الرئيسة ›برامج›مقاصد الحج›مقاصد الحج [10] مقاصد الحج [10] الأربعاء 22 ذو الحجة 1425هـ طباعة د. سلمان العودة 927 متابعة النص إلغاء متابعة النص الأنتقال الى النص أثر الأخلاق الإسلامية على الحج وتأثيره عليها المقدم: الحلقة العاشرة. بسم الله الرحمن الرحيم.الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.أيها المستمعون الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أهلاً ومرحباً بكم إلى هذا اللقاء ضمن لقاءات برنامجكم: (مقاصد الحج)، حديثنا في حلقات هذا البرنامج مع فضيلة الشيخ الدكتور: سلمان بن فهد العودة المفكر الإسلامي والمشرف العام على مؤسسة وموقع الإسلام اليوم، باسمكم جميعاً نرحب بالشيخ سلمان ، أهلاً ومرحباً بكم.الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: حياكم الله. المقدم: شيخ سلمان كنا قد تحدثنا معكم في اللقاءات الماضية حول جملة من مقاصد الحج، توقفنا للحديث حول مقصد الأخلاق الإسلامية وشيوعها في أداء هذه الشعيرة، وقد أتيتم بارك الله فيكم في الحديث حول الأخلاق حول ذكر حال كثير من المسلمين وللأسف في أثناء أدائهم شعائر الحج من بعض الخوارم وبعض الأشياء التي تجعلهم غير مطبقين لهذا الجانب، حبذا لو ذكرتم بعض الوسائل التي تعين على أداء وتطبيق هذا الخلق الإسلامي. التحلي بالأخلاق الإسلامية وكثرة ذكر الله عند رمي الجمرات الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: نعم. بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وأصحابه أجمعين.نحن تحدثنا في الحلقة الماضية عن الأخلاق، وأهمية الحج في تعليم الأخلاق، وأهمية الأخلاق أيضاً في أداء الحج، وأشرت إلى العبادات كالطواف بالبيت مثلاً، أو الصلاة وخصوصاً في حال الازدحام، أو رمي الجمار أيضاً، وأهمية استشعار معاني هذه العبادات وتطبيقها بشكل أخلاقي. مثلاً: كنت أتحدث عن الرمي، وهذه قضية تؤلمني صراحةً كثيراً، وأعتقد أنها تؤلم كل مسلم، ومهما يكن أعتقد أنه ينبغي أن يكون هناك توعية قوية جداً، ومنها التوعية الشرعية بأهمية التزام الأخلاق خلال ممارسة أي عمل من هذه الأعمال، فإذا كنا ذكرنا في حلقة سابقة كلام عائشة رضي الله عنها: [إنما جعل الطواف بالبيت، وبين الصفا والمروة، ورمي الجمار لإقامة ذكر الله عز وجل ]، فإنك تجد أن كثيراً من الناس ربما أتى إلى الجمرات ورمى ولم يذكر الله تبارك وتعالى، ولم يستشعر أي معنى لهذا الرمي، بل ربما رجع بذنوب أكثر من الفوائد التي أتى بها، ولذلك كانت عائشة رضي الله عنها ترى أن المقصود الذكر حتى لو لم يرم الجمار، وهذا نقله عنها الأئمة، وأشار إليه الشوكاني وغيره، وهو رواية في مذهب الإمام مالك ، والذي نختاره هو قول الجمهور: أن رمي الجمار واجب، وهو المشهور عن الأئمة الأربعة رحمهم الله جميعاً، ولكن رمي الجمار هو لإقامة ذكر الله تبارك وتعالى، ومن ذلك التسمية عند الجمرات، ومن ذلك الدعاء بعد رمي الجمرة الأولى، وبعد رمي الجمرة الثانية فإنه يستقبل القبلة، كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، ويدعو دعاءً طويلاً، ونقل هذا عن جابر و ابن مسعود وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم. أهمية التكثيف على تعليم الحاج التربية الأخلاقية الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: فأقول: إن مثل هذه المعاني هي أولاً: تربية، بمعنى أنه يجب مثلما نعلم الناس ونربيهم على كيف يصلي، وكيف يرمي، وكيف يطوف، ونشرح لهم الطريق الذي يوصلهم إلى ذلك من باب أولى، يجب أن يكون هناك تكثيف للتربية على المعاني الأخلاقية، حتى في بلادهم قبل أن يأتوا، حتى في مخيماتهم والحملات المسئولة عنهم، والإخوة الوعاظ والمرشدون ينبغي أن يكون هناك عناية شديدة بالتربية على هذه المعاني، وإحياء هذه المقاصد بحيث لا ينطلق الإنسان وهو يشعر بأنه في سباق، أو في حلبة صراع، وأن المهم هو أن هذه الحجارة، حتى إنك تجد الكثير منهم يتفاخرون بأن الواحد وقف على الحوض ورمى الجمار، هل وقف النبي صلى الله عليه وسلم على الحوض ورمى الجمار؟ رمى الجمار ولم يقف على الحوض؛ لسبب بسيط وهو أن الحوض لم يكن موجوداً في عهده صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما المقصود مجتمع الحصى، أن يرمي الإنسان في المكان الذي تجتمع فيه هذه الحصى وهذه الحجارة. تقديم الإسلام للعالم بصورته الحقيقية في الحج الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: والله سبحانه وتعالى يقول: (( فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ))[التغابن:16]، وليس المقصود قطعاً أن يقتل الناس بعضهم بعضاً، ولا أن يؤذي بعضهم بعضاً، ولا أن يعتدي بعضهم على بعض، ليست هذه الصورة الحضارية التي نقدمها للإسلام، واليوم في الحج يوجد عشرات القنوات الفضائية من اليابان إلى أوروبا ، إلى أمريكا ، إلى الصين ، إلى بلاد العرب، إلى بلاد العجم كلها تنقل مناسك الحج، وتنقل شعائر الحج، وقد يرى كثير من الناس من غير المسلمين، بل ممن لم يسمعوا بالإسلام يوماً من الأيام صوراً جذابة تغريهم باعتناق الإسلام، أو التفكير فيه، مثلاً: وهذا أمر رأيته بعيني، لما ترى جموع المصلين في المسجد الحرام، وترى هذا الاصطفاف الرائع، وهذا الالتزام الراقي بحركة الإمام قياماً ركوعاً سجوداً قعوداً سلاماً، فهذا الانضباط مظهر إيماني إسلامي حضاري أعتقد أن الكثيرين إذا رأوه أدركوا أن هذا الدين فيه سر عظيم في التربية على الأخلاق، وعلى الانضباط الاجتماعي، وربما أغراهم في الدخول في الإسلام. لكن قد يرون بضد ذلك من المظاهر والممارسات والتصرفات ما يصدهم عن ذكر الله، وعن الدين، وعن الصلاة، مثل: إذا رأوا أو سمعوا مشاهد قتل الناس بعضهم بعضاً، وأن يموت المسلم تحت قدم أخيه المسلم وهو في حال عبادة، أو مثل: إذا رأوا هذه الفوضى التي تشمل الحجيج في كثير من أنساكهم وأحوالهم ومنقلباتهم، فهذا مشهد لا شك أنه ليس بجيد، أو إذا رأوا هذه القاذورات التي في الشوارع تكثر في وقت الحجاج وتزداد، أو أحسوا بهذه الروائح، أو ما أشبه ذلك من المظاهر التي لا تنم عن تربية وتهذيب. ولذلك أقول: فعلاً علينا أن نتساءل: لماذا المسلم أحياناً يكون مظهراً من مظاهر الفوضى والارتجالية، وعدم الانضباط، وعدم الاهتمام بالمصلحة العامة؟ هذه الدورة مثلاً التي تستخدمها يستخدمها آلاف غيرك، فلماذا لا تجعل من مهمتك أن تدعها نظيفة؟ ولماذا لا تتربى على تنظيفها، هذا المكان الذي تفترشه سيفترشه غيرك، بل هذا المكان الذي تفترشه في الشارع هو ليس حقاً لك؛ لأنه مكان لمرور السيارات مثلاً، لماذا ترضى لنفسك أن تفترش الطرقات والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( إياكم والجلوس في الطرقات )؟ لماذا ترضى لنفسك أن تكون عرضة للدهس، أو أن تكون عائلتك عرضة للانكشاف، أو أن تكون عرضة لوصول عادم السيارات، وروائحه السيئة وآثاره الصحية الرديئة والمؤثرة على البيئة؟ لماذا ترضى أن تكون جزءاً من مشهد غير جيد تلتقطه الكاميرات وتقدمه لشعوب العالم كلها؟ مع أن الله سبحانه وتعالى ما أمر بهذا، والله عز وجل يقول: (( فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ))[التغابن:16]، إذا لم يجد الإنسان مكاناً جيداً يأوي إليه، فلماذا يكلف نفسه عناء أمر مخالف للشرع ولم يتعبد به بحال من الأحوال، ويمكن للإنسان أن يتركه إلى البدل الذي شرعه الله عز وجل. فهذه الروح التي توجد عند المسلم، والتي تنم عن عدم تربية على رعاية القيم، رعاية الأخلاق، رعاية حقوق الآخرين، المحافظة على النظام العام، المحافظة على المصالح العامة، المحافظة على المؤسسات والممتلكات العامة التي يحتاجها الناس، يعني هذه الشعوب التي تؤدي حج بيت الله الحرام هي في تقديري نموذج راق من المسلمين، بمعنى أنهم ربما هم نخبة المسلمين، فإذا كان هؤلاء يمارسون أحياناً مثل هذه التصرفات بعيداً عن استشعار المسئولية في هذا الأمر، بعيداً عن التزام القيم الأخلاقية في التعامل، بعيداً عن التزام الصبر والحلم والصدق والسماحة والرضا، فهنا كيف تتوقع للبقية الباقية من المسلمين ممن لا يرقون إلى مستوى هؤلاء الحجاج؟ التقصير الحادث من بعض المربين والمعلمين في جانب الأخلاق الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: إنني أعود على نفسي باللائمة، وعلى كثير من دعاتنا وعلمائنا وخطبائنا وأساتذتنا ومربينا أننا قد نكون أحياناً نعلم الناس كل شيء إلا الأخلاق، حتى إنك تجد في مدارسنا وفي بيوتنا وفي مساجدنا وجامعاتنا بل وحتى في قنواتنا الفضائية وفي إذاعاتنا ربما يكون هناك دروس وبرامج كثيرة جداً لكل شيء إلا للجانب الأخلاقي، وإذا عرضناه فإنه يتم عرضه أحياناً بشكل نظري، بمعنى أن الأخلاق تتحول إلى درس يلقن، وليس إلى تربية تمارس وتعمل، ويربى عليها الصغار قبل الكبار، ويربى عليها الرجل والمرأة، يستشعر الإنسان فيها مسئوليته عما يعمل، وأنه لا يمارس هذا العمل لصالحه فقط، وإنما هو يمثل دينه، ويمثل شريعته، ويمثل انتماءه، ويمثل أمته، وبالتالي عليه أن يكون مسئولاً عن هذه الأشياء.حقيقةً أنا أقول مثل هذا الكلام، وكثيراً ما أشعر بحرقة تنتابني وأنا أشاهد مثل هذه الأوضاع عند المسلمين، وأطرح على نفسي سؤالاً وهم يحجون بيت الله الحرام أو يعتمرون، أو يتجمعون في هذه التجمعات العامة الهائلة: متى يا ترى سوف تفرح قلوبنا، وتبتهج نفوسنا حينما نرى ونشاهد الانضباط الذي - أقول:- نجده عند الأمم الأخرى في تجمعاتها؟ فهناك كثيرون من الناس رأيتهم وسمعتهم سافروا إلى تجمعات هائلة، بل قد تكون الشعوب نفسها تجمعات هائلة، في الصين مثلاً هم أصلاً أعداد غفيرة يعيشون من دون ما يأتيهم أحد من غيرهم ومن خارجهم، ومع ذلك رأيت وسمعت الكثير ممن جاءوا من هناك يبدون دهشتهم من الانسيابية، النظام، معرفة كل إنسان بمسئوليته، التزام حدوده، انضباطه، كل واحد لا يعتدي على الآخرين، حقه معروف، يأخذ حقاً، ويعطي حقاً، ولذلك تجد السهولة والانسياب والانضباط في الحياة، بينما تجد المسلمين لم يتربوا على هذا المعنى، ويفترض أن الحج يربيهم على هذا المعنى، ويفترض أن الصلاة تربيهم على هذا المعنى، لكن الذي يحصل هو أن هذه الأمور غائبة، وأنه لا يتم تربية الناس عليها، وحفزهم إليها، ولذلك ربما يرجع الكثير منهم منطبع، وهذا الكلام الذي أقوله الآن ربما يقوله الكثيرون من الحجاج الذين يمارسون كثيراً من الأعمال التي تتنافى مع الأخلاق خلال موسم الحج، ولكنهم يقولون: أنه لا حيلة؛ لأنني لا أستطيع أن أكون أنا فرداً من بينهم ألتزم بهذه الأشياء، فرأيت الناس كلهم يتعاملون بطريقة معينة، لا يهتمون بالنظام، لا يهتمون بالنظافة، لا يهتمون بالحقوق، لا يهتمون بالحفاظ على الممتلكات العامة، لا يهتمون بالانضباط، فأصبحت مثلاً لو أردت أن انتظر دوري عند كبينة الهاتف، أو دوري في الحصول على شيء ما لوجدت أن الكثيرين يأتون ذات اليمين وذات الشمال غير عابئين بالتزام الانضباط والتسلسل وحقوق الآخرين، هذه أشياء قد تبدو للإنسان صغيرة، ولكن كما يقال: السيل من نقط، فإذا كان الإنسان لم يلتزم في هذا الموقف وذاك الموقف ترتب من جراء ذلك أن البيت أصبح كله فوضى، يعني قد يكون البيت فخماً وضخماً وكلف الملايين في بنائه، لكن إذا كانت السباكة تعبانة، والتبليط قد تكسر، والنوافذ قد تهشمت، والكهرباء تنطفئ أحياناً، وأشياء كثيرة جداً اعترضها الخلل في هذا البيت فإن البيت حينئذ لا يغري بالسكنى، ولا بد له من ترميم. الدعوة إلى غرس القيم وإشاعتها في أوساط الحجاج الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: أعتقد أننا بأمس الحاجة إلى غرس القيم الأخلاقية في نفوس المسلمين، وأن يكون هذا جزءاً من الحملات التوعوية التي يخاطبون بها في بلادهم، أو يخاطبون بها هنا، أو حتى في الطائرة وفي السيارة وفي المركوب، بل حتى خلال وجودهم وتجمعهم في الخيام وغيرها، يمكن أن يكون هناك برنامجاً عاماً واسعاً شاملاً يخاطب به هؤلاء جميعاً لإحياء مثل هذه المعاني في نفوسهم وحفزهم إلى تطبيقها. المقدم: والمطلوب المبادرة من الجميع وشيوع هذا الخلق.الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: بالتأكيد، وربما أيضاً هذه دعوة إلى الإخوة الذين لهم صوت مسموع، الدعاة، العلماء، الخطباء، المرشدون، الموجهون في الحملات، وفي مكاتب الدعوة، وفي المناسبات، وفي الحرم وساحاته، وفي المشاعر كلها، أن يكون هناك عناية بهذا الجانب، وإلحاح عليه، وتذكير به، وربطه بالقيم الإيمانية، وربطه بالأجر والثواب حتى يقبل إليه الحجاج. المقدم: جميل، بارك الله فيكم، نستأذنكم شيخ سلمان على أن نكمل إن شاء الله تعالى حديثنا حول المقاصد في حلقة قادمة.أحبتنا الكرام! كان معنا فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة المفكر الإسلامي والمشرف العام على موقع ومؤسسة الإسلام اليوم، شكر الله بيانه وما قاله. ونسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا جميعاً بما سمعنا، وحتى نلقاكم في لقاء الغد أيها الأحبة نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.