الرئيسة ›برامج›الشريعة والحياة›الدعوة إلى الله الدعوة إلى الله السبت 8 محرم 1428هـ طباعة د. سلمان العودة 1113 متابعة النص إلغاء متابعة النص الأنتقال الى النص الدعوة إلى الله بين الترغيب والترهيب المقدم: أهلاً بكم في برنامج: الشريعة والحياة. يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: (( نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ ))[الحجر:49-50].ويقول أيضاً: (( اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ))[المائدة:98]؛ لكن كيف نحقق التوازن في النظر إلى أسماء الله الحسنى بين العقاب والمغفرة؟ لماذا يميل البعض إلى تغليب جانب العذاب على الرحمة؟ وهل الكلفة والمشقة مطلوبة لذاتها ومقصد من مقاصد التشريع؟ وفي المقابل لماذا الخوف من الحديث عن عذاب القبر والآخرة والموت؟ ولماذا يتهم الخطاب السلفي بأنه يميل إلى الترهيب غالباً؟حول مبدأ الترغيب والترهيب والموازنة بينهما، ومواصفات الدعوة العالمية نخصص هذه الحلقة من برنامج الشريعة والحياة، والتي نستضيف فيها الدكتور سلمان العودة الداعية الإسلامي المعروف والمشرف العام على مؤسسة الإسلام اليوم، مرحباً بكم دكتور!الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: مرحباً، أهلاً وسهلاً بكم، حياكم الله.المقدم: السؤال الطبيعي: في بداية أو في مرحلة ما من المراحل ساد خطاب النار، عذاب القبر، الزهد، العزوف عن الملذات، ثم عايشنا خطاب إسلام خمسة نجوم، والميل إلى الترف إلى الملذات إلى غير ذلك، يعني كيف تنظرون إلى هذه التحولات في خطاب الدعوة؟ التأصيل لمبدأ الترهيب في الشريعة الإسلامية الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: نعم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه أجمعين.هذا سؤال مهم وكبير أيضاً في الوقت ذاته.أولاً: هذه كلها حقائق شرعية، النار حق، وعذاب القبر حق، والجنة حق، والنبيون حق، والساعة حق، ومحمد صلى الله عليه وسلم حق، كل ذلك حق، والحق يجب ألا يتنازع، بمعنى ألا يكون الحديث أو تقرير مسألة معينة يجور على المسائل الأخرى، أو يعطيها أكبر من مقامها، ويجعلها تأخذ مالها، فإن هذا ليس من العدل، والله سبحانه وتعالى أمر بالعدل في كل شيء، هذا أولاً. تغيُّر الخطاب الدعوي في طريقته وأسلوبه بحسب الأحوال والعصور الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: ثانياً: بالنسبة للخطاب الإسلامي أو الدعوة، الدعوة هي محاولة بشرية، وجهد إنساني؛ ولذلك لكي يصل إلى مرحلة النضج ينبغي أن يستفيد من تجربته، وأن يراجع نفسه مرة بعد أخرى، وقد يسود في فترة من الفترات خطاب ما في عصر من عصور التاريخ أو في الواقع بسبب ظروف ألمت به، غالباً بسبب الأزمة، أن يكون الخطاب مأزوماً، المجتمعات الإسلامية والعربية اليوم مأزومة سياسياً، ومعرفياً، وحضارياً، وبالتالي في الغالب أنها لا تنطلق من منطلقات موضوعية بحتة، وإنما تنطلق من حاجات تلح عليها، والخطاب الإسلامي أيضاً في الغالب أنه يعتمد على الفردية، وعلى الارتجالية أكثر مما يعتمد على التخطيط، وعلى الاستراتيجيات؛ ولذلك قد يقع له مثل ذلك. ضرورة تبيين الدعاة للناس أن الدين حياة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: نبقى فيما يتعلق أيضاً بنقطة ثالثة وهي: أن الإسلام جاء للناس كلهم؛ ولذلك هو درجات: الإسلام والإيمان والإحسان، الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز: (( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ))[فاطر:32]، هؤلاء المصطفون الذين أورثوا الكتاب، الذين وعدوا بجنات عدن يدخلونها؛ جعل الله تعالى منهم الظالم لنفسه، والمقتصد، والسابق بالخيرات بإذن الله، أحياناً يغلب علينا بسبب حماسنا تقديم نمط راقي من التدين والالتزام والتضحية أكثر مما يطيقه عامة الناس، بينما نحن نستطيع أن نقول كما كان يقول السلف: الإسلام يزيد ولا ينقص، فكون الإنسان دخل في الإسلام بعد كفر، أو دخل في الهدى بعد ضلال، لا يعني بالضرورة أن هذا الإنسان خسر أشياء كثيرة حتى يثبت صدق إيمانه. أبو سفيان لما آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم في فتح مكة قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( من دخل دار أبي سفيان فهو آمن )؛ لأنه رجل يحب الفخر، حفظ له فخره، وكثير من الناس يحتاجون إلى مثل هذه المرغبات، ليس بالضرورة لكي تقنعهم بالتدين أو بالالتزام أنك تجعلهم كأنما يستقبلون جبلاً وعراً يصعدون إليه. المقدم: نعم، دكتور! عندما نتحدث عن الترهيب البعض يتساءل: لماذا يخاف الناس من الترهيب؟ بل يقول أكثر من ذلك: لا بد من الترهيب، ويفرح أيضاً لماذا الخوف من الحديث في عذاب القبر مع أن النبي عليه الصلاة والسلام في أكثر من موقع حث المؤمنين على أن يتذكروا هادم اللذات ومفرق الجماعات؟الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: الحديث هذا حديث صحيح أو حسن الإسناد عند أهل السنن وأحمد في المسند أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أكثروا ذكر هادم اللذات )، يعني: الموت، ولكن هذا ليس هو الحديث الوحيد في هذا الباب، فإن سياقات الأحاديث التي تبين ما ينبغي للناس أن يتذكروه هي أشياء كثيرة جداً، إذاً ليس مطلوباً أن يغفل الإنسان عن الموت، ولكن أيضاً مطلوب أن يذكر الإنسان الآخرة كما قال ربنا سبحانه: (( إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ ))[ص:46]؛ ولذلك الموت بحد ذاته معنى مشترك، حتى الملحدون يؤمنون بالموت، وحتى الكفار يقولون: (( أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ ))[ق:3]، وإنما المقصود الذكر لمصلحة الدنيا، ومن هنا أقول: من الضروري جداً للدعوة وللدعاة أن يبينوا للناس أن الدعوة هي للحياة، ربنا سبحانه يقول: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ))[الأنفال:24]، إذاً: القرآن حياة، والله سبحانه وتعالى يقول: (( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ ))[الأنعام:122]، والله عز وجل سمى القرآن روحاً فقال: (( رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا ))[الشورى:52]، روح معنى تحيا بها الأرواح، وتحيا بها الأبدان، وتحيا بها الأمم والمجتمعات، فالحق يقال: أن من المهم للدعوة اليوم وللدعاة وللمتخصصين في الخطاب الإسلامي أن يبينوا للمدعوين أن الإسلام دين لم يأت فقط للعزاء والمآتم، أو أن القرآن يقرأ في حالات الوفيات، أو على القبور، وإنما الإسلام جاء للحياة، وحتى الشاب المتطلع للحياة وللبقاء، ( عائشة رضي الله عنها لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: من أحب لقاء الله حب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه. قالت: يا رسول الله! أكراهية الموت؟ فكلنا يكره الموت، قال: لا يا ابنة الصديق! وإنما المؤمن إذا حضر بشر برحمة الله، وأحب لقاء الله، وأحب الله لقاءه ). دور الترهيب في استقامة حال المدعوين المقدم: ولكن دكتور الترهيب من العقاب، ألا يجعل الإنسان مستقيماً في هذه الحياة؟الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: نعم، الترهيب جزء من الشريعة، ولا بد منه؛ ولهذا جزء من الخوف واجب، الله سبحانه وتعالى يقول: (( فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ))[آل عمران:175]، (( ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ ))[الزمر:16]، وأيضاً الخشية، والخشية أخص من الخوف؛ لأن الخوف أحياناً يكون معنىً غامضاً، أما الخشية فهي مبنية على علم وعلى معرفة كما قال الله سبحانه وتعالى: (( إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ))[فاطر:28]، فالعلماء عندهم خشية يعني: خوف ولكنه خوف مبني على علم، ومبني على معرفة. إذاً: قدر من الخوف لا بد منه، ولكن الممنوع أو المذموم من الخوف كما نص عليه أهل العلم هو الخوف الذي يفضي بالإنسان إلى قنوط، أو الخوف الذي يفضي بالإنسان إلى أن يقنط الناس من الله سبحانه وتعالى، ومن الدار الآخرة، ومن هنا إذا سمحت لي أن أشير إلى نقطة مهمة في هذا السياق وفي هذا الموضوع الذي تفضلت فيه، وهي: مسألة الفرق بين الموقف الشخصي وبين الخطاب الدعوي، أنا كإنسان مكلف مطلوب مني أن يكون عندي لله سبحانه وتعالى حب وخوف ورجاء، فهذه هي الأركان الثلاثة للمعاني القلبية، والصحيح من أقوال أهل العلم أن الحب هو المقدم لها، فهو بمثابة الرأس للطائر، والخوف والرجاء هي كالأجنحة له، فيكون الخوف والرجاء متعادلين تقريباً من حيث الجملة، ولكن الحب مقدم، وبالتالي نعرف أن الحب قريب من الرجاء، وأما الخوف فهو متأخر عنهما، فيكون في ذلك تحبيب للناس بربهم أكثر مما يخوفون منه سبحانه، إذاً: هذا ما يتعلق بي كمكلف.لكن ما يتعلق بي كداعية ماذا يمكن أن أقدمه للناس؟ هذا موضوع آخر مختلف يحتاج إلى أن أراعي اعتبارات كثيرة، ولعل غالب الناس في غالب الأمصار والبيئات يفرحون بخطاب الترغيب أكثر مما يفرحون بخطاب الترهيب. ضرورة التوازن في الدعوة بين الترغيب والترهيب المقدم: كيف يمكن أن نوازن ما بين الخوف والرجاء ما بين الترغيب والترهيب؟ مسألة أخرى دكتور! هناك تشديد وتنفير كبير من الخطأ، وهنا سؤال يطرح نفسه: البعض يقول: ألسنا بشراً نخطئ ونصيب، أليس رب العالمين أو النبي عليه السلام حدث: ( لو لم تخطئوا ).الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: ( لذهب الله بكم ). المقدم: ( لذهب الله بكم وجاء بقوم يخطئون فيستغفرون فيغفر الله لهم ).الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: (فيغفر الله لهم). المقدم: ما رأيكم بهذا الاستطلاع؟الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: جميل جداً، أنا أقول: هذا من الكلام الذي يجب أن يقال للدعاة أنفسهم، شدة التنفير من الخطأ لا ينبغي أن تحملنا على تصور أن مجتمعات البشر كأنها مجتمعات ملائكية، آدم عليه السلام أبونا ورثنا كثيراً من الطبائع والصفات والتي منها الخطأ، أن الإنسان من طبعه أن يخطئ، (( وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى ))[طه:121-122].أيضاً النبي صلى الله عليه وسلم في عصره وفي بيئته على صعيد المجتمع تجد أن هناك من سرق، وهناك من شرب الخمر، وهناك من زنى، وهناك من قارف ما دون ذلك من الذنوب، ومنهم من تاب ومنهم من لم يتب ولكن ستر الله تبارك وتعالى عليه، وأيضاً الاختلافات البشرية يقع بين الصحابة اختلاف، وفي بيت النبوة بين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يقع اختلاف وترتفع الأصوات، إذاً من الخطأ أن نتصور كأن الإسلام جاء ليبني مدينة فاضلة كما يتصور، مدينة خالية من العيوب والأخطاء، إنما الإسلام جاء ليتعامل مع البشرية بطبيعتها وبواقعيتها، ويحاول أن يرتقي بها إلى الأفق السامي، أحياناً المبالغة في نفي الخطأ طبعاً وكلنا مطلوب أن نعالج الخطأ، الأنبياء بعثوا بتصحيح الخطأ، والدعاة مهمتهم تصحيح الخطأ، هذا لا شك فيه، ولكن أحياناً المبالغة في التنفير من الخطأ أو في النفور منه تفضي إلى أن نحمل أنفسنا أو نحمل غيرنا على أمور صعبة قد تجعلهم يحاولون فييأسون؛ لأنهم يرجعون إلى طبيعة الخطأ الذي جبلوا عليه.أيضاً الذي شرع الخطأ شرع التوبة سبحانه، وقال: (( وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ))[النور:31]، وشرع التوبة للأنبياء، وشرع التوبة للصديقين والشهداء والصالحين، وشرع التوبة من الكبائر، ومن الصغائر، ومن الكفر، ومن الشرك، وحتى من التقصير فيما هو دون الذنب، فإنه يستحب للإنسان أن يتوب منه. السبب في إيغال الخطاب السلفي في الترهيب أكثر من غيره المقدم: تحدثتم دكتور! عن خطاب الدعاة تجاه الآخرين، الخطاب السلفي تحديداً متهم بأنه يركز على موضوعات محددة ومكررة؛ تجدها في الكتيبات التي توزع، في الأشرطة التي تسجل، حديث عن النار، حديث عن الآخرة، عن عذاب القبر، حديث عن عقوبة تارك الصلاة إلى ما هنالك، لماذا برأيكم؟الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: هذا خطاب معنى مشترك في كثير من الخطابات، لا أظن أنه يختص بالخطاب السلفي، قد أستطيع أن أقول: إن الخطاب الإسلامي بشكل عام يعالج مثل هذه القضايا، المعالجة بحد ذاتها كما ذكرت مطلوبة؛ لأن القرآن الكريم نفسه عالج، وفي كثير من آيات القرآن الكريم مشاهد الجنة، ومشاهد النار، ومشاهد المعذبين، والله سبحانه وتعالى كما قال: (( نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ))[الزمر:23]، فكونه (مثاني) يعني: يعاد فيه المعنى مرة بعد أخرى، أو يذكر في حال ثم يذكر في حال أخرى، يذكر حال أهل الجنة، وفي مقابل ذلك يذكر حال أهل النار. لكن المشكلة هي أولاً: في سرد كثير من الأحاديث والقصص والأخبار الموضوعة أو الضعيفة في هذا السياق، مما يوجد عند الناس رعباً دون أن يكون لذلك سند صحيح.المشكلة الثانية: المبالغة في مثل هذه الأمور، بحيث يكون هناك تركيز عليه وتشديد، وأحياناً عويل وصياح وإفراط في هذا المعنى؛ ولذلك العلماء قالوا: إن الإنسان إذا غلب عليه الخوف ينبغي أن يعالجه بشيء من الرجاء والأمن، وكان بعضهم خصوصاً في أوقات معينة يطلب أن تقرأ عليه أحاديث أو آيات في هذا الباب؛ لأن شدة الخوف قد تفضي إلى القنوط، والقنوط هو من أعظم الذنوب، بل هو الذنب بعينه، كما قال الله عز وجل: (( إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ ))[يوسف:87].أعتقد أن الخطاب الإسلامي ينبغي أن يكون خطاباً إنسانياً؛ لأن أي إنسان بطبيعته يرغب في البشرى، مثلاً ولدك حينما تعطيه وعداً وإغراءً وجائزة على التفوق في اختبار، أو في دراسة، أو في أداء واجب من الواجبات المنزلية تجد في ذلك تشجيعاً له، وتكتسب أنت المحبة أكثر مما يكون ذلك من العقاب والزجر والتوبيخ والتهديد له على فعل خطأ معين. قيام بعض الأئمة بالبكاء أو التباكي عند آيات العذاب دون آيات النعيم المقدم: مبدأ الثواب والعقاب في كل شيء، حتى البعض يتساءل أن إمام الحرم عندما يقرأ آيات من كتاب الله عز وجل يصل إلى آية فيها تشديد وفيها وعيد يتوقف ويكررها، ثم يبكي وإلا تباكى، بينما هذا الأمر لا يحصل مع آيات تتحدث عن النعيم لماذا؟ وكيف يكون التصرف هنا؟الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: أظن أنه يوجد مشكلة كبيرة في مسألة الانتقائية في التعامل مع المصحف، في التعامل مع القرآن الكريم، في التعامل مع النص الإسلامي، سواءً كان قرآناً أو سنة، وهذه المشكلة ناتجة عن أن القارئ للنص أو المتصفح للنص يغلب عليه هم معين؛ ولذلك في محاضرة عندي البارحة تكلمت عن القرآن الكريم، وكيف أن القرآن -من أعظم ما يقدمه لصياغة الإنسان أنه- يعيد ترتيب الاهتمامات والأولويات عند الإنسان؛ إذ ليست القصة في القرآن أنه حروف تقرأ فقط، وليست القصة أيضاً أن الإنسان ينتزع من القرآن مواضع معينة ويتوقف عندها ويستحضر قلبه ويعصر عينه ثم يسرد ما سوى ذلك سرداً، القرآن هو رسالة الله إلى عباده، وبالتالي يفترض أن يفيدنا القرآن كيف نصنع نحن الاهتمامات المعتدلة، بمعنى أن الأشياء التي عظمها القرآن وكررها وأعاد فيها وأبدى ورددها، هذه قضايا مهمة علينا أن نعتني بها أكثر، والقضايا التي لا نجد لها ذكراً في القرآن وقد تكون تملأ حياتنا في مجالسنا وأحاديثنا، كثير من التفريعات والتفصيلات والجزئيات والخلافيات ومسائل الإثارة التي لا نجد لها أثراً في القرآن الكريم، هذا معناه أننا فعلاً نحن لم نصحح اهتماماتنا، ولم نرتب أولوياتنا على وفق ما يقتضيه القرآن الكريم، هناك نوع من الانتقائية في التعاطي مع النص الشرعي. وجود النعيم البدني والروحي مقابل العقاب البدني والروحي في الآخرة المقدم: تحدثنا عن العقاب وعن الثواب، هل يمكن الحديث عن عقاب بدني وعقاب روحي يقابله أيضاً ثواب بدني وثواب روحي؟الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: طبعاً أنا أتحفظ على كلمة بدني أو روحي؛ لأنك تتحدث عن الدار الآخرة، ولكن من المؤكد أن الله عز وجل ذكر ألواناً من الثواب، مثل: النظر إلى وجه الله الكريم في جنة عدن، (( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ))[القيامة:22-23]، وفي المقابل: (( كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ))[المطففين:15]، وكذلك ما يتعلق بألوان النعيم المذكور في الجنة مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر من ألوان الملذات، وهنا نتذكر قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر ) معناه أنه ليس مما يخطر على قلوبنا أو عقولنا، فنحن حينما نقرأ النصوص مثلاً في الوعد أو في الوعيد نتخيل الأشياء التي نعايشها في الحياة، لما نجد ألوان الفواكه نتخيل لو أن في الجنة هذه الفواكه التي نأكلها، بينما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ولا خطر على قلب بشر)، إذاً: هذا الذي خطر على قلبك هو خيال، وابن عباس رضي الله عنه كان يقول: [ ليس في الآخرة مما في دنياكم إلا الأسماء ]، والله عز وجل في القرآن الكريم يقول: (( وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ))[البقرة:25].إذاً: هنا علينا حينما نتكلم عن النعيم أو عن العقاب ألا نتصوره بمعاييرنا الدنيوية، وإنما هذه اللغة البشرية الله عز وجل يقرب بها إلينا مثل هذه المعاني. تطرق الخطاب الدعوي للنعيم المعنوي المقدم: دكتور! السؤال هنا: نجد الخطاب السائد يكون عن المتع الملموسة؛ النساء، الخمر، العسل إلى غير ذلك، لا نجد من يتطرق إلى المتع المعنوية التي تتحدث عنها إلا القليل من الدعاة في خطابهم الدعوي.الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: نعم، لا شك أن المطلوب إعطاء كل ذي حق حقه، ولا شك أن أعظم نعيم في الجنة هو النظر إلى وجه الله الكريم، نيل رضوان الله عز وجل، فهذا هو أعظم النعيم.وبالمناسبة أود أن أذكر أن الجنة ليس فيها خوف، فيها الرجاء، يبقى فيها الرجاء، ويبقى فيها الفرح، لكن الحزن والخوف يذهب؛ لأن الخوف معنى يغلب عليه السلبية؛ ولهذا الله عز وجل قال: (( لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ ))[الأعراف:49]، يعني: في الجنة لا حزن، ولا خوف، ولكن الرجاء في مزيد فضل الله عز وجل وعطائه، والحب لله عز وجل، والفرح بفضله ورحمته كل ذلك باق في الجنة، وهذه الجوانب المعنوية هي الأعظم؛ ولذلك حتى في الدنيا الإنسان الراقي الناضج ربما فرحه -مثلاً- بالمعرفة، فرحه بالاكتشاف، فرحه بالجوانب العاطفية أو الروحانية أعظم بكثير من فرحه بوجبة طعام أو شراب تقدم له. المقدم: مبدأ الترهيب يسلك مسالك سد الذرائع، مسالك الورع، الأخذ بالأحوط.. إلى غير ذلك، هل ترون أن هناك إسرافاً في استعمال هذه الألفاظ؟ أسمع منكم الإجابة إن شاء الله بعد أخذ فاصل قصير.وقفة قصيرة مشاهدينا الكرام، ثم نعود إلى متابعة هذه الحلقة، فابقوا معنا.مرحباً بكم مشاهدينا الكرام من جديد إلى حلقة اليوم من برنامج: (الشريعة والحياة) مع فضيلة الدكتور سلمان العودة، والتي نتحدث فيها عن: الدعوة بين الترغيب والترهيب. سلوك مبدأ الترهيب سداً للذرائع وغيرها المقدم: دكتور! السؤال يتكرر: الترهيب أخذ مسالك سد الذرائع، الورع.. إلى غير ذلك، ألا ترون أن هناك مبالغة في استعمال هذه الألفاظ؟ الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: نعم، أعتقد أنه ينبغي أن أقول: إن الخوف أو الإفراط في الخوف هو في الغالب نتيجة ضعف الثقة بالنفس، ضعف الثقة بعقل الإنسان وتفكيره وقدرته، بل ضعف ثقته بمبدئه، دائماً ما أقول لبعض الطلاب وبعض الشباب: اسأل نفسك كم مرة في اليوم تقول: أنا خائف؟ نعم ولكن أخاف، نعم ولكن أخشى؟ حينما يعرض عليك مشروع، صفقة، برنامج، منتج جديد، تقنية جديدة، فكرة جديدة لم تكن موجودة في حياتك من قبل؛ تجد أول ما يخطر في بال الإنسان الهياب غير الجسور هو الشعوب بالخوف؛ ولهذا يقول: أخاف، ولو أن الإنسان ضل يخاف لم يصنع شيئاً قط، فإن المواقف الكبيرة لا يتقنها إلا الناس الأشداء الذين لديهم قدر من القوة والشجاعة والقدرة، وأظن أن باب الخطاب الإسلامي والدعوي سواءً كان وعظياً أو فقهياً هو من هذا الإطار، ليس الواعظ فقط بل حتى الفقيه كونه يلاحق الأشياء عادةً بالتحريم دون أن يمتلك سنداً أو دليلاً ولكن فقط أن هذه أشياء جديدة فيتهيب منها، ويخشى أن يفتح على الناس فيها باباً، وفي الواقع أن الأبواب قد تكون مفتحة أصلاً، وهذه الأشياء ربما يحرمها اليوم وغداً تنتشر عند الناس ويصبح الحديث عن تحريمها ضرباً من الأفكار والأقوال البعيدة عن الواقع. مدى احتياج الدين لمشقة وبذل المقدم: نعم، دكتور في إطار الخطاب الديني نتحدث دائماً هناك بعض الدعاة الجدد الذين يميلون إلى تغليب لذة الدين على أن للدين تكاليف يحتاج إلى مشقة وبذل، السؤال: كيف نوازن بين الفهمين، كيف نحول بين المجتمع وتطبعه مع الذنوب والمعاصي؟الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: اللذة مطلوبة، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( أرحنا بها يا بلال ) بالنسبة للصلاة، بالنسبة للعبادة، التلذذ بالقرآن ( ليس منا من لم يتغن بالقرآن )؛ لكن ليس مطلوباً أيضاً أن تتحول القضية إلى نوع من تجنب التكاليف الشرعية، وإن كان لفظ التكاليف هنا لم يكن منصوصاً أن الشريعة تسمى تكاليف، وإنما الله عز وجل قال: (( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ))[البقرة:286]، وهذا يحتمل أن يكون يطلق لفظ التكاليف على الواجبات الشرعية، أو لا يطلق وإنما هي أوامر شرعية فيها رفعة للإنسان، وفيها تقوية وتعزيز لقيمته الإنسانية والبشرية، وليست تكليفاً أو عبئاً يثقل على الإنسان.طبعاً الكلام عن الدعاة الجدد أعتقد أنه في الغالب هذا مصطلح إعلامي في الواقع، والكلام الفقهي أو الكلام المعرفي عنه ينبغي أن يكون أكثر تحديداً، فإنك تتكلم عن مجموعة واسعة من الأطياف خاصةً من الدعاة الذين يظهرون في القنوات الفضائية، وقد يكون فيهم الإنسان الذي يكون شديداً في طرحه، وفيهم الإنسان المعتدل، وفيهم الإنسان المستبصر، وفيهم من يحاول أن يترقى نحو الكمال. الكلفة وقصدها في الشرع المقدم: التحدث عن الفئة التي تغلب مفهوم لذة الدين على مفهوم أن للدين هناك لا بد من تعب ومشقة معينة، هذا يقودنا إلى الحديث ( إنما أجرك على قدر نصبك )، هل الكلفة نفسها مقصودة في الشرع؟ وقد أجبتم على هذا السؤال، ولكن السؤال الآخر هل..الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: الكلفة ليست مطلوبة، قول النبي صلى الله عليه وسلم لـعائشة رضي الله عنها في الحج: ( إنما أجرك على قدر نصبك )، الظاهر إن هذا الكلفة الطبيعية التي لا بد منها، الإنسان حينما يصلي لا بد أن يقف، حينما يتوضأ قد يتوضأ بالماء البارد؛ لأنه لا يجد غيره؛ لكن تعمد الإنسان أن يحصل على كلفة ليس مشروعاً، إلا فيما ورد فيه نص. المقدم: ماذا عن حج خمسة نجوم هل يذهب الأجر والثواب؟الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: ماذا حج خمسة نجوم؟ إذا كان الإنسان والله حج في خيمة مكيفة فهذا لا حرج فيه ما دام أن الأمر فيه سعة، ولكن أيضاً بدون شك أن الحج هو عبادة أو موسم هو عبارة عن دورة، فكون الإنسان يحاول أن يلقى ما يلقاه الناس، أحياناً قد يكون متاحاً لك أن تحج في جو مرفه تماماً، ولكنك تريد أن تذوق ما يذوقه إخوانك المسلمون الآخرون المحرومون من هذه الإمكانية، فتحج مثلاً تمشي معهم على قدميك، تذهب مع المشاة، تواجه بعض الصعوبات، تجد بعض ما يجدون حتى تشاطرهم في هذا الهم، وحتى يتربى الإنسان على قدر من التواضع والانكسار لله سبحانه وتعالى. القول بقيام الشباب الملتزم اليوم على الفردية والسعي للرفاهية المقدم: برأيك هل صحيح ما يقال اليوم: أن تدين الشباب يقوم على القيم الفردية، على السعي إلى الملذات والرفاهية والاستهلاك؟الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: لا شك أن الاستهلاك مؤثر في شخصيات الشباب، حتى قبل أن يكونوا متدينين، هذا الاستهلاك يطبع المجتمعات العربية بطابعه، بحيث أن تصبح الأشياء والسلع هي علامات على القيم، وعلى المستوى الثقافي والحضاري والمدني عند كثير من الشباب، تجديد المقتنيات: الجوالات، السيارات، أجهزة الكمبيوتر، الملابس، متابعة الموضات وغير هذه الأشياء، هذه طبعت المجتمع، وبالتالي حينما يتدين الإنسان يتدين بشخصيته وهو يحمل إرث الماضي معه من بعض الآثار، وبالتالي يكون هناك خير أن نقول: يوجد دعاة يخاطبون هؤلاء الشباب والفتيات على هذا المستوى فهذا جانب خير، ولكن أيضاً لا يمنع أن يكون هناك درجة أخرى من الخطاب الإسلامي أكثر رقياً، والنبي صلى الله عليه وسلم راعى هذا الجانب جانب التدرج لما بعث معاذاً إلى اليمن قال: ( ليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، فإن هم أطاعوك لذلك أخبرهم إن الله افترض عليهم خمس صلوات، فإن هم أطاعوك لذلك أخبرهم إن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد إلى فقرائهم ). اختلاف الترغيب والترهيب بحسب أحوال الناس المقدم: هل يختلف الترغيب والترهيب بحسب أحوال الناس، باعتبار أن لكل مقام مقال؟الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: نعم صحيح، العلماء بحثوا أولاً في الترغيب والترهيب وأيهما يقدم كما ألمحت قبل قليل، ومن أهل العلم من قال: يقدم الترغيب، وهذا هو الأقرب والأكثر صوابية، والدليل على تقديم الترغيب كثرة النصوص في أسماء الله وصفاته كما أشرت أنت في مقدمة حديثك التي فيها جوانب الرحمة، ويعني مثلاً تأملت أكثر اسم تكراراً في القرآن الكريم من أسماء الله الحسنى، فوجدته بعد اسم الله اسم الرحمن والرحيم، وكذلك هذا هو الذي يبدأ به في القراءة وفي الحياة بسم الله الرحمن الرحيم، وهو التحية التي نتعاطاها فيما بيننا السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأيضاً في الحديث القدسي الله عز وجل يقول: ( رحمتي سبقت غضبي )، وفي لفظ: ( رحمتي غلبت غضبي ). إذاً: التعرف إلى الله برحمته، إشاعة هذا المبدأ هو الأقرب، ولكن أيضاً الجانب الآخر (( وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ ))[الحجر:50]، و (( أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ))[الأنفال:25]، ينبغي ألا يغفل؛ لأن هذا الإغفال ربما يترتب عليه أن الإنسان يسترسل وراء الذنوب والمعاصي؛ ولذلك سؤالك وجيه: أنه هل يختلف؟ نعم، أعتقد أنه يختلف أولاً من شخص إلى آخر، والإنسان أحياناً طبيب نفسه، يختلف من بيئة إلى أخرى؛ ولهذا أقول: الخطاب الدعوي، الخطاب الإسلامي، خصوصاً في مثل هذا العصر الذي فيه غفلة وإعراض، أعتقد أنه ينبغي أن يحتفي بجانب الترغيب، وجانب الرحمة أكثر مما يحتفي بجانب الترهيب والتخويف؛ لأن هذا يجذب الناس أكثر، وقد نص على هذا.أنت سألت على الخطاب السلفي، أقول لك: من أئمة الخطاب السلفي الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، وذكر هذا المعنى، ويمكن يكون هذا مأخوذ من قوله: (( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ))[النحل:125]. الأسلوب المناسب في وعظ العاصي بين الترغيب والترهيب المقدم: حتى مع المخالف الذي تجاوز الحد في المعصية، وارتكاب الذنوب الكبائر نبدأ معه بالترغيب أم بالترهيب؟الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: نعم، هو الترهيب يكون في حالات أحوج إليه حينما يكون الإنسان مقبلاً على معصية، فيحتاج إلى الترهيب؛ لأن الترهيب هو الذي يردعه أو يمكن أن يردعه، فهذه حالات يغلب فيها جانب الترهيب، ولكن هنا أيضاً يراعى قدرة الإنسان، مثلاً: جربت أنا بعض الناس الذين مثلاً يقصرون في الصلاة، إذا قيل لهم: إن تركه لصلاة واحدة يعني أنه خرج من الإسلام، فإن كثيراً من هؤلاء حالات وقفت عليها.. المقدم: وهو قول ابن حزم ..الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: قول بعض العلماء السابقين، وجدت أن كثيراً من هؤلاء يقول: لا داعي إذاً لأن أصوم، لا داعي لأن أزكي، لا داعي لأن أصلي بقية الأوقات؛ لأنه ما دام كافر كافر لا يوجد داعي أنه يتعب، فهكذا يكون هذا مدخل للشيطان إذا لم يكن الأمر في سياقه الصحيح؛ ولهذا العلماء قالوا مثلاً: إن الإنسان عليه أن يغلب جانب الرجاء إذا كان عند النزع وفي آخر عمره، وفي الحديث القدسي الله عز وجل يقول: ( أنا عند ظن عبدي بي )، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل ).وكذلك كون الإنسان بعد طاعة أن يكون جانب الترغيب أن الله قبل طاعته.أن يكون بعد توبة، تاب من الذنب، فيكون عنده ترغيب أن الله قبل منه التوبة أيضاً.الترهيب إذا كان في مقام المعصية حتى ينزجر عنها. ضابط الخطاب الدعوي العام عبر الفضائيات بين الترغيب والترهيب المقدم: هذا الخطاب إذا كان موجه للأفراد في الترغيب والترهيب، هل هناك من ضوابط للخطاب الإسلامي العام في الدعوة إلى الله عز وجل عبر الفضائيات وعبر الإعلام الذي يوجه إلى ملايين البشر؟الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: صحيح، هذه من أهم القضايا الآن؛ لأن الذي يتكلم في الإعلام ليس يخاطب شخصاً، إنما يخاطب الملايين من الناس من مختلف الأنواع، ومن هنا أقول: إن القاعدة العامة في مثل هذا الخطاب أن يكون خطاباً ترغيبياً بالدرجة الأولى، وألا يهمل جانب الترهيب، أعتقد أن هذا هو المعيار العام؛ لأن الترغيب هو الأنفع لعامة الناس، وأيضاً أن يراعي الأحوال؛ لأنه أحياناً من خلال سؤال السائل ربما تجد أن هذا السائل يتكلم عن معصية، فإذا كان مصراً عليها نرهبه، نحن نعرف [ الرجل الذي جاء لـابن عباس رضي الله عنه أعرابي وسأله والشرر يتطاير من عينيه، وقال له: قاتل النفس هل له من توبة؟ قال له ابن عباس: لا، ثم بعد قليل جاءه شخص آخر وهو بوضع منكسر وقال له: قاتل النفس هل له من توبة؟ قال: نعم، فقالوا لـابن عباس: كيف؟ قال: إن الأول جاء والشرر يتطاير من عينيه، كان يريد أن يسأل: هل له من توبة؟ فإذا كان له توبة يريد أن يذهب ويقتل أحداً فمنعته، أما الآخر فهو منكسر، وربما لو أفتيته بعدم التوبة لقتل مائة نفس أو أكثر من ذلك؛ لأنه يرى أنه محكوم عليه بالنار، وبالتالي لا يبالي أن يستكثر من الذنوب والخطايا ].وأنا أذكر هنا الشاعر الذي يقول: فأكثر ما استطعت من الخطايا إذا كان القدوم على كريم طبعاً هذا من المفاهيم التي ليست سليمة، ليست صحيحة أن تتقرب إلى الله بالذنب. المقدم: هذا ممن يأمنوا مكر الله.الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: نعم، (( أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ))[الأعراف:99]. المقدم: دكتور! طبعاً هذا السؤال جاء لأن هناك بعض الدعاة من خصص أو أحد الدعاة خصص كتاباً أسماه نهاية العالم، البعض الآخر تحدث عن غربة المؤمنين في الحياة الدنيا، البعض أيضاً لا يتحدث إلا عن الموت وتارك الصلاة، كيف نوازن هنا؟الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: سبحان الله! في القرآن الله عز وجل يقول لنا: (( اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ِ ))[الحديد:20] هكذا التعريف الرباني (( لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ ))[الحديد:20]، إذاً: هذه سنة الله في الحياة.أيضاً في الآية الأخرى ربنا سبحانه يقول: (( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ المُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ المُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ المَآبِ ))[آل عمران:14].إذاً: قضية أن تكون الدنيا فيها لعب أو لهو أو متعة، قضية الترفيه، كثير من الدعاة والصالحين والخطباء عندهم موقف سلبي من كل ألوان الترفيه، وكأن الترفيه رمز للانحراف، أو رمز للفساد، أو رمز للتحلل من القيم، بينما هذا الترفيه هو جزء من تكوين الإنسان وفطرته وطبيعته، عائشة رضي الله عنها في بيت النبوة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك يقع لها الترفيه وهي ( تشاهد الحبشة يلعبون في المسجد )، ويقع لها الترفيه وهي ( تسابق النبي صلى الله عليه وسلم في الصحراء )، ويقع لها الترفيه و( الفتيات يضربن عندها بالدف في أخبار يوم بعاث في يوم عيد في بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ). ولذلك لا شك أن من المهم جداً أن يكون لدينا اعتدال في النظرة للحياة الدنيا، وفي ربط القرآن وربط الدين وربط الدعوة بقيم الحياة، وأن الدين جاء للحياة وليس للموت، ثقافة الحياة وثقافة المعايشة فيها. تعدد أساليب التأثير في المدعو الذي لا يتأثر بالترغيب والترهيب المقدم: هناك صفة أو مجموعات من الناس صنف من البشر قلبه قاس، لا يؤثر فيه لا ترغيب ولا ترهيب، هل هناك من صيغ جديدة في الدعوة إلى الله عز وجل غير الترغيب والترهيب موجهة إلى هؤلاء الناس خاصةً وإلى عامة الناس؟الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: والله لاحظ الله سبحانه وتعالى يقول: (( فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ))[الأعراف:185]، (( فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ))[الجاثية:6].أحياناً أسأل نفسي أقول: القلب الذي تليت عليه آيات الله، (( يَسْمَعُ آيَاتِ اللهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا ))[الجاثية:8]، إذا الله أراد بهذا الإنسان خيراً ربما ابتلاه بشيء؛ لأن بعض الناس يحتاج إلى صدمة كهربائية، هذه الصدمة قد تكون حادث سيارة، أو أنه شارف على الهلاك، أو على الغرق في مناسبة من المناسبات، أو مات له صديق، أو قريب، أو جاءته ظروف معينة قد تجعله يستفيق، وإلا فربما يظل في هذه الغفلة سادراً حتى يلقى حتفه. الترهيب في فتاوى الطلاق وتسببه في كثرته المقدم: دكتور ربما سؤال على تماس مع الترغيب والترهيب، نجد الآن اتساع نسبة الطلاق في الخليج بشكل خاص، البعض يرد السبب إلى أن المشايخ ربما يتشددون في موضوع الفتاوى الخاصة بالطلاق حتى لا ينتشر بقوة، كيف نحقق التوازن هنا؟ الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: أعتقد أن ارتفاع نسبة الطلاق لها أسباب معروفة ليست لغزاً؛ عدم التوعية بالعلاقات الزوجية، عدم وجود دورات للأولاد والبنات والتعريف، بمعنى آخر عدم وجود ثقافة للرجل والمرأة على حد سواء في المعاشرة الزوجية، في معرفة الطرف الثاني، كذلك ما يتعلق بموضوع التوسع أحياناً في البذخ والمال والثراء وسهولة ذلك على الناس، بحيث إن الطلاق أمر سهل، ويمكن أن يطلق ويتزوج، ويطلق ويتزوج هكذا أبداً، هذه كلها أسباب، ولكن قد يكون من الأسباب التي لاحظتها وهو أنت لم تشر إليه مباشرة، لكن فهمت من سؤال سابق لك قضية أحياناً موضوع ترك الصلاة، وجدت أن بعض الأخوات المتدينات تبتلى بزوج قد يكون عنده بعض المعاصي، فالغالب أنها تصبر عليه خصوصاً لما يكون عندها أولاد، ويكون عندها أمل أن هذا الإنسان يستقيم، لكن لما يكون هذا الإنسان ربما وصل إلى حالة أنه قد يترك بعض الصلوات، فتسمع بعض الشيوخ يفتونها بأن هذا الإنسان كافر، وبالتالي يقع عندها حرج شرعي أنها لا يمكن أن تبقى مع هذا الإنسان وهو كافر، فتجد أنها تطلب الطلاق، وربما تذهب لأهلها، وقد تطلب الخلع منه، طبعاً هو من حقها أن تطلب الخلع من رجل لا تريده، ولا شك أن انحرافه في دينه هو أحد الأسباب إذا لم يكن كفئاً لها، ولكن إذا افترضنا أنها تريد هذا الإنسان، وربما تحبه، وعندها منه أولاد، وهي تقول: إن بيت الزوجية هنا على ما فيه أرحم من بيت أهلها أو بيت إخوانها، قد يكون والدها حتى قد توفي، فهنا أقول: إن من الصعب الحكم على هذا الإنسان بأنه كافر، هذا الحكم على شخص معين بأنه كافر يفتقر إلى إثبات، ويفتقر إلى حكم قضائي، وكون الإنسان يصلي ويترك هذا حال غالب الناس، ولا يمكن أن يقال بأنه كافر، نعم الصلاة شعيرة من شعائر الإسلام، وركن من أركان الدين، وتارك شيء من الصلاة ولو وقت واحد هو على خطر عظيم، لكن اعتبار أن أي شخص بعينه وباسمه ولحمه وعظمه إذا ترك صلاةً واحدة كفر، وبالتالي لا تساكنه المرأة ولا تجامعه، هذا ليس بالأمر السهل، وينبغي ألا يكون هناك تسرع في الفتوى في هذا الخصوص. الخلود في النار المقدم: سؤال يطرحه البعض: بأن الإنسان يعيش في هذه الحياة الدنيا ستين عاماً سبعين عاماً ثمانين عاماً ثلاثين عاماً ويذنب ذنوباً معينة، يتساءل: هل يستحق ارتكاب الذنوب في هذه الفترة القصيرة من العمر أن يخلد في نار جهنم؟الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: أنا أذكر الشافعي رضي الله عنه يروى عنه أنه لما حضرته الوفاة تذكر ذنوبه وقال قصيدة مشهورة: ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي جعلت الرجا مني لعفوك سلما لاحظ كيف استحضر هذا المعنى الإيماني وأسعفه إيمانه وصدقه مع الله باستحضاره. تعاظمني ذنبي فلما قرنته بعفوك ربي كان عفوك أعظما فما زلت غفاراً عن الذنب لم تزل تجود وتعفو منةً وتكرما ولولاك لم يصمد لإبليس عابد فكيف وقد أغوى صفيك آدما ثبوت وجود العقاب في الآخرة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: أما ما يتعلق بالعقاب فيكفينا أن نعرف أن الله سبحانه وتعالى كما قال: (( وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ))[فصلت:46]، وكما قال سبحانه: (( وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ ))[الزخرف:76]، (( وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ))[البقرة:57].إذاً: الله حكم عدل، يستحيل أن يظلم الله أحداً من خلقه، ولا أحد يعاقب بعقوبة وهو يعتقد أنه مظلوم، في الدنيا ممكن تجد إنسان مسجون يقول لك: مظلوم. لن يدخل السجن إنسان فتسأله ما بال سجنك إلا قال: مظلوم. وقد يقتل إنسان ويقول: مظلوم، في الآخرة ما في أحد يقول: أنا مظلوم، بل الله سبحانه وتعالى يقول: (( فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ ))[الملك:11]. الخلود الأبدي في النار الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: أما مسألة الخلود الأبدي فهذه مسألة فيها خلاف عند أهل السنة، وهذا الخلاف مقرر، ذكره ابن تيمية في غير ما كتاب، ذكره ابن القيم رحمه الله، شارح الطحاوية ذكر هذا عن الأئمة والعلماء، بل نسبوه إلى بعض الصحابة كما هو نقل عن عمر رضي الله عنه، الشيخ محمد رشيد رضا انتصر لهذا القول، وفي نظري أن هذه المسألة من المسائل الاجتهادية التي الأدلة فيها قوية، وتقبل النظر والاجتهاد فيها. خلود عصاة الموحدين في النار يوم القيامة المقدم: طبعاً إذا كان الحديث عن عدم خلود النار هذا يتعارض مع مسألة خلود بعض العصاة في النار.الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: العصاة من أهل التوحيد هؤلاء لا شك أنهم لا يخلدون في النار كما قال الطحاوي: وأهل الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في النار لا يخلدون إذا ماتوا وهم موحدون، وإن كانوا غير تائبين بعد أن لقوا الله عارفين، يعني حتى المصر على الذنب لا يخلد في النار، لكن الكلام هو في الكافر الذي هو مشرك بالله عز وجل هذا هو الذي فيه الكلام. تغليب الترهيب عند الحديث عن أسماء الله الحسنى المقدم: دكتور! حين يكون الحديث عن أسماء الله الحسنى نجد قوماً يغلبون الترهيب، وآخرون يغلبون الترغيب، كيف نحقق التوازن؟ بل إن البعض ربما يرى أن الأسماء الحسنى يغلب عليها الترغيب.الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: أسماء الله الحسنى من أعظم الأشياء التي يجب أن يتعلمها الناس، وفي القرآن الكريم من هذه الأسماء الخير الكثير الطيب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري: ( إن لله تعالى تسعةً وتسعين اسماً مائةً إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة )، أحصاها بالعد، أحصاها بالحفظ، أحصاها بمعرفة معانيها، أحصاها باستحضارها في قلبه، بحيث لا تتحول هذه الأسماء إلى مجرد لغة، وإنما تتحول إلى نوع من الملامسة والتعايش معها، تستشعر أن لك رباً يسمعك، ويراك، واطلع على خطئك، فأنت تتعذر منه وتطلب منه الصفح، واطلع على صوابك فأنت تشكره؛ لأن هذا الصواب من فضله وعطائه سبحانه، تتعامل بهذه الروح التي تستشعر قرب الله عز وجل؛ ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فادعوا فقمن أن يستجاب لكم )، يعني: الدعاء حال السجود، والحديث الصحيح الذي رواه البخاري و مسلم النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه: ( إن الله عز وجل كتب عنده في كتاب، فهو عنده فوق العرش أنه يقول سبحانه: رحمتي تغلب غضبي )، أو ( رحمتي تسبق غضبي ).إذاً: نحن نقول: إنه فيما يتعلق بالأسماء الحسنى يؤمن بها الإنسان كلها، يؤمن بأن الله شديد العقاب، وأنه غفور رحيم، (( غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ المَصِيرُ ))[غافر:3]؛ ولهذا كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذه الآية لـقدامة بن مظعون لما شرب الخمر يذكره بها. أحسن الكتب في الترغيب والترهيب المقدم: دكتور! هناك سيل من الكتب، ما هي الكتب التي تتحدث عن الترغيب والترهيب بشكل متوازن دون تغليب صفة على أخرى؟الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: أحسن وأعظم كتاب هو القرآن الكريم، أحسن الكتب بياناً، وأعظمها نظاماً، وأوضحها حلالاً وحراماً، فهذا القرآن فيه توازن عجيب ومدهش في موضوع الترغيب والترهيب.السنة النبوية: كتاب الترغيب والترهيب للإمام الحافظ المنذري الذي جمع فيه أحاديث الترغيب وأحاديث الترهيب، والشيخ الألباني قد نقح هذا الكتاب في صحيح الترغيب والترهيب، اختار الأحاديث الصحاح على حسب اجتهاده ومعرفته واختياره.أيضاً تجد كتاب رياض الصالحين للإمام النووي، وهذا الكتاب وإن كان فيه أبواب كثيرة جداً لكن فيه أبواب طيبة انتقى فيها من أحاديث الصحيحين وأحاديث السنن، والأحاديث المشهورة في أبواب الترغيب والترهيب الخير الكثير الطيب المبارك. تغير خطاب بعض الرموز الدعوية تجاه السلطان المقدم: سؤال على تماس في موضوعنا: هناك بعض الرموز الدعوية الموجودة على الساحة الآن، كان خطابها في السابق تجاه السلطان أو تجاه الحاكم متشدداً، الآن تغير خطابها ليكون متساهلاً ومهادناً، ما سر هذا التحول؟ كيف نوازن؟ وهل هناك طرف ثالث بين الموالاة والمعارضة لنقول بهذا اللفظ أو المصطلح؟ اختلاف الناس في التعامل مع السلاطين الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: نعم، أعتقد أنه أولاً: هذه من الأشياء التي يختلف الناس فيها، أمزجة الناس فيها تختلف، وهذا تجده عند السلف، سفيان الثوري مثلاً كان مختفياً عن السلطان فترة طويلة، و بالأمس أقرأ قصة طريفة يقولون: واحد في اليمن كان يصلي في مسجد فاتهمه قوم لا يعرفونه هو رجل غريب، لكن اتهموه بأنه سرق، وأخذوه وذهبوا به وتلتلوه وذهبوا به إلى الأمير أظنه معن بن زائدة أو غيره، فخرج الناس من عنده وقال له: هل أنت سارق؟ قال: لا والله ما سرقت، قال له: من أنت؟ فكأنه تمنع فأصر عليه، وهو رجل مشهور بالحلم، قال له: أخبرني من أنت؟ قال له: أنا سفيان الثوري، قال: أنت طلبة أمير المؤمنين؟ أنت الشخص المطلوب؟ قال: نعم، قال: اذهب والله لو كنت تحت يدي ما رفعت يدي عنك، لم أخبر عنك بشيء، وأمره أن يذهب.وبالمقابل هناك الزهري الذي كان في مجالس الحكام والخلفاء، وكان يحدثهم ويأخذ أعطياتهم وينصحهم، وربما غضب من أحدهم فقال له: ثكلتك أمك، إذا جاء المقام مقام غضب، فالأمور هذه تختلف أيضاً بحسب وضع الحاكم، بحسب وضع الناس، هي اجتهادات مختلفة، هي مدارس أيضاً لا مانع من تعددها.والذي أراه أن ما ذكرته في آخر سؤالك هو كلام جيد، بمعنى أنه ليس بالضرورة أن يكون الناس إما أن يكونوا معارضة أو يكونوا موالاة كما يقال، إما أن يكونوا مع الحاكم وكأنهم بوق يصدح باسمه ويسبح بحمده، أو يكونوا ضد الحاكم فكل ما فعله فهو خطأ قبل أن يفعله، ولا يمكن أن يقول له: أنه أحسنت أو أصبت في شيء ما، أظن أن من النضج والطموح لمشروع نهضة إسلامية تعم هذه المجتمعات العربية عودة إلى نوع من إن صح التعبير التصالح بين مكونات وأطياف هذا المجتمع، أن يعود الحكام إلى شعوبهم بالرحمة، بالرفق، بالاحترام، بمنحهم الحريات، بحفظ الحقوق، وأن تعود الشعوب أيضاً إلى حكامها بالمناصحة، والمصابرة، وتحمل بعض التبعات وبعض الظروف بل وبعض الأخطاء. السبب في تغير خطاب بعض الرموز الدعوية تجاه السلطان المقدم: نعم، هل جاء هذا نتيجة مراجعات؟الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: هذا قد يكون نتيجة كما قلت مراجعات، قد يكون نتيجة تحولات في الأوضاع العامة، الإنسان قد يهتم بشيء ثم يهتم بشيء آخر بسبب خبرة مثلاً ألم بها، أو بسبب ظروف محلية، أحياناً مثلاً قد تجد أن ثمة في هذا المجتمع أو في هذا الكيان خطأ معيناً، ثم تجد أن هناك مخاطر أخرى تهدد أكبر، نحن نجد الآن مثلاً بعض البلاد التي فقدت حتى وجود سلطة ولو كانت سلطة شكلية كما تجد مثلاً في الصومال أو في غيرها، كيف أن هذه تحولت إلى أماكن لسفك الدماء، والاختلاف، والاقتتال، والتشريد، ومصائب كثيرة جداً، فقد كل مقدرات وإمكانيات هذه الأشياء.فالإنسان يبدأ يكتشف أحياناً أن المشكلة ليست فقط في طرف معين، ليست المشكلة فقط في الحاكم، المشكلة عامة، بمعنى أنك لو أبعدت هذا الحاكم وأتيت بالمعارضة، أو أتيت بطرف من حزب معين، أو أتيت حتى أحياناً ببعض الإسلاميين لوجدت أن المشكلة نفسها تتكرر؛ لأن المأساة لأن الخلل لأن التخلف في البنية العامة للإنسان العربي والمسلم ليس فقط على طرف معين، مع أن هذا طبعاً لا يعفي أحداً من مسئوليته، وأعتقد أن أعظم الناس جدارة بتحمل المسئولية أعظم الناس مسئولية هم الحكام للتبعة التي عليهم، وكذلك العلماء أن يبينوه للناس ولا يكتموه، وأن يكونوا صرحاء فيما ائتمنهم الله تعالى عليه، ليس فقط باتجاه الحاكم، باتجاه الحاكم وباتجاه الناس؛ لأن من الناس من قد يريد منك أن تنتقد الآخرين، ولكن لا يريد منك أن تنتقده هو. بعض النصائح للدعاة والخطباء المقدم: فضيلة الدكتور! في ختام الحلقة هل هناك من نصائح محددة إلى الدعاة، إلى الخطباء، إلى الأئمة، إلى الوعاظ والمرشدين؟الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: أعتقد أنه لا شك أن الخطاب خطاب الدعاة والعلماء والوعاظ والمرشدين يجب أن ينتبه دائماً إلى أنه ليس هو خطاب الله تعالى للعباد، أنا كخطيب أو داعية لست معبراً عن الله، ولا ناطقاً باسم الدين، وليس لي عصمة؛ ولذلك ينبغي أن يكون لدينا تواضع، هذا التواضع يحمل الإنسان على أنه يطلب التصحيح، ويطلب المزيد، الله سبحانه وتعالى علم نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقول: (( وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ))[طه:114]، يطلب الإنسان المزيد ولا يعتبر أنه وصل إلى النهاية، إذا كانت الأوضاع التي نعيشها في عالمنا الإسلامي لا مزيد عليها فلماذا نحن متخلفون إذاً؟ المقدم: إذاً: بالحكمة والموعظة الحسنة.في ختام هذا اللقاء لا يسعني إلا أن أشكركم فضيلة الدكتور سلمان العودة المشرف على مؤسسة الإسلام اليوم..الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: بارك الله فيك. المقدم: والداعية الإسلامي المعروف على هذه الإفاضة الطيبة.كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن المتابعة، لكم تحية من معد البرنامج معتز الخطيب، ومن المخرج منصور طلافيح، ومن سائر فريق العمل، وهذا عثمان عثمان يترككم في أمان الله إلى اللقاء في الأسبوع القادم إن شاء الله. السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.