الرئيسة ›محاضرات›قد أفلح من زكاها قد أفلح من زكاها الخميس 5 ربيع الأول 1434هـ طباعة د. سلمان العودة 732 متابعة النص إلغاء متابعة النص الأنتقال الى النص أثر العبادات على الفرد والمجتمع الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: .. حياكم الله جميعاً أيها الإخوة، يا هلا فيكم، وأنا أدخل إليكم الآن من غير ما ترتيب أو استعداد، فقط تذكرت واحداً من المعاني العظيمة التي أشاد القرآن الكريم بذكرها، وقامت عليها سوق الخير والدعوة والإصلاح للفرد والمجتمع مع كثرة الغافلين والصادين عنها. تنوع الشرائع في الإسلام الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: فتلاحظ وتتأمل فتجد أن الله سبحانه وتعالى شرع لعباده كثيراً من الشرائع التي تبدأ بالنطق بكلمة الوحدانية، ثم تتفرع إلى أنواع العبادات من الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، وقراءة القرآن، والأذكار، والأخلاق الإسلامية التي شرعها الله لعباده، مثل: إشاعة السلام بينهم، الكلمة الطيبة، صلة الرحم، عيادة المريض، بر الوالدين، الرفق بالضعفاء والفقراء والمساكين. لما تقرأ في كتب ما يسمونها بكتب تهذيب الأخلاق، سواء كانت تلك الكتب التي جمعت ما ورد من القرآن والسنة في هذا الباب، أو الكتب التي تكلمت من واقع الملاحظة النفسية والاجتماعية؛ لأن هذا الباب كُتب فيه الكثير، كتب فيه ابن حزم، وكتب ابن مسكويه، وكتب فيه عبد الحي الحسني، وكتب فيه كثير من أهل العلم، فضلاً عما كتبه الغزالي والمقدسي وابن القيم رحمه الله وابن تيمية وغيرهم. أثر العبادة على المسلم الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: فالمقصود أنك لما تلاحظ هذه التشريعات تجد أن هذه التشريعات كاملة، لكن تطرح على نفسك سؤالاً عن أثر هذه التشريعات على واقع الناس؟ فهنا يكون السؤال الذي تصعب الإجابة عليه، لأنه- سبحان الله- في القرآن الكريم إشارة واضحة إلى أن جميع الأمم الكتابية التي أنزلت إليها كتب، مثل: اليهود، النصارى، وهؤلاء بالدرجة الأولى، وقد يكون هناك غيرهم، والله أعلم، يعني هناك أنزل الله التوراة وأنزل الإنجيل، وقال: (( إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ))[الأعلى:18-19]، وبعث جماً غفيراً من الأنبياء والمرسلين، وكثير منهم أنزلت عليهم كتب، وكان لهم أتباع، لكن الله سبحانه وتعالى ذكر اليهود والنصارى بالدرجة الأولى، وما أنزل عليهم من الكتب. ففي القرآن الكريم في سورة الحديد تجد قول الله تعالى: (( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ))[الحديد:16]، وقد ورد في صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: [ لم يكن بين إسلامنا وبين أن خوطبنا بهذه الآية إلا أربع سنوات ]، فعاتبهم الله بعد فترة على أنه ما حان وآن لكم أن تخشعوا لذكر الله وما نزل من الحق، وأن تلامس معاني الإيمان شغاف قلوبكم. يعني إنسان مثلاً صلى، قد يكون أول الأمر يتكلف أن يدرب نفسه على الصلاة، أو صام، أو حج، أو قام بعمل من أعمال الخير، يتكلف أنه يدرب نفسه على هذه الأعمال، لكن لا يكون لهذه الأعمال أثر واضح على قلبه، وعلى نفسه، وعلى شخصيته، إنما مع الوقت لما يمضي سنوات يقال له: إلى متى تظل هذه الأشياء أموراً تمارسها في نفسك دون أن تؤثر في وجدانك وقلبك؟ مظاهر التدين المنقوص عند المسلمين الإيمان المجرد دون الالتزام بأحكام الشريعة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: أنت دائماً تلاحظ أن المشكلة في الأمم الكتابية سواء كانوا اليهود أو النصارى، أو في المسلمين الآن، المشكلة الحقيقة ممكن نقول: أنها تنقسم إلى قسمين حتى نكون أكثر دقة، القسم الأول: أن هناك من أتباع الرسل أيام موسى، ثم أيام عيسى، ثم أتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من يتبعونه بالقول ثم لا يطبقون هذه التعاليم التي جاء بها، وأنت تجد أن كثيراً من الناس لما تقول له: محمد، سرعان ما يثرب عليك: كيف تقول: محمداً، ولا تقول: صلى الله عليه وسلم؟ وكيف لا تقول: سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟ ولو سمعوا أحداً ينال من الرسول عليه الصلاة والسلام لكان ذلك مثيراً لغضبيتهم وعصبيتهم وانفعالهم، وقد يهمون به وقد يقتلونه. وأذكر أن الشيخ أبا الحسن الندوي رحمة الله عليه في كتاب له الطريق إلى المدينة- إن لم تكن خانتني الذاكرة؛ لأن هذه معلومات قديمة- ذكر أن هناك رجلاً عربياً كان مسرفاً على نفسه، وقد يكون في بلاد الهند أو غيرها، إنما كان سكيراً عربيداً خماراً، ومع شلة ممن هم على هذه الشاكلة، فهم استهانوا به، أو أنهم مجموعة من العرب، ومعهم رجل هندي، المهم أن بعض العرب في حالة سكر وعربدة نالوا من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فقام واحد من المجلس، وكان على شاكلتهم، لكن أخذته الغيرة، وقال: أنا رجل أعجمي، وأنتم عرب، وهذا الرسول كان عزكم، وكان ذكركم، وكان فخركم، ولو كان فيكم قطرة من دم، أو فيكم مروءة، أو فيكم نجدة، أو رجولة ما سمحتم لأحد أن ينال من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فضلاً عن أن تقوموا أنتم بذلك، ثم انحنى على هذا الإنسان المتجني يرفسه برجليه، ويضربه بيديه، ويقوم ببعض ما أفضت إليه الروح الإيمانية، روح المودة والمحبة للرسول صلى الله عليه وسلم. وتعرفون أن هناك معارك تثور بين الفينة والأخرى اليوم وقبل اليوم غضباً للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، أو غضباً لزوجاته، أو غضباً لأصحابه، من أناس كثيرين قد يكون فيهم من لا يلتزم بهدي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، لكنه يحبه، يؤمن به، يتحرك قلبه بمودته، يتمنى أن يكون لقيه، إنما لا يلتزم بتعاليمه. فهذه هي المشكلة الأولى، أن تجد من بين المنتسبين إلى الإسلام، ومن يتبعون الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في ظنهم هم واعتقادهم في بعض الأمور، أو على الأقل في جانب الإيمان بنبوته وبعثته، ومع ذلك لا يطبقون التعاليم والشرائع والشعائر التي جاء بها، فتجدهم مثلاً على مستوى السلوك والأخلاق مفرطين، لا يؤدون الفرائض الواجبة عليهم في الدين، لا يقومون بالأخلاق الاجتماعية التي شرعها الله، لا يلتزمون بترك المحرمات التي حرمها الله عليهم، تجد الواحد منهم مثلاً يشرب الخمر، قد يأكل الربا ويتساهل فيه، قد يقصر في حقوق القرابة، قد يرتكب كثيراً من المخالفات الشرعية، فهذه هي المشكلة الأولى وهي مشكلة التفريط. معالجة القرآن والسنة لمسألة الإيمان المجرد وحثهما على فعل العبادات الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: وهذه تجدها عولجت في القرآن الكريم وفي الحديث بأشياء كثيرة، مثل: الحث على فعل هذه الأشياء، والتحذير من تركها، وترتيب الوعيد على من يترك واجباً، أو يرتكب محرماً، وذكر الأسباب التي تدعو إلى هذا الأمر، مثل: التجمع بين المؤمنين، والتواصي بينهم، التناصح، الدعوة: (( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ))[العصر:3]، هذه أشياء كثيرة، المقصود من ورائها حث الناس على التزام الأوامر الدينية وترك النواهي. الأداء الشكلي للعبادات الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: المشكلة الثانية: وهي لا تقل خطورة عن الأولى، وهي أنك قد تجد حتى من بين من ينفذون- مثلاً- هذه الأوامر من تحولت عندهم عملية التنفيذ إلى عملية آلية شكلية لا مضمون لها، فأنت تجد- مثلاً- إنساناً لو سقط المصحف من يده- هذا تجده عند كثير من الناس- يتأثر لذلك أشد التأثر، فيرفع المصحف، ويبدأ يقبله، ثم يسجد عليه، ثم يعبر عن هذا الشعور القوي- مثلاً- بتقدير القرآن الكريم، ومحبته والإيمان به مثلاً، أو تجد الواحد منهم قد يجتهد في الصلاة، حتى تجد الكثير منهم يلتزمون مثلاً بالسنن في الصلوات، التبكير إليها، الوضوء، الاستعداد لها، والرواتب قبلها، والرواتب بعدها، وكذلك الحال بالنسبة للصيام. وكذلك بالنسبة للحج، حتى أنك تجد كثيراً من المسلمين في موضوع الحج ربما يقضي عمره كله والهدف الأكبر عنده هو أن يجمع مالاً ليتمكن به من حج بيت الله الحرام، حتى أنهم يقولون: إن أحدهم كان كل همه أن يرى الكعبة قبل أن يموت، وأن يحج بيت الله الحرام، وكان قد تعب في ذلك، وجمع أموالاً كثيرة جداً جداً، وكبر سنه، فالشوق يحدوه، والتطلع والهمة، ولما وصل إلى الكعبة ورآها سقط مغشياً عليه، ربما كان عنده من أمراض الضغط أو غيرها ثم مات. فأحياناً شدة الوجد، وشدة المحبة يعني شيء عجيب، حتى أنك ترى وأنا رأيت وسمعت شيئاً من ذلك، يعني بعض النساء على وجه الخصوص بسبب أن المرأة أرق عاطفة، بعض النساء إذا جاءت للمسجد النبوي، أو للمسجد الحرام ورأت الكعبة، يصدرن زغاريد وأصواتاً تحس أنها لا إرادية، ليست مقصودة، تخرج بدون تفكير، بسبب شدة الوله، وشدة التعلق، وشدة المحبة في هذه القلوب، وهذا كثير. الاتباع الظاهر للسنة دون تأثر الجوارح بها الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: وقد تجد أن كثيرين حتى من طلبة العلم مثلاً قد يحرص الواحد منهم على تصحيح عباداته بمقتضى الهدي النبوي، حتى إنه ينتبه لأدق الأمور في عبادته، كيف يصلي؟ كيف يرفع يديه مثلاً عند تكبيرة الإحرام؟ كيف تكون صفة الظهر أثناء الركوع أو السجود؟ كيف يجافي يديه مثلاً أثناء السجود؟ كيف يحرك أصبعه في التشهد؟ كيف يهوي إلى الأرض إذا أراد السجود؟ وكيف ينهض من الأرض إذا أراد القيام للركعة التالية؟ وكيف يجلس بين السجدتين؟ وكيف يجلس في التشهد الأول؟ وكيف يجلس في التشهد الأخير؟ وكيف يتشهد؟ وكيف يسلم؟ وما هي الأذكار التي تقال؟ وما هي الأذكار التي تقال بعد الصلاة؟ فتجد الإنسان معنياً بذلك، ثم تنتقل للصوم تجد مثل ذلك، تنتقل للحج فتجد هناك حرصاً وعناية كيف يحرم؟ وكيف يغتسل؟ كيف يطوف بالبيت؟ كيف يسعى بين الصفا و المروة؟ كيف يرمي الجمار؟ كيف يقف؟ إلى غير ذلك من السنن الواردة. وهذا من أسرار التشريع أن الشريعة جاءت فيما يتعلق بالعبادات بالتوقيف، فما أعطت للإنسان فرصة أن يعمل ما يحلو له في أمر العبادة، لا، حتى نحن الآن المسلم وهو يسجد أو يركع أو يقوم يتحرى السنة في الإجراءات العملية البسيطة جداً، هل يقدم يديه أو يقدم ركبتيه؟ وكيف يحرك أصبعه؟ يعني تفاصيل الأشياء، وإن كان فيها خلاف عريض بين العلماء، لكنها مبينة، وتجد الكثيرين يعتنون بذلك. فتنظر للمشكلة على صعيد الذين يعملون بالشرائع ويلتزمون الأوامر، ويتركون النواهي، سلموا من المشكلة الأولى، التي هي مشكلة الإهمال، وترك الأوامر أو فعل النواهي، تنظر لهؤلاء فتجد المشكلة عندهم برزت بصورة أخرى، وهي إلى أي مدى وإلى أي حد أثرت هذه الأعمال والعبادات والشعائر لا أريد أن أقول: في سلوكهم فقط، بل أقول: في ضمائرهم، وفي قلوبهم، هل أدوها بأجسادهم فقط؟ أم أدوها بأجسادهم وقلوبهم؟ ولذلك بعض السلف قيل له: أيسجد القلب؟ قال: نعم، يسجد السجدة لا يقوم منها إلى يوم الدين، أو كما قال رحمه الله. فالقلب له سجود، والعقل أيضاً له سجود، سجود الاعتراف بالله، سجود محبة الله سبحانه وتعالى، سجود الدينونة الصادقة لله سبحانه وتعالى. استغناء الله عن عبادة الخلق له سبحانه الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: وهذه الشرائع التي شرعت كلها الله سبحانه وتعالى غني عنها؛ ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى: ( يا عبادي إنكم لن تبلغوا نفعي فتنفعوني، ولن تبلغوا ضري فتضروني )، الحديث هذا تعرفونه أو لا؟ حديث أبي ذر في صحيح مسلم، حديث قدسي، وفيه- ( لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، أو على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً )، ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى: (( إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ))[الزمر:7]، فالله سبحانه وتعالى عنده في السماء، والسماء لا أحد يقدر قدرها إلا الله، كل ما فوقك فهو سماء، ثم عندك السموات العلى التي ذكرها الله سبحانه وتعالى، ففي السموات في كل موضع أربعة أصابع ملك إما ساجد، أو قائم، أو راكع، بعضهم يقول: سبحان ذي الملكوت والجبروت، وبعضهم يقول: سبحان ذي الملك والملكوت، وبعضهم يقول: سبحان الحي الذي لا يموت، وبعضهم يسبحون الله بكرة وعشياً في كل لحظة، هؤلاء ما يحصيهم إلا الله، لو قلنا: إن عدد هؤلاء الملائكة ترليونات- طبعاً ترليون هذا يعني أعلى رقم- لكان هذا مجازفة ورجماً بالغيب؛ لأن الأمر أهول وأطول وأعظم من ذلك، ولا يحصيهم إلا الله سبحانه وتعالى، هؤلاء كلهم متفرغون للعبادة. فالله سبحانه وتعالى لما يحمده الخلق، فهو سبحانه المستحق للحمد، واسمه مثلاً: الحميد، وكذلك مثلاً بقية صفاته سبحانه وأسمائه، فكون الناس حمدوه أو شكروه أو كفروه هذا لا ينفع أو يضر إلا أنفسهم، ولذلك في القرآن كثيراً الإشارة إلى معنى أنه: (( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ))[فصلت:46]، (( إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ))[الإسراء:7]، وهكذا من النصوص الكثيرة. الهدف من أداء العبادات الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: نرجع للسؤال إذاً: الهدف من هذه العبادات، العبادات هذه يبذل فيها وقت، لو حسبت الوقت الذي يبذله المسلم في العبادة، ويبذل فيها جهداً، مثل: جهد الصيام، جهد السفر، جهد الحج، المال الذي يبذله المزكي، الأذكار، إلى غير ذلك، تأخذ من الإنسان وقتاً ليس بالهين. اكتساب الأجر وتفاوت الناس في ذلك الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: فهنا يبرز السؤال ما هي ثمرة هذه العبادات؟ ولا أقصد العبادات فقط المناسك، بل أوسع من ذلك، الأخلاق الاجتماعية، ما هي ثمرتها؟ قد يقول قائل: ثمرة هذه الأشياء هي الأجر الذي يكسبه المسلم، هذا صحيح، لا تستطيع أن تقول: لا، وإن كان الأجر مرهوناً بشروط، من أهمها- كما سبق أني ذكرت- أولاً: إرادة وجه الله سبحانه وتعالى، النية، ثانياً: الصواب، أن تكون على السنة، فالإنسان يؤجر بذلك، إنما الأجر يتفاوت كما بين السماء والأرض، حتى في العمل الواحد، وفي بعض الآثار [ ما سبقكم أبو بكر بصوم ولا صلاة، ولكن بشيء وقر في قلبه ]، وقد يوجد اثنان يصليان جنباً إلى جنب، وبين صلاتهما من البون كما بين المشرق والمغرب، بل يوجد اثنان مصليان أحدهما تلف صلاته ويضرب بها وجهه، والآخر تطير الملائكة بصلاته وترفعها إلى السموات العلى، ويكتب في عليين. فالعبادة هذه يتفاوت أثرها، وثمرتها، وأجرها أيضاً، بحسب الضمير والقلب الذي تؤدى به هذه العبادة، وبحسب الإقبال على العبادة، وبحسب الأثر الذي تتركه هذه العبادة. الآلة التي يقاس بها أثر العبادة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: وأعتبر أنه إذا أردت أن تعرف ما يمكن أن نسميه الترمومتر، المؤشر أو المقياس الذي يمكن أن تدرك به أثر العبادة قوة أو ضعفاً هو.. ممكن تساعدوني عليه؟ مداخلة:... الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: هو القلب، القلب شوف منطقة القلب: (( يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ))[الشعراء:88-89]، سليم، شوف كلمة سليم هذه، سرح فيها طرفك، سليم من الشرك، سليم من الشهوات المردية، سليم من الغش، سليم من الحقد، سليم من الحسد، سليم من البغضاء، سليم.. يعني كلما تفكر بقلب سليم، ما قال: سليم من كذا فعلق السلامة على شيء معين، جعلها صفة مطلقة. تعين المسلم على الاعتدال في النظر إلى الدنيا وزخرفها الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: أحياناً تنظر بنوع من الأسى لنفسك ولإخوانك أنه كم هو مؤس ومؤسف ومحزن أنك تجد أنه في الوقت الذي.. يعني دعك من الذين تركوا هذه العبادات ولم يعملوها، أو الشعائر أو الأوامر، حتى الذين يعملونها تجد الواحد قد يعمل بعض هذه الأعمال، وبعض هذه القربات، وبعض هذه الطاعات، وهو مثقل بالأمراض، تجده مثلاً متكالباً على الدنيا، يموت بالدرهم والدينار، حتى كأنه مخلد فيها، فلو أدى العبادة حق أدائها لاعتدل على الأقل في نظرته للمال وللدنيا مثلاً؛ لأنه لما يعبد الله، العبادة تقول له: انظر هناك دار أخرى أنت تستعد لها الآن غير الدار التي تعيش فيها. تحث المسلم على تصفية قلبه من الحسد الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: تجد البعض قلوبهم مليئة مثلاً بالحسد للآخرين، حسد على دنيا أعطاها الله فلاناً، أو على منصب رزقه الله علاناً، أو على فضل فضل الله به بعض عباده: (( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ))[النساء:54]، فذكر الله سبحانه وتعالى هذا من صفات الضالين، من اليهود وغيرهم، وخصوصاً إذا كان الإنسان يتجارى به الحسد، كما يقال: لا يخلو جسد من حسد، لكن المؤمن يخفيه والفاجر يبديه. والمقصود مجاهدة القلب، ومجاهدة النفس على ذلك، وتصفية الضمير بقدر المستطاع، بحيث أنك لما تقف بين يدي الله.. يعني نظرة سريعة ارجع إلى قلبك الذي تقدمه أنت بين يدي علام الغيوب، والمطلع على أسرار ودخائل القلوب، ارجع إلى قلبك نظرة سريعة وأنت تصلي الآن، تصلي مؤمناً بالله، مؤمناً بلقائه؛ لأنه كونك تصلي وتقول الأذكار سراً، وتجتنب مثلاً مبطلات الصلاة، وتؤدي شرائطها، هذا دليل على أنك مؤمن بالله، وأنك ترجو لقاءه. إذاً: انظر في هذا القلب الذي تواجه الله به الآن، وهو محل نظر الرب كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم : ( إن الله لا ينظر إلى صوركم - أو أجسادكم- ولا إلى أعمالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم ). والمقصود- والله أعلم- على هذا: أن يقال إنه ليس المقصود النظر إلى الأعمال فقط، فيكون الحديث في صلب ما نتحدث عنه الآن، أنه ليست العبرة بالعمل فقط، بقدر ما العبرة بماذا؟ بما وراء العمل، بالقلب، ( ولكن ينظر إلى قلوبكم )، فأنت انظر قلبك مثلاً وأنت تقف بين يدي الله، هل في قلبك هوى؟ هل في قلبك حسد؟ هل في قلبك شهوة محرمة؟ هل في قلبك تعلق محرم؟ وأقطع لك قطعاً- إلا ما شاء الله من غير تأل- أنه ما يكاد يخلو قلب من شيء من ذلك، لكن مقل ومستكثر، وفرق بين من يجاهد نفسه ويلتفت إلى قلبه، وبين المهمل. بعض الأمراض التي تعتري القلب وكيفية علاجها الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: المؤسف- وأكررها مرة أخرى- أنك تجد أن كثيراً ممن يعملون هذه العبادات، ويؤدون هذه الشعائر أنك تجد أنهم لا يعالجون قضية القلب السليم، ولا يسعون في تصحيح الضمائر، فتجد انتشار الأمراض، ولهذا من أهم أسباب انتشار الأمراض الخلقية في أوساط الأخيار، مثل: الغيبة، النميمة، الحسد كما ذكرت، التباغض بين المؤمنين.مداخلة:... الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: الغل والحسد أبناء عم يا أبا عاصم أو لا؟ مداخلة:... الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: تقريباً، أي نعم، يعني حب الشهرة وحب الظهور، الأنانية وهذا كثير، يكون الإنسان يدور حول ذاته، عدم النظر إلى الآخرين، عدم أداء حقوق الناس، إلى غير ذلك من الاعتبارات، لماذا؟ لأن قلبه مغفول عنه، فلا تستغرب أبداً أن تعشعش فيه ألوان الأمراض والآفات، ولذلك لو التفت صاحبه أحياناً، أولاً: المصيبة في القلب المريض أنه هو مريض، فكيف سيعالج المريض نفسه! أولاً نقول له: انظر إلى قلبك، هو سينظر إلى قلبه ليس بعيني رأسه، ولكن بعيني قلبه، فإذا كان القلب نفسه مريضاً، كيف ينظر إلى نفسه؟ وكيف يكتشف مرضه؟ هنا يكون الإزمان إلا إذا أراد الله بعبده الرحمة فأنقذه من ذلك، بأن يستعين بالقليل الصافي الباقي من قلبه على إزالة الأدران الموجودة في غالبه، وغالب ما يكون ذلك من جراء نظر الإنسان إلى الآخرين وإهماله نفسه، هذا أصل المشكلة، أنك تجد أن كثيراً من الناس عيونهم مفتحة على أخطاء العباد كأنهم وكلوا بهم، فيتكلمون في أصناف الناس، ولا يتورعون عن أحد أياً كان حاله، وأياً كانت منزلته، ولا يرون في هذا بأساً، وقد يخرجون الغيبة مخرج النقد، وقد يخرجونها مخرج الغيرة، وقد يخرجونها مخرج الملاحظات، وإلى غير ذلك مما يتلاعب به الشيطان في بني آدم، وقد يخرجون الحسد أو الأنانية أيضاً بأشكال أخرى، بحيث لا يعطون أنفسهم فرصة للتوبة والرجوع عما هم فيه مثلاً. أهم نتائج التطبيق الجزئي للإسلام انتشار الخلافات بين الإخوان والخلان الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: ولذلك تجد مثلاً من آثار ذلك السيئة الخلافات التي تعصف بين الناس، بين الإخوة الأشقاء، قد تجد إخوة أشقاء لهم سنوات لا يكلم بعضهم بعضاً، بسبب ماذا؟ بسبب خلاف على دنيا، وإلا على أرض، وإلا على مزرعة، أو شيء من هذا القبيل مثلاً، الأم موجودة والأب موجود، الخلاف بين الشركاء، الخلاف بين الزملاء في العمل، أساتذة في مدرسة، أو في جامعة، أو رفاق طريق واحد، أو زملاء في دعوة، الغالب أن بينهم خلافات، الذين يشتغلون في الدعوة أو في الإعلام، أو في الإغاثة، أو في التأليف، تجد الغالب أنه لا يخلو الأمر بينهم من خلافات، وتغاير وحزازات، فلما أسألك ما رأيك في هذا الكتاب مثلاً، وأنت مؤلف، تقول: والله خداع العناوين، وهذه المظاهر لا تغني شيئاً، والمسألة ليست صفصفة حروف وإنما تأليف، قد يكون هذا الكلام صحيحاً، لكن قد يكون جزء منه الحامل عليه الغيرة مثلاً. ومن أصعب وأشق الأمور- وحقيقة أحدثكم عن تجربة شخصية- من أشق الأمور لو طلب منك شخص أنك تتوسط في قضية من هذا القبيل، توسط بين فلان وفلان من أجل إزالة مثلاً الشحناء أو الجفوة القائمة بينهم، تجد أنك تدور- كما يقال- في حلقة مفرغة، فإذا ذهبت إلى هذا سرد عليك قائمة طويلة من أخطاء ذاك، وأنه قال كذا، وفعل كذا، وخرج هو سليماً نقياً معافى، وطلع الآخر مليئاً بالأخطاء والعيوب والذنوب، هذا معناه أنه لا مجال للصلح؛ لأنه أصل الصلح إما أن تعتقد أنك تتحمل جزءاً من الخطأ ويحمل الآخر جزءاً، أو على أقل تقدير أنك قد ترى أنك مصيب على طول الطريق لكنك تتنازل وتقبل أن تتظاهر بأنه ممكن يكون صدر شيء من الخطأ، ولكن الغالب من فلان، وبالتالي أنا أسامح هذا الإنسان. فإذا أتيت للآخر وجدت مثل ذلك، بل أشد منه، فترى أنك حقيقة أصبحت تتحرك بلا جدوى ولا طائل، تأتي إلى هذا فيثبت لك بالأدلة والأيمان، ويسرد لك قصصاً لست بحاجة إليها تطول وتعرض أن فلاناً مخطئ 100%، فإذا ذهبت إلى الآخر سرد عليك الشريط نفسه وخرج مصيباً 100%، يعني كيف تخرج من هذا؟ التفرق والاختلاف بين الجماعات الإسلامية والتباكي على ذلك الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: إذا أتيت إلى موضوع المجموعات الإسلامية التي تعمل في الساحة مثلاً، فتجد الخلاف الذي لا يخفى عليكم بين المؤمنين، وكلما أتيت إلى فرد من الصالحين وجدته يتقطع أساً وحسرة على هذا الخلاف، وعلى هذا التفرق، وعلى هذا الشتات، ومتى نتجمع؟ والأمة على خطر، وأعداء الإسلام يكيدون للمسلمين، واليهود والنصارى، وكيت وكيت، والمنكرات، وحاجة الأمة، فيظهر لك هذا الإنسان عنده من الرقة والشفافية واللطف والاستعداد للتنازل، والرغبة في جمع الكلمة شيء تغبطه عليه، تذهب للآخر فتجد مثل ذلك وأشد منه، فترجع وتقول كما قال مالك بن دينار: [ كلكم يبكي فمن سرق المصحف ]، تعرفون القصة هذه، لما كان مالك يعظ، وكان الناس يبكون من وعظه، وعنده مصحف، فلما انتهى وجد المصحف مسروقاً، فكان يقول: [ كلكم يبكي فمن سرق المصحف ] فهكذا يقع في كثير من الأحيان. تجد من يتباكى على هذه الفرقة في الوقت الذي هو جزء من هذه الفرقة، وكأن كل واحد يريد أن يتجمع الناس ولكن على ضوء المعايير التي عنده، وعلى ضوء القناعات التي عنده، وعلى ضوء الآراء التي يتمسك بها، هذا لا يمكن أن يكون، الناس ما اجتمعوا يا أخي في الرأي على أبي بكر وعمر- وأقول في الرأي- ألم يوجد من خالف أبا بكر رضي الله عنه في آرائه الفقهية؟ ألا يوجد هذا؟ ألا يوجد من خالف عمر رضي الله عنه في آرائه الفقهية؟ بل ألم يخالف عمر أبا بكر في بعض المسائل؟ لما حصلت قضية المرتدين كان أبو بكر يقول: [ والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ]، أو لا؟ ماذا كان عمر يقول ومعه أكثر الصحابة أول الأمر؟ كانوا يلتمسون من أبي بكر أن يقاتل الذين رفضوا الإسلام وأنكروا نبوة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأن يؤجل الذي منعوا أداء الزكاة، فرفض أبو بكر، وقال قولته المشهورة: [ والله لو منعوني عناقًا أو عقالاً كانوا يؤدونها لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليها ]، كما في الصحيح، وفي رواية أنه قال: [ والله لو جرت الكلاب بأرجل أمهات المؤمنين لقاتلتهم، والله لو لم أجد إلا الذر لقاتلتهم به ]، إلى آخر الكلمات التي تنبي عن الموقف الصارم من أبي بكر رضي الله عنه، فلما رأى الناس صدق أبي بكر وإصراره رجعوا إلى قوله وركنوا إليه. أعظم آثر العبادات تزكية النفس الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: مقصودي من هذا: أنك لا تنتظر.. وأنك تتباكى على خلاف الأمة وتفرق الأمة أن الأمة ستجتمع على ما ترى أنت، وعلى قناعاتك أنت، وعلى مذهبك وطريقتك أنت، لا يمكن أن يكون هذا، هذا محال، لكن، ولا أريد أدخل في موضوع الخلاف، لأنه ليس موضوعي الآن، ولعله يكون له جلسات أخرى. إنما مقصودي أننا بحاجة إلى تزكية النفوس، بحاجة إلى إصلاح القلوب، بحاجة إلى تعميق المعاني الإيمانية التي هي أعظم آثار العبادة في سلوك الإنسان، لنقطف ونجني من وراء ذلك أن هذا الإنسان المصلي المتعبد المتقرب لله سبحانه وتعالى يكون عنده من التهذيب، وحسن الخلق، وجمال السلوك في التعامل مع نفسه، في التعامل مع أهل بيته، زوجته، في التعامل مع أطفاله، في التعامل مع والديه، في التعامل مع قرابته، مع إخوانه، مع زملائه في العمل، ومع نظرائه في المهنة، ومع سائر الناس بطريقة تتناسب مع العبادة التي يؤديها. إطلاق اللسان في أعراض الناس الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: أما أن تجد هذا الإنسان بمجرد ما يفرغ من أداء هذه العبادات يخيل إليه أنه حر طليق، فيطلق لسانه في الناس كما يشاء، وقد يطلق عقله وقلبه فيسيء الظن بالآخرين، وقد يغتابهم، وقد يظلمهم بقوله، وقد يظلمهم بفعله، ويصبح في مقام المفلس الذي أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. فهذا أصبحت صلاته وزكاته وصومه وحجه في الدنيا لم تؤد الثمرة المرجوة والمنتظرة منها في ظهور أثر التهذيب والسلوك عليه، وفي الآخرة أيضاً ربما لا يجد لها أثراً؛ لأنها ذهبت لفلان وعلان، يعني تقرأ القرآن الكريم فما معنى أن تقرأ القرآن الكريم ثم تخالف أوامر القرآن الكريم في كل شيء؟ هل هناك سلوكاً حميداً ما دعا الله إليه في القرآن؟ وهل هناك سلوكاً مذموماً ما حذر الله ونهى عنه في القرآن؟ وكذلك الحال في السنة! مخالفة الكتاب والسنة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: طيب أنت تقرأ القرآن وتقرأ السنة، فأي شيء عزب بعقلك بحيث أنك تقرأ ثم تخالف وتصبح (( كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ))[الحديد:16]، أو كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام في حديث محمود بن لبيد، والحديث رواه أهل السنن: ( هذا أوان ينتزع العلم من الناس فلا يقدرون منه على شيء، قال: كيف ينتزع وقد قرأنا القرآن؟ والله لنقرأنه ولنقرئنه نساءنا وأبناءنا، فقال عليه الصلاة والسلام: ثكلتك أمك! هذا التوراة و الإنجيل في يد اليهود و النصارى فماذا أغنت عنهم؟ )، ما أغنت عنهم شيئاً؛ لأنها أصبحت كتباً يتلونها، ولذلك ماذا قال الله سبحانه وتعالى عن اليهود؟ يعطينا واحد آية تكون في صميم المقام؟ مداخلة:... الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: نعم، (( مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ))[الجمعة:5]، وخلونا ما ننسى الآية الثانية: (( وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ))[البقرة:78]، ما معنى أماني؟ ها؟ مداخلة: تلاوة. الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: تلاوة، أحسنت، الأمنية هي التلاوة، الأماني يعني قراءة، وهذا معروف في لغة العرب، يقول الذي يرثي عثمان رضي الله عنه: تمنى كتاب الله أول ليله تمني داود الزبور على رسل تمنى كتاب الله أول ليله وآخره لاقى حمام المقادر فالتمني هي القراءة، والأمنية هي القراءة أو التلاوة، ولذلك قال في سورة الحج: (( إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ))[الحج:52]، معنى تمنى يعني قرأ، ألقى الشيطان في قراءته، فهنا الله سبحانه وتعالى ذكر أنهم لا يعرفون من الكتاب إلا قراءة، ولذلك قد تجد إنساناً متقناً للقرآن، مجوداً، فتجد مخارج الحروف، التجويد، القراءات السبع أو العشر، والضبط، تمام، وهذه نعمة ومحمدة، هذا إشادة به، هذا فضل من الله سبحانه وتعالى، يعني: استدرج النبوة بين جنبيه إلا أنه لا يوحى إليه، والله عز وجل ذكر القرآن أنه هو العلم: (( بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ))[العنكبوت:49]، هذا لا يعاب به، بل يمدح به، إنما الذي يعاب إذا لم يكن لهذا الحفظ ولهذا التجويد، ولهذا القرآن، ولهذه التلاوة، إذا لم يكن لها رصيد في قلبك، ورصيد في سلوكك، ورصيد في عملك، فهنا الله عز وجل عاب على أهل الكتاب أنهم لا يعلمون الكتاب إلا أماني، يقرءون الكتاب لكن ما أثر. وقفة لمحاسبة النفس حال المسلم عند سماع القرآن الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: بالله عليكم يا إخوة لنسأل أنفسنا، الواحد منا لما يقرأ آية من كتاب الله أو سورة، أو يسمعها، حتى لو كان في الصلاة، أو يسمعها بأي مناسبة. الرسول عليه السلام لما مر من عند بيت، وسمع امرأة تقرأ: (( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ ))[الغاشية:1]، وقف، وقال: ( نعم، قد أتاني حديث الغاشية )، ولما مر من عند أبي موسى كما تعرفون: ( لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود ). وهكذا، ليس شرطاً أن الواحد يكون متأهباً أو متهيأ لقراءة أو سماع، حتى لو فرض أنك تسمع من غير ترتيب مسبق، اسأل نفسك ولو بعض الوقت، ولو مرة بعد أخرى، هل يوجد أثر يذكر لهذه الأشياء في قلبك؟ إنزال نفسك منزلتها التي تستحق الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: حقيقة يا إخوة أنا لا أقصد من وراء هذا الكلام أن أقول: أنه يجب على الإنسان أن يكون نموذجياً من كل وجه؛ لأنه كلنا ذلك الخطاء، والواقعية طيبة في الأمور، ونحن في زمن أصبح كثير من الأشياء لا تستغرب حصولها، الإمام أحمد في عصره يقول: [ هذا زمان قل أن تجد فيه شيئاً مستقيماً ]، هذا في العصور الفاضلة، فما بالك بهذا الزمن، حتى في أوساط الخيرين فضلاً عن سواهم. ليس المقصود دائماً أننا نفترض الصورة المثالية بحيث الإنسان يقعد يقول: هذا بون شاسع، إنك لما تسمع أحياناً الآيات والأحاديث وأخبار السلف تقول: الله المستعان أين نحن من هؤلاء؟ هذا مستوى لا ندرج إليه ولا نطمع فيه، لا، لا، نحن نتنازل عن هذا الأمر على الأقل، ونحن نناقش هذه الجزئية لنقول: أقل شيء أن يكون عند الإنسان القدر المعقول من مراقبة القلب، ومراجعة النفس، والحط من قدر النفس، وإلجام النفس بزمام من المراقبة؛ لأن الإنسان إذا أطلق العنان واسترسل تصبح الأمور كما كان عبد الله بن المبارك يقول: يا معشر القراء يا ملح البلد ما يصلح الملح إذا الملح فسد هذا أحد الإخوة كان عندي، قال قولاً وأبلغ الحقيقة في ذلك القول، يقول: نحن أحياناً تجد في عنصر الأخيار مثلاً في المجتمع، تجد شيئاً يحزن القلب، كيف؟ يعني أولاً: محبة الناس العظيمة للخيرين، فتجدهم إن كان عند أحد منهم مشكلة راجع أهل الخير، وإن كان عنده أزمة راجع أهل الخير، وإن أراد شيئاً راجعهم، وإن أراد رقية رجع إليهم، وإن أراد زواجاً أو عقداً رجع إليهم، وإن أراد طلاقاً رجع إليهم، وإن هم بشيء وإن أشكل عليه شيء، وإن أراد فتوى، فتجد في المقابل هذه الثقة العظيمة من الناس الثقة بأهل الخير، ثم تنظر إلى نفسي وإلى نفسك من أهل الخير فتقول: الله المستعان هل نحن فعلاً أهل لهذه الثقة؟ هل نحن من صلاح القلوب بالدرجة الأولى وصلاح النفوس، والسلامة من الأهواء والأمراض القاتلة الفتاكة التي تفتك بالإنسان وهو لا يدري ولا يشعر، وقد يشعر أنه يحسن صنعاً - والعياذ بالله -، وهذه ورطة أخرى، أن يكون الإنسان ممن زين له سوء عمله فرآه حسناً، أو يكون من الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعاً. يقضى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن أو يكون ممن صح عليهم وصدق عليهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوى متبعاً، وإعجاب كل ذي رأي برأيه )، بحيث أن الإنسان يعني عنده نوع من الاعتداد بالنفس، والثقة المفرطة بالنفس، وازدراء الآخرين، وبطر الحق، وغمط الناس، ورؤية الذات، وهذه الآفات والأمراض التي إذا لم يتداركها الإنسان- نسأل الله السلامة والعافية- فهي حقيقة محبطة لعمله في الدنيا والآخرة، وأعظم ما يكون ذلك عند الناس الذين يملكون الأسباب، صاحب صلاة، صاحب زكاة، صاحب الصوم، صاحب الحج، صاحب الأذكار، صاحب القرآن، يعني هؤلاء لهم وضع خاص، ولذلك - سبحان الله - حتى في القرآن الكريم وفي السنة تجد معاتبة ومحاسبة الذين لديهم وضع خاص ليست كغيرها، كالآية التي قرأناها، الآية خوطب بها حملة القرآن (( وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ))[الحديد:16]. ولذلك روي عنه عليه السلام أنه قال: ( إن الله وتر يحب الوتر )، وإن كان الحديث فيه مقال يسير، ( فأوتروا يا أهل القرآن )، وقد أخذ بعض أهل العلم من هذا الحديث أن الوتر واجب على حملة القرآن وحفاظه، وكأن ابن تيمية مال إلى هذا القول في بعض كتبه، والراجح في المسألة- والله أعلم- أن الوتر سنة مؤكدة على كل أحد، وتعرفون مذهب أبي حنيفة في وجوبه. المقصود أن في القرآن والسنة وعند أهل العلم النظر إلى حملة القرآن، حملة السنة، حملة الدعوة، طلبة العلم، القراء- يسمونهم القراء أحياناً- ينظر إليهم نظرة خاصة متميزة، ويطلب منهم ما لا يطلب من غيرهم، ويسامح غيرهم بأشياء لا يسامحون هم فيها. القلب محل نظر الرب الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: فالله الله أيها الإخوة أن ينظر الإنسان إلى قلبه الذي هو محل نظر الرب: ( إن الله لا ينظر إلى صوركم، ولا إلى أعمالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم )، فيصحح هذا القلب، يتدارك هذا القلب، يصحح نيته قدر المستطاع، يخلي قلبه من الإرادات الباطلة، الشهوات المردية، المعاني السيئة، الكراهية للمؤمنين مثلاً، الغل البغضاء، الحقد، الحسد، الغيرة في غير حق، حب أن يخطئ الآخرون، ازدراء الآخرين، بطر الحق، غمط الناس، يحاول أن يجرد ويصفي قلبه من هذا. حقيقة العبادة والتعبد لله الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: وفي اعتقادي أيها الإخوة إن العبد إذا رُزق صفاء القلب في مثل هذه الأمور فهو على خير عظيم، وإن قلت عبادته، لماذا؟ لأن أصل العبادة ما هي؟ هل تظن العبادة فقط الصلاة؟ نرجع أنه سجود القلب، الصلاة عبادة، والزكاة، والصوم، والحج، والذكر، والقرآن، كل هذه عبادات، لكن من أعظم العبادات عبادات القلب؛ ولذلك قال الله سبحانه وتعالى: (( إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا ))[المزمل:6]، وما معنى: (( أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا ))؟ مداخلة:... الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: نعم، مواطأة القلب للسان، فعبادة القلب وإقبال القلب على الله سبحانه..، ولذلك العبد قد يكون عابداً أحياناً ولو لم يكن ذاكراً، قد لا يحرك شيئاً من أعضائه ألبتة ومع ذلك يكون عابداً، كيف ذلك؟ مداخلة: (( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ ))[آل عمران:191]. الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: نعم، آخر سورة آل عمران : (( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ ))، وماذا بعد؟ (( وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ))[آل عمران:191]، فالتفكر من أعظم العبادات، ومن أشدها أثراً، وورد فيه أحاديث مثل: ( تفكر ساعة خير من قيام سنة )، لكن هذا لا يصح، إنما يكفينا الآية، والآية نفسها ورد فيها حديث، وأيضاً فيه ضعف ( ويل لمن قرأها ولم يتفكر، ويل لمن قرأها ولم يتفكر، ويل لمن قرأها ولم يتفكر )، تكفينا الآية، في الصحيحين أن الرسول عليه الصلاة والسلام لما قام إلى الصلاة في حديث ابن عباس ليلة مبيته عند خالته ميمونة، في هذا الحديث ذكر أن: ( الرسول عليه السلام قام إلى شن معلقة فتوضأ، ثم قرأ العشر الآيات الأخيرة من سورة آل عمران )، ففيها إشارة واضحة إلى موضوع التفكر، وغير التفكر.. والتفكر طبعاً أياً كان، في خلق السموات والأرض، في آلاء الله ونعمه، في أخطاء العبد، في إحسان الله، في أشياء كثيرة جداً، بابه واسع، لكن أيضاً غير التفكر مسألة مواطأة القلب للسان وللجوارح، في الطاعات والعبادات هذا من أعظم آثار مضاعفة الأجور في الآخرة، وظهور الآثار الطيبة للعبادة على الإنسان في الدنيا. مداخلة:... الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: حديث ماذا؟ نعم. مداخلة:... الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: نعم، جيد، حديث: ( يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام، وفيه: إذا توضأ انحلت عقده، فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان )، فهذا فيه إشارة إلى موضوع طيب النفس ونشاطه للعبادة، أو ضد ذلك، وهذا يتعلق بالقلب ما في شك. مداخلة: ( إن العبد لينصرف من صلاته ما كتب له إلا نصفها.. ). الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: نعم، ( إن العبد لينصرف من صلاته )- عند النسائي وغيره، وسنده جيد- ( ما كتب له إلا نصفها، ثلثها، ربعها، خمسها، سدسها، حتى قال: عشرها ). مداخلة:... الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: ما أدري حتى... إلى شيء ما عندي منها خبر. سم، من الذي علق منكم؟ أيه نعم، وهذا ورد أيضاً. حياكم الله جميعاً، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أصحاب القلوب السليمة، ويا إخوان إني لكم من الناصحين، على العبد أن يشغله عيبه عن عيب غيره، ويحرص قدر المستطاع على مراقبة القلب، ويهتم بذلك غاية الاهتمام، فهذا باب خير كبير مع أنه لا يتطلب من الإنسان شيئاً، لا مالاً يخرجه، ولا جهداً بدنياً يبذله، ولا سفراً يركبه، ولا شيئاً من هذا القبيل، لكنه يعني فيه أدب..