ÇáÑÆíÓÉ ›برامج›الشريعة والحياة›فقه الاستطاعة›المقصود بفقه الاستطاعة المقصود بفقه الاستطاعة الأحد 6 جمادى الأولى 1429هـ طباعة د. سلمان العودة 1417 متابعة النص إلغاء متابعة النص الأنتقال الى النص المقدم: السلام عليكم مشاهدينا الكرام ورحمة الله وبركاته، مرحباً بكم إلى هذه الحلقة الجديدة من برنامج (الشريعة والحياة).يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: ((لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا))[البقرة:286]، ويقول أيضاً: ((فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ))[التغابن:16].فقه الاستطاعة: هو فقه المجتمع ومعرفة إمكانات الناس وقدراتهم، وهو فقه يوازي فقه النص، فالنص لا بد له من محل ينزل عليه ويشتغل فيه، ومن دون فقه المحل ومعرفة استطاعات الأفراد ستستمر المجازفات، والعبث بالأحكام الشرعية، والمساهمة السلبية بالإساءة إليها عن حسن نية أحياناً.ففقه أبعاد التكليف وتنزيل النص على الواقع هو المكمل لفقه النص نفسه، قد يولع الكثيرون بإسلام مثالي ربما يتقالون معه -من القلة- تعبدات النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، وقد حصل هذا بالفعل، لكن الإسلام الحقيقي هو الذي يلامس واقع الناس، وإمكاناتهم وحدود قدراتهم، وما يحفظ لهم بشريتهم، فلا يرتقون إلى مستوى الملائكة، ولا يهبطون إلى مستوى الشياطين، وفي نطاق الاستطاعة التي هي مناط التكليف نشأ الفقه الإسلامي الذي يمكن وصفه بمجموعه بأنه فقه الاستطاعة، فالشريعة الإسلامية في مقاصدها النهائية إنما جاءت لتهذيب الإنسان وليس لتعذيبه.(فقه الاستطاعة) موضوع حلقة اليوم من برنامج (الشريعة والحياة) مع فضيلة الدكتور سلمان العودة ، المشرف على مؤسسة الإسلام اليوم، مرحباً بكم فضيلة الدكتور.الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: مرحباً، أهلاً وسهلاً.المقدم: حياكم الله، كما ذكرنا الآيات ((لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا))[البقرة:286]، وغيرها أيضاً آيات كثيرة في كتاب الله عز وجل تربط التكليف بالاستطاعة، هل هذا هو المقصود بفقه الاستطاعة؟ الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. ((رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ))[البقرة:286]، وفي كل ذلك كان ربنا سبحانه وتعالى يقول: (قد فعلت، قد فعلت) كما في الحديث المتفق عليه.بعد هذه المقدمة ذات العلاقة بالموضوع؛ لأن هذا الدعاء هو خير ما يعبر عن المقصود؛ لأنني أريد أن أقول: إن حديثنا الآن عن فقه الاستطاعة بادئ ذي بدء، لا يعني بالضرورة أنني أستطيع أن أجيب على أي سؤال حول هذا الموضوع، ولكني أريد أن ننشر أو ندشن ما يسمى بفقه النهوض، الأمة ليست في مرحلة تمكين بحيث تدرس فقه التمكين، وقد درس، ولكنها في مرحلة ضعف، ومع هذا الضعف هناك محاولات للنهوض جزئية أو كلية في جانب من جوانب الحياة، أو في موقع من مواقع الأرض. فهي بأمس الحاجة، ويوجد من أفرادها من لديهم الهمة والإرادة والطموح والرغبة، ووجود أهداف، أن يكون لدى هؤلاء الطامحين للنهوض، سواء كانوا أفراداً أو جماعات أو حكومات أو دولاً.. أن يكون عندهم فقه الاستطاعة الذي يقصد به معرفة حدود الممكن وغير الممكن، المقدور وغير المقدور، وأن يفقهوا مثل النص الشرعي مثلاً أنت في مقدمة حديثك ذكرت بعض الآيات القرآنية الكريمة، مثلاً قول الله سبحانه وتعالى: (( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ))[البقرة:286]، إذاً هو فقه الاستطاعة هو فقه الوسع.. الوسع مع القدرة، هو فقه الملك (( مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا ))[طه:87]، والله سبحانه وتعالى لا يكلف الإنسان ما لا يملكه، لا يكلف الإنسان إلا ما كان داخل في دائرة ملكه يعني قدرته وطوقه أيضاً.. الطاقة هنا فقه الإطاقة، فعلى الصعيد الفردي الكل يعرف ذلك، حتى إن الفقهاء والأصوليين مجموعون على أنه لا تكليف مع العجز. المقدم: هنا فضيلة الدكتور يعني أسأل: لماذا بحث العلماء قديماً مسألة التكليف بما لا يطاق إذاً؟الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: قد يكون هذا بحث نظري، في أصول الفقه هو بحث نظري بحت، وربما لا يمكن إيجاد أمثلة عملية له إلا أمثلة نظرية ليس لها علاقة أو مساس بواقع الناس، ولكن الواجبات الشرعية لا تتوجه إلا على القادر، ولهذا مثلاً النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما يتعلق بالصلاة: ( صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب )، وفيما يتعلق بالزكاة من المتفق عليه أنها لا تجب إلا على واجد المال، وفيما يتعلق بالحج ربنا يقول سبحانه: (( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ))[آل عمران:97]، وفيما يتعلق بالصوم كذلك ربنا سبحانه وتعالى يقول: (( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ))[البقرة:183].. (( فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ))[البقرة:184]، (( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا .. ))[البقرة:185].إذاً هنا الأمر مرهون بشرط في جميع الواجبات الشرعية، بل أقول حتى الشهادتان اللتان هما المدخل للإسلام وبوابة الجنة لا تجب على الإنسان إلا مع القدرة؛ فالإنسان الذي لا يستطيع النطق الأبكم الأصم.. الذي لا يستطيع النطق بها يكفيه أن يعتقدها في قلبه ويسقط عنه حكم النطق بها الذي يكلف به القادرون. المقدم: إذا كان الإسلام لا يكلف الإنسان بما لا يطيق، ألا تجدون اليوم فضيلة الدكتور أن هناك بعض الدعاة، بعض المشائخ، بعض العلماء يكلفون الناس بما لا يطيقون، يضيقون على الناس بدل أن ييسروا عليهم؟الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: هذا جانب، هذا طبعاً جزء من الموضوع، أيضاً في مقدمة حديثك أو تقدمتك لهذه الحلقة تكلمت عن ما تعتبره يعني الجانب المثالي والجانب الواقعي، هذا جزء من الموضوع.الجانب المثالي أن نقدم للناس الدين كما أنزله الله سبحانه وتعالى وكما هو في المحكم الكتاب والسنة، وكأننا بذلك نغفل عن الجانب الآخر الذي هو الواقعية التطبيقية وما يعتريها من نقص؛ فإن الله سبحانه وتعالى أنزل هذا الدين للبشر والبشر جبلوا على الضعف، بل ليس صدفة أن يكون هبوط آدم أبي البشر عليه الصلاة والسلام من الجنة هو نتيجة خطأ الأكل من الشجرة كما هو معروف.إذاً: الحياة البشرية فيها جانب الأزمة وهو جانب عميق وساكن ومستقر فيها، وفيها جانب الخطأ وهو جزء من الكينونة البشرية حتى يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لو لم تذنبوا لذهب الله بكم -والحديث في البخاري- وجاء بقوم يذنبون فيستغرون فيغفر الله تبارك وتعالى لهم ).الله سبحانه وتعالى من أسمائه الغفور توضأ القلب من ظني بأنك غفار وصلى وكانت قبلتي الأملدع الهوى لذويه يهلك شغفاً أو فاقتل النفس فيه مثل من قتلواوهذا معناه أننا حينما ندعو الناس إلى النموذج الإيماني ينبغي أن تكون دعوتنا مخلوطة بقدر من الواقعية التي تقرب للناس إمكانية التطبيق، يعني ليس مطلوب.. المقدم: ولا توقعهم في اليأس أيضاً ربما.الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: نعم، أولاً ألا نجعلهم أمام صورة لا يستطيعون الوصول إليها، يعني أنا أقول لك إني قرأت سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فوجدت أن كل من يقرأ هذه السيرة فيما يظهر لي يحس بقرب وإمكانية التطبيق ( النبي صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم )، وكان عليه الصلاة والسلام يداعب أهله ويلاعب الأطفال ويضاحكهم، ويخرج إلى السوق ويتعاطى مع الناس بعفوية كاملة، لكن لما تقرأ سير بعض الأئمة والعلماء والمصلحين تحس كأنك أمام جبل تريد أن ترقاه وقد تستطيع أو لا تستطيع، لماذا؟ لأنه هنا طبيعتهم البشرية التي قد تميل على الجدية الصارمة أو الانشغال المفرط تجعل بينهم وبين الناس حاجزاً.ولعل من المهم اليوم ونحن نتكلم في الإعلام -وسائل الإعلام-، إمكانية تقريب صورة الدعاة أنفسهم؛ بحيث تكون عند الشباب والبنات، والرجال والنساء، والمسلم وغير المسلم.. صورة قريبة، صورة فيها جانب الإنسانية، فيها جانب الواقعية، حتى فيها جانب الخطأ والصواب، يعني لماذا نفترض مثلاً دائماً أننا أمام صورة مثالية ينبغي ألا يخدشها أي شيء حتى ليس فقط جانب الخطأ أو الصواب الشرعي، وإنما هناك بعض الرسوم التي فرضناها نحن وكأننا نريد أن نجعل العلماء والدعاة والفقهاء في أبراج عاجية يشعر الناس أنهم لا يستطيعون الوصول إليها. المقدم: طبعاً هذا ربما فيه مبالغة بعض الشيء كما ذكرتم بين حياة النبي عليه الصلاة والسلام وتطبيقاته العملية لهذا الدين وبين بعض العلماء كما تفضلتم.ولكن هناك حديث الآن عن..الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: يعني من الطريف أحد الناس في مجلس قبل فترة وصار يحدث الحضور -أنا كنت موجوداً-، وقال: إن الشيخ فلان قد خرج إلى البر معنا نحن وطلابه، وكان معه زوجته وقال لنا: تقدموا قليلاً، وبعدما نظرنا إليه من بعيد وجدناه يركض هو وزوجته أنهم في سباق، فقال له الحاضرون يعني.. المقدم: ماذا تفعل؟الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: يبدو أنك تخلق ما تقول، إن هذا الكلام ليس له أصل، فقال: نعم والله إنه ليس له أصل ولكن هذه القصة وقعت مع سيد الخلق محمد عليه الصلاة والسلام. المقدم: هناك فقه الاستطاعة، هناك فقه التيسير .. وطبعاً هناك خلط بين هذين المفهومين أو هذين المصطلحين، ما هو الفرق.. حقيقة الفرق بين هذين المفهومين فضيلة الدكتور؟الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: الحق أنني لما أقول فقه الاستطاعة وأؤكد أن المطلوب هنا في موضوع فقه الاستطاعة ليس أن نعالجه من كل جوانبه، هو فقه عظيم وعظيم الأهمية في هذا العصر خاصة وفيما يليله والله تعالى أعلم من العصور؛ لأننا بحاجة إلى فقه زمان.. فقه العصر الذي نعيش فيه، ولذلك أقول: يجب أن يكون فقه الاستطاعة محل بحث طلبة الدكتوراه في الجامعات الإسلامية، أن تقام المؤتمرات لهذا الفقه، أن تعقد له الندوات؛ بحيث يعالج من كل جوانبه ويعالجه المختصون والقادرون.فالذي أعنيه على وجه التقريب بفقه الاستطاعة هو أن ما يتعلق في الغالب بالقضايا العامة التي تمس الناس جميعاً، أو ما يسميه بعض الفقهاء بالأحكام السلطانية كما كتب الأئمة سابقاً كـأبي يعلى والماوردي وابن القيم وغيرهم، هذا الألوان من الفقه المتعلقة مثلاً بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تجد فيها قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه )، إذاً هي مراتب مرهونة بالاستطاعة. كذلك..المقدم: سأتطرق إلى مراتب، يعني هذا الأمر إن شاء الله في مرحلة لاحقة.الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: كذلك مثلاً موضوع السياسة الشرعية بشكل عام، موضوع الجهاد، موضوع القدرات الممكنة المتاحة للناس هي مرهونة بالاستطاعة، كما أن الفرد حين يكلف بشريعة فإن ذلك مرهون بقدرته.. المجتمع، الأمة، الدولة حينما يكون هناك تكليف هي أيضاً مرهون بالاستطاعة، والذي لا يفقه الممكن، وأنا أعني هنا بالممكن المقدور عليه، أن يكون الناس قادرون على ذلك.. أن يكون الناس قادرين على ذلك، هذا أمر. المقدم: هذا فقه الاستطاعة فضيلة الدكتور.الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: لا. ليس هذا فقه الاستطاعة، هذا جزء من فقه الاستطاعة، لكن قد أكون قادراً على أن أفعل هذا الشيء ولكن يترتب على فعلي لهذا الشيء مفاسد أعظم من المصالح التي تحققت، فأنا هنا أزعم أن هذا ينبغي أن يدخل في فقه الاستطاعة وإن كان داخلاً في فقه المصلحة. المقدم: يعني من باب الضرر لا يدفع بالضرر مثله فمن باب أولى أن يكون الضرر أكبر.الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: نعم من باب أن التكليف الشرعي، مثلاً لما يقول النبي صلى الله عليه وسلم هنا: ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع .. )، ما المقصود بـ(إن لم يستطع)؟ واحد يقول: أنا قادر على أن أستخدم يدي هنا، نقول له: ليس المقصود فقط القدرة على استخدام اليد -القدرة على وجود القوة- لا، وإنما مع ذلك معرفة الأثر المترتب على هذا الفعل، فمثلاً هذا حتى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لما تجد أن شعيب كان يقول: (( إِنْ أُرِيدُ إِلَّا ))[هود:88].. المقدم: (( الإِصْلاحَ ))[هود:88].الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: (( مَا اسْتَطَعْتُ ))[هود:88].. (إن أريد إلا الإصلاح)، لاحظ أنهم أنبياء وفي مقام الإصلاح.. الإصلاح العام ومربوط أمرهم بالاستطاعة بالقدرة، كذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم تجد أنه كان أمور كثيرة قادراً عليها من حيث الآلة، يعني مسألة بناء الكعبة على قواعد إبراهيم كان صلى الله عليه وسلم يقول يعني لـعائشة: (لولا أن قومك حديث عهدهم بالجالية فأخاف أن تنكر قلوبهم لهدمت الكعبة وأقمتها على قواعد إبراهيم).إذاً هو قادر صلى الله عليه وسلم من حيث وجود المال والسلطة بالنسبة له .. واعتبارات كثيرة، ولكنه أرجأ تنفيذ هذا الحكم لأنه يعتري الفعل أمر سلبي أو مفسدة أرجح فتركها النبي صلى الله عليه وسلم مع تطلعه وتشوفه إلى ذلك الذي يدل على مشروعيته.وكذلك في قصة المنافقين وهذه من أصول قواعد فقه الاستطاعة التي توضحه بشكل جلي، يعني بعض المنافقين ثبت عليهم المؤامرة والغدر بالإسلام والخيانة العظمى، حتى نقل بالشهود والإثبات أنهم هددوا النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: (( لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ ))[المنافقون:8] وسبوه ونشروا حادثة الإفك، وتآمروا مع اليهود ومع غيرهم، ومع ذلك جاء بعض الصحابة يقول: ( يا رسول الله! دعني أضرب عنقه )، فهنا النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: لا، إنه لا يستحق القتل، وهذا حكم جائر مثلما قال.. المقدم: ( لا أريد أن يقال أن محمداً يقتل أصحابه ) نعم.الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: مثلاً في حاطب بن أبي بلتعة لما قال عمر: ( دعني أضرب عنقه، قال: ما يدريك أنه شهد بدراً )، فأنكر أصل الحكم.لكن في هذه الحالة لما قال: ( دعني أضرب عنقه، النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه )، إذاً هذا فقه الاستطاعة.النبي صلى الله عليه وسلم كان قادراً على أن يضرب عنقه، السيف موجود والسياف موجود والحماية موجودة والحكم أيضاً موجود، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم ترك تنفيذ هذا الحكم من أجل تجنب هجمة أو حملة إعلامية على الإسلام وعلى النبي صلى الله عليه وسلم.والناس هنا ( لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه ) قطعاً ما هم بهم الصحابة، ولا يعبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الصحابة بالناس عن أبي بكر وعمر، ولن يقولوا (محمداً) بهذا الفجاجة، وإنما المقصود بالناس هنا غير المسلمين من المنافقين، من الكافرين من أعداء الإسلام، من المحاربين.. فهذا يؤكد أن الاستطاعة هنا ليست فقط هي القدرة المادية أو الجسدية، وإنما هي أمر أبعد من ذلك وهو متعلق بأن يكون الظرف والمناخ والوقت مناسباً لهذا الحكم. المقدم: هذا عن فقه الاستطاعة ماذا عن فقه التيسير؟الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: فقه التيسير يتعلق كما في حديث عائشة ( أن النبي صلى الله عليه وسلم ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً؛ فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه )المقدم: يعني أنا اليوم كمسلم هناك أحكام شرعية تتعلق بالفقه، تتعلق بالعبادات، بالمعاملات.. إلى ما هنالك، وهناك أكثر من حكم فقهي فيها أو رأي فقهي، هل يصح لي أنا كمسلم أن أبحث عن الأيسر في هذه الآراء الفقهية أو الأحكام؟الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: هذا أحد وجوه البحث وليس هو البحث الوحيد، البحث إذا كان الإنسان عنده حكمان متقابلان يعني لا يوجد ترجيح لأحدهما على الآخر فالتيسير هنا مرجح؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (( وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى ))[الأعلى:8].وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في حديث أبي هريرة في البخاري: ( إن هذا الدين يسر ) فوصف الدين بأنه يسر، لكن لم يرد في أي نص وصف الدين بأنه مشقة أو عسر أو شدة على سبيل الإطلاق وإنما الوصف باليسر. وحقيقة أقول: إن اليسر والعسر أحياناً يختلف بحسب البيئات والمجتمعات، بعض البيئات التي ربما يغلب عليها جانب الانفتاح المطلق قد تستصعب ما هو من الشريعة والدين، وبعض البيئات التي يغلب عليها جانب الحزم والأخذ بالشدة ربما أنها لا تعطي التيسير إلا بـ.. المقدم: بقدر معين.الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: بمقدار، وأيضاً لاحظ أن التيسير هنا ليس فقط هو في جانب الفتوى كما يظن الناس لا .. التيسير في الحياة، تيسير الأب على أبنائه هذا من الدين، تيسير الحاكم على رعيته، التيسير في الجانب الإداري، تخفيف ما يسمى بالبيروقراطية وتراكم المعاملات والعلاقات بين الناس.التيسير هنا جزء من الشريعة، يعني عمر رضي الله عنه كان يقول: ( إنني سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الكلالة، وإنني إن أعش أقض فيها بقضية يعرفها من يقرأ القرآن ومن لا يقرأ القرآن )، هذا من التيسير.التيسير المعرفي والعلمي، تسهيل وصول المعرفة للناس سواء من خلال المدارس والجامعات، أو وسائل الإعلام.. أو غيرها، الخليل بن أحمد كلنا نذكر قصته لما يقال أنه مات وهو كان يفكر لأنه كان يقول: أريد أن أصل إلى علم الحساب تذهب به الجارية إلى البقال فلا يظلمها، هذا أيضاً من التيسير.إذاً المطلب التيسير الشرعي التيسير الحياتي، ليس خاصاً بالفتوى وإنما هو في عموم الحياة. المقدم: استطراداً فضيلة الدكتور عندنا ما يسمى بفقه الأقليات، البعض اعتبر أن هذا المصطلح -فقه الأقليات- هو دين جديد وشن عليه حملة كبيرة، أين تضعون فقه الأقليات، هل هو يأتي في إطار فقه التيسير أم يأتي في إطار فقه الاستطاعة.. في أي إطار بالضبط تضعونه؟الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: أحسنت.. أحسنت، أنا أعتبر أن فقه الأقليات يقوم على ثلاثة أركان:هو من جهة متصل بفقه الشريعة؛ لأن الله سبحانه وتعالى قد بين كل شيء (( وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا ))[الإسراء:12]، فلا بد ن النص الهادي الذي يبين للناس، وتجد أن المسلمين أنفسهم كانوا أقلية في مكة وكانوا أقلية في المدينة وصاروا أقلية في الحبشة. إذاً هناك نماذج وهناك سوابق يمكن أن يستنار بها فيما يتعلق بهذا الجانب. المقدم: نعم.الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: العمود أو الركن الثاني: ما يتعلق بفقه الاستطاعة؛ لأن المسلم الذي يعيش بين ظهراني مسلمين يستطيع أشياء كثيرة جداً من أجل تيسير.. من وجود المساجد، والاعتبارات، والأنظمة، والحلال في الطعام والشراب .. واعتبارات كثيرة جداً، هذه الأشياء لا توجد في كثير من المجتمعات الغربية التي تعيش فيها أقليات إسلامية. إذاً فقه الاستطاعة وثيق الصلة بفقه الأقليات.الركن الثالث هو: جانب التيسير؛ لأن حقيقة أن الإنسان الذي يعيش في بيئة غير إسلامية هو أحوج إلى التيسير من الإنسان الذي يجد كما جاء في الأثر ( أنهم لا يجدون على الخير أعواناً وأنتم تجدون على الخير أعواناً ). المقدم: فضيلة الدكتور يعني من مهمات النبي عليه الصلاة والسلام أنه جاء على صفة (( وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ))[الأعراف:157] عن أي آصار، عن أي أغلال نتحدث هنا التي جاء بها النبي عليه الصلاة والسلام، أو جاء ليضعها عن عاتق الأمة (( وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ))[الأعراف:157]، ما هي هذه الآصار والأغلال التي وضعها النبي صلى الله عليه وسلم عن عاتق هذه الأمة؟ وهل نحن في أيامنا نضع على أنفسنا آصاراً وأغلالاً أخرى أو يضعها لنقل بعض دعاة التشديد؟الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: هو لا شك أولاً أن هذا من أعظم ما وصف به النبي عليه الصلاة والسلام أنه جاء ليضع الإصر والأغلال التي كانت على الأمم من قبلنا، وهذا له تفاصيل كثيرة جداً في العبادات، في الطهارة، في الصلاة، في المعاملات. وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى أصحابه عن التشديد، حتى إنه عليه الصلاة والسلام لما رأى امرأة تصلي وهي عندها حبل قال: ( ما هذا؟ قالوا: إذا فترت تعلقت بالحبل ) يرووا هذا عن زينب والحولاء بنت تويت ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( حلوه ليصلي أحدكم نشاطه فإذا فتر فليقعد أو فليرقد )، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال وشدد على أصحابه، حتى إنه تغيظ عليهم صلى الله عليه وسلم وقال: ( وددت أن مد في الشهر لواصلت بهم وصالاً يدع المتنطعون تنطعهم )، يعني يريد أن يربي أصحابه على العفوية وعلى عدم التكلف، وقال لـمعاذ بن جبل .. هنا طبعاً على الصعيد الفردي، لكن لما يكون الأمر متعلقاً بالإمامة، بالقيادة، بالفقه، بالتعليم، بالدعوة.. يكون الأمر فيه غضب، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان موصوفاً بالحلم، فلما جاء الناس يشتكون معاذاً وتطويله بالصلاة دعاه النبي صلى الله عليه وسلم ويقول الراوي: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم غضب في موعظة أشد من غضبه يومئذ وقال: ( أفتانٌ أنت يا معاذ؟ إذا صليت بالناس فاقرأ بـ(( وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ))[الليل:1]، (( وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ))[الشمس:1]، (( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ))[الشرح:1] وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء ).فهنا يعني أؤكد على ضرورة أن نفرق بين السلوك الفردي؛ لأن بعض الناس قد يكون عنده عزيمة وهذا له علاقة وثيقة جداً بموضوع فقه الاستطاعة بالمناسبة، يعني بعض الناس عنده عزيمة.. عزيمتك الفردية احملها على نفسك، لكن حتى زوجتك وأولادك يصعب أن تحملهم على عزائمك فضلاً عن عامة الناس فيما يتعلق بالبيان والدعوة.علاقة هذا الموضوع بفقه الاستطاعة وهي موضوع العزيمة أن بعض الدعاة اليوم وبعض -إن صح التعبير- القيادات العلمية والدعوية عندها عزيمة وعندها طموح، وعندها ربما أهداف راقية، لكنها لا تستطيع أن توجد صلةً رابطة بين هذه العزيمة الذاتية من الداخل، وبين إمكانية تطبيق هذه العزائم في واقع الحياة، فكأنها تحمل الناس حينئذ على أمر فيه عسر وفيه مشقة. وأنا أعتقد أن الإخفاقات إن شئت تقول: معظم الإخفاقات السياسية والحضارية في تاريخ الأمة وفي واقعها هي مرتبطة بهذا المعنى، بالغفلة عن قراءة الواقع قراءة صحيحة. من القصص التي تروى عن ابن تيمية رحمه الله، وهو إمام من أئمة المدرسة السلفية يحتذى في هذا الجانب، أنه لما غزا التتر البلاد الإسلامية، مر هو وبعض طلابه التتر وهم يشربون الخمر، فهموا أن ينهوهم عن شرب الخمر، فقال: دعوهم وما هم فيه؛ لأنهم لو صحوا ربما دخلوا المدينة واجتاحوها، وانتهكوا حرماتها وأعراضها ونساءها، فدعوهم، هذا أهون من أن يقعوا فيما هو شر من ذلك.فهنا تلاحظ قضية الاستطاعة، هو مقدور على وجود النهي بحد ذاته، ولكن ما يترتب على هذا النهي هو أيضاً أمر معتبر. فالأحلام التي في نفوسنا والتطلعات حتى إني أفكر في قضية من أحدث القضايا التي حصلت وهي ما يتعلق بالانهيارات التي حصلت في دولة العراق ، وبغض النظر عن الوضع السابق، يعني: حقه وباطله، ولا شك أن فيه قدر كبير من الظلم والاستبداد والعنفوان الذي دمر الشعب العراقي وأوصله إلى ما أوصله إليه. لكن أيضاً أنت هنا تلاحظ أن هناك عمى يترتب عليه عدم قراءة خريطة الواقع بشكل صحيح، ربما يكون عند الإنسان طموح يوجد قوةً إقليمية، أو ممانعة، أو مقاومة، لكن لا بد أن يكون الإنسان عارفاً بمجمل الأحداث، اليوم نحن نعيش في ما يسمى بعصر العولمة، لست أنت لوحدك، أنت مرتبط بالعالم، مرتبط سياسياً واقتصادياً وإعلامياً، ولذلك الأهداف والطموحات التي عندك حتى لو كانت أهدافاً فردية فضلاً عن أن تكون لأهداف لجماعة أو لدولة، ينبغي أن تستحضر في ضمن إمكانياتها وقدراتها الواقعية أن تستحضر الواقع الدولي والقدر الذي يسمح به من دون أن نكون موسوسين، نشعر بأن المؤامرات تحاك علينا في كل مكان، ومن دون أن نكون مصابين بعمى الألوان، فلا نعرف اللون الأحمر من الأصفر، من غيره. التالي ملامح فقه الاستطاعة فقه الاستطاعة مواضيع ذات صلة دور فقه الاستطاعة في توازن المسلم واعتداله علاقة القاعدة: (إذا ضاق الأمر اتسع) بفقه الاستطاعة تفاوت طلبة العلم في فقه المقاصد وأمثلة تطبيقية على ذلك التوقف في باب العبادات ترك النبي عليه الصلاة والسلام بناء الكعبة على قواعد إبراهيم