، بل إما هذا أو هذا.
      ثالثاً: أن الخروج من خلاف الفقهاء لا يعلل به بإطلاق، بل إذا ظهر للإنسان وترجح عنده قول فإنه يأخذ به من غير كراهة، فلو وجد خلاف لا يعتمد على دليل شرعي أصلاً؛ لكن أحد العلماء قال بقول باجتهاده ولا دليل معه، فهنا لا نقول أترك هذا خروجاً من خلاف العلماء؛ لأنك لا تستطيع أن تخرج من خلاف العلماء في الواقع.
      إذاً: هذه النقطة الثانية في موضوع الجوانب العملية؛ وهي مسألة: أن الإنسان بإمكانه أن يأخذ بالاحتياط، ويأخذ بالورع في هذه المسائل.

   3. حسن الظن بأهل العلم وحمل أقوالهم على المحمل الحسن

      الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: النقطة الثالثة: أنه ينبغي حسن الظن بأهل العلم، حتى وإن خالفهم الإنسان في مسائل معينة؛ فإن الأصل أن يحسن الظن بهم، فلا يحملهم على محامل أنه أراد مخالفة الدليل، أو مخالفة النص أو الخروج من الحجة الشرعية، لكن يحملهم على أن الدليل لم يبلغه، أو على أنه ظهر له خلافه، أو على أنه نظر نظرة معينة، أو على أنه قد يكون عنده ما ليس عندي.. ربما أخالفه، ومع ذلك أنا أقول: قد يكون الصواب معه؛ لأنه نظر في أمور لم أستطع أنا الوصول إليها، لكن أنا متعبد بما وصل إليه اجتهادي، وهو متعبد بما وصل إليه اجتهاده، و(( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ))[البقرة:286]، ويوم القيامة الله سبحانه وتعالى يحاسب العالم، أو الفقيه، أو المفتي، أو طالب العلم القادر على الاختيار.. يحاسبه على الرأي الذي توصل إليه هو، أو على الرأي الذي توصل إليه غيره؟
      مداخلة: غيره.
      الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: لا، على الرأي الذي توصل إليه هو، فلو توصل هو إلى رأي، وعمل برأي آخر، باعتبار أنه رأي فلان، وكان مخالفاً للأول لربما كان عليه في ذلك تثريب شرعي ومؤاخذة، ما دام أنه من أهل العلم، وأهل النظر، وأهل الاجتهاد.
      إذاً: ينبغي حسن الظن بالعلماء، ولذلك نجد أنه ما من عالم إلا وله مسائل انفرد بها، بدءاً من الصحابة، ومروراً بالأئمة الأربعة، وانتهاءً بكبار أصحابهم وأتباعهم، والفقهاء والمفتين والمجتهدين من غيرهم، فكل هؤلاء لهم مفردات، ولعل مما تعرفونه جميعاً بحكم الدراسة والتخصص أو بحكم البيئة على الأقل مفردات الإمام أحمد، الإمام أحمد له مسائل تسمى المفردات؛ وهي مما انفرد به من المسائل عن الأئمة الأربعة، وقد صنف فيها مصنفات، وكتب فيها كتباً، ومن أشهرها: مسألة الوضوء من لحم الإبل، هذه من مفردات الإمام أحمد، ومع ذلك ورد فيها حديث صحيح: ( أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم، توضئوا من لحوم الإبل ).
      فهناك مسائل كثيرة للعلماء انفرد بها العالم عن غيره، وقطعاً هذا العالم لم يكن يقصد الانفراد ولا يريده، بل ربما لم يعلم أنه انفرد، خصوصاً إذا كان الانفراد نسبياً، فانفراد أحمد عن الأربعة، أصلاً متى تقرر أن المذاهب الأساسية أربعة؟ هذا لم يكن في عهد الإمام أحمد، أو في عهد الأئمة، وإنما كان بعد ذلك بفترة، وكان هناك مذاهب كثيرة للثوري والأوزاعي والظاهرية كما ذكرنا وغيرهم وغيرهم، وأبي ثور؛ ولكنها اندرست هذه المذاهب، أو كادت، ولم يبق على مستوى الأمة من المذاهب المشهورة إلا تلك المذاهب الأربعة.
      فإذاً: المقصود ألا نثرب على الأئمة، وأن نحسن الظن بهم، وكذلك الحال بالنسبة للفقهاء والمفتين والعلماء، خصوصاً إذا كانوا من ذوي الأقدار، وذوي الهيئات ، وذوي العلم الشرعي، وذوي التقوى في الجملة، فينبغي أن يكون عندنا سعة أفق، وسعة بال في التماس الأعذار لهم، وحسن الظن بهم، وحمل أقوالهم على أحسن المحامل ما وجدنا إلى ذلك سبيلاً، وهذا باب مهم جداً.

   4. الأخلاق الشرعية بين أهل العلم

      الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: النقطة الرابعة عندي: الأخلاقيات الشرعية بين أئمة العلم؛ أنهم كان يقدر بعضهم بعضاً؛ لأنك تجد أن ... فتوى، وأبو يوسف ...، وسئل الإمام أحمد عن مثل هذا، قال: لو لم نصلِّ خلف من لا يرى الوضوء من الدم لما صلينا خلف الإمام مالك، أو سعيد بن المسيب، وأئمة التابعين، فلو تركنا الصلاة خلف هؤلاء لتركنا الصلاة خلف أئمة أجلة لا شك فيهم، حتى نقل ولا أدري عن دقة الرواية هذه لكن نقل الشافعي كان يرى القنوت في الفريضة، ... هل تصح أم لا؟ لكن المقصود ... كونه لا يتوضأ من الدم وقد خرج الدم، فأنت في رأيك أن لحم الإبل مبطل للوضوء؛ لكن هو أنه لا يبطل الوضوء، فأنت لو صليت ماذا تكون صلاتك؟ باطلة، لكن هو لأنه يرى عدم الوضوء...، فأنت لا تحاسبه أو تؤاخذه على هذا الاختلاف، كونه ... هذا دليل على ما وراء ذلك؛ لأن الصلاة ... هذا فيما يتعلق بالصلاة، فغيرها من باب أولى، قد يوصي بأخذ العلم عنه أن يرد عن عرضه، المسلم ...
      قالوا يزورك أحمد وتزوره                         قلت الفضائل ...
      إن زارني فبفضله أو زرته             فلفضله            فالفضل في الحالين له
      رضي الله عنه، الإمام أحمد يميل ... أعجب بطريقته في الاستنباط، وتأليفه الرسالة، لكن هذا ... الشافعي، فقال: إن الشافعي أعلم ... رضي الله عنه؛ ولكن بعد قراءته لكتاب الرسالة؛ لأن كتاب ... القدر في بابه؛ لأنه كان هو الأدلة التي اتكأ عليها ... يقول: ما عبر الجسر إلى ... إسحاق يعني: إسحاق بن راهويه ... أشاد بفضله، وأثنى عليه، ثم قال: إنا لا نترك من ...، ينبغي أن نشيع هذه الثقافة ...، فهذا أمر ... بين العلماء فيتشبث ...، الله سبحانه وتعالى يقول: (( الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ))[الزمر:18] ...، خيراً كثيراً، هل من الحكمة أن تأتي فتذهب وتأخذ بأذن كلب الغنم ... الشاة السمينة الطيبة وتظفر بها!
      فتجد بعض الطلبة وبعض الإخوة قد يجدون قولاً في مثلما يروى عما وصل وحصل من الخلاف بين مالك وبين ابن أبي ذئب، مالك رحمه الله لما ذكر قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الحديث المتفق عليه: ( البيعان بالخيار ما لم يتفرقا )، الإمام مالك - وأبو حنيفة وافقه في ذلك- ذهب إلى أن المقصود بالتفرق: التفرق بالأقوال، وليس بالأجساد، خلافاً للقول الآخر الذي هو التفرق بالأجساد بمعنى: أنه كان يرى التفرق بالأقوال، لما بلغ هذا الكلام ... ضربت عنقه، ... على النفس وعلى ... في ذلك؛ لأن الأقوال العلمية لا يستتاب فيها ... ولا مخالف للنصوص ... في مظانها، قال: يا أخي ابن أبي ذئب قال لـمالك: يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه، فهو من العلماء الثقات لكنه ... سئل عن هذه المسألة أو ... قال: ما كان الإمام مالك ... انتهى كلام أحمد، وإنما المقصود أن مالكاً ... في المدينة دليل على السنة الجارية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وعهد الصحابة رضي الله عنهم، أو أن التفرق بالأقوال ينهي عملية العقد ... ... مثلاً إذا تم هذا العقد باعتبار أنهم كانوا في مجلس ... إلى غير ذلك، فهذه الكلمة كان ... السنة، لكن ولا ينبغي أن يقال له ... مثل هذا، ولا يحمل قوله ...
      ... الكتب وأهل السنة وأهل الدعوة و.. يعني: روح التسامح، وروح التعاذر لهم، حتى وإن اختلفوا في ... لا يفسد للود ...
      المقابلة التي في الذهن ارفع الصوت قليلاً حتى يسمعون.

4. الأسئلة

   ‏

   1. ضوابط الإنكار على المخالف

      السؤال: ... الإنكار على المخالف ...أم أنه لا بد ...
      الجواب: له ضوابط كثيرة منها: أن يكون ... الإنكار إذا أنكر غيره مثل: الحوار العلمي والنقاش والجدال بالتي هي ...، لكن كونه يأتي إلى أئمة جهابذة يعني قضوا أعمارهم في هذا الباب ... ليس بجيد، وإنما يمكن الإنسان على ... إليهم، ويعتبر بحالهم يعني.

   2. سلامة الصدور تجاه أهل العلم

      السؤال: ... الإخوة ...
      الجواب: موضوع الأخلاق وسلامة الصدور وغير ذلك.