ÇáÑÆíÓÉ ›دروس›شرح بلوغ المرام›كتاب الطهارة›باب المياه - حديث 2-4›التأدب مع العلماء في مسائل الخلاف التأدب مع العلماء في مسائل الخلاف الاثنين 5 رمضان 1436هـ طباعة د. سلمان العودة 4312 متابعة النص إلغاء متابعة النص الأنتقال الى النص والواقع أيها الإخوة! أنني حين ذكرت القولين في المسألتين السابقتين، ومن قال بهما، وأدلة كل فريق، إنما ذكرتهما لغرضين:الأول: للعلم والفائدة.الغرض الثاني: وهو مهم جداً حتى يعلم كل إنسان منا أن هؤلاء العلماء الكبار ما قالوا بهذه الأقوال تخرصاً أو افتياتاً من عند أنفسهم، فبعض الناس إذا رجح قولاً شنع على من يخالف هذا القول، ورماه بكل نقيصة، فيقول مثلاً: (( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ))[الشورى:21] يعني: من اتبع هؤلاء الأئمة فيما ذهبوا إليه، أو يقول: (( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ))[التوبة:31].وقد رأيت بعض الإخوة -هداهم الله- يقول مثلاً: لا علينا من أقوال فلان وعلان وآراء السلف، إنما نحن ندين بدين الكتاب والسنة، هذا صحيح، كلنا يجب أن ندور مع الكتاب والسنة حيث دارا، ولا شك أن الدعوة إلى الكتاب والسنة دعوة صحيحة، وتقديم الكتاب والسنة على آراء الرجال حق، يجب أن يستقر في أذهاننا جميعاً . ولذلك كان الإمام أحمد رحمه الله يقول: لا تقلدني ولا تقلد مالكاً ولا الشافعي وخذ من حيث أخذوا، وهكذا غيره من الأئمة كانوا لا يرضون بأن يقلدوا. الإمام الشافعي رحمه الله كما روى البيهقي و ابن أبي حاتم وغيرهما في سيرته: كان جالساً في المسجد يقرر مسألة من المسائل، فذكر في ذلك حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إنه حديث صحيح، فقال له أحد الحضور: أتأخذ بهذا الحديث يا إمام؟! فغضب الإمام الشافعي رحمه الله حتى احمر وجهه، وعلاه العرق، ثم قال: هل رأيتني في كنيسة؟ هل رأيت في وسطي زناراً -وهو ما كان يشده الرهبان على بطونهم- أقول لك حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تأخذ به.هكذا كان هديهم - رضي الله عنهم - وما استحقوا ثناء الناس واتباعهم من ذلك العصر حتى أجمعت الأمة على فضلهم إلا لشدة اتباعهم للرسول صلى الله عليه وسلم، ولذلك فإن من كمال اتباعهم أن تخالف أحدهم فيما تعلم أن الدليل ليس معه، وأنت إذا خالفت لا يقال: من أنت حتى تخالف، صحيح من نحن بالقياس إلى هؤلاء الأئمة؟ لا شيء لكن أن تنتقل من إمام إلى إمام! ولذلك لا يمكن أن يسوغ الإنسان كائناً من كان أن يأتي إلى مسألة بحثها السلف فيبتدع قولاً جديداً لم يسبق إليه، ويأتي بقول مخالف لهم؛ لأنهم حينئذ قد أجمعوا على أن هذا القول الذي قال به هذا الشخص غير صحيح حيث لم يقولوا به، فأجمعوا على عدمه . أما إذا وجدت أن هذا الإمام معه دليل، وذاك معه دليل فتركت إماماً إلى إمام آخر لأن دليله أقوى، فهذا هو.. -لا أقول سائغاً- بل هو المشروع ، بل يحرم على الإنسان أن يقلد شخصاً ما في مسألة، وهو يعلم أن الدليل مخالف له ، والله عز وجل يقول: (( اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ))[الأعراف:3].لكن ينبغي على الإنسان أن يعرف لهؤلاء الأئمة قدرهم، فلا ينتقصهم بأي صورة من صور التنقص، ومن صور التنقص أن يتهمهم بأن هذه الأقوال مجرد تخرصات أو ظنون أو لا دليل عليها ؛ لأنه حينئذ نسبهم إلى أنهم يقولون على الله ما لا يعلمون، والقول على الله بغير علم هو قرين الشرك: (( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ))[الأعراف:33] فـ القول على الله بغير علم هو قرين الشرك . ومن صور التنقص لهؤلاء الأئمة: أن يقول القائل كما قرأت في بعض الكتب: نحن لا نبالي بخلاف فلان وفلان؛ لأن الله عز وجل يقول عن القرآن: (( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا ))[النساء:82] فهذا الاختلاف بين العلماء والفقهاء دليل على أنه ليس من عند الله، فدين الله ليس فيه اختلاف.هذا أيضاً تنقص للأئمة؛ لأنه نسبهم إلى أنهم لم يأخذوا من القرآن والسنة، بل جاءوا بآرائهم المحضة، أو بما أخذوا من أهل الكتاب أو غيرها مثلاً. ومن التنقص أن يتعاظم الإنسان نفسه أمام هؤلاء الأئمة، فتجد الإنسان وهو لا يزال في بداية الطلب قد يذكر أقوال الأئمة ثم يقول: وعندي أن الصواب كذا ، وكلمة (عندي) تدل على أن هذا القائل له مكانة كبيرة، أو وأنا أقول بكذا. ورحمة الله على الإمام ابن دقيق العيد حيث يقول: يقولون هذا عندنا غير جائز ومن أنتم حتى يكون لكم عند. يعني: الإنسان إذا بحث ورجح يرجح قول فلان؛ لأنه رجحه فلان وأدلته أقوى، أما أن يستعمل هذه الألفاظ: ولي، وعندي، وأنا أقول، أو ما أشبه ذلك؛ فهذه عبارات فضفاضة كبيرة يمكن أن يستعملها العالم، أما طالب العلم أو المبتدئ فينبغي له أن يعود لسانه -قدر الإمكان- على تجنبها، وقد يعتاد عليها الإنسان وتتكرر في اللسان فتمر عفواً في بعض الأحيان فلا بأس، لكن الإنسان يكون رقيباً على نفسه. وهناك كلمة جيدة في هذا الباب ذكرها الإمام ابن القيم في آخر صفحة من الجزء الثاني من زاد المعاد فارجعوا إليها، يقول رحمه الله ما معناه وهو يتحدث عن الألفاظ التي ينبغي تجنبها، كلفظ (لو) ولفظ (لولا الله وفلان)، وما أشبه ذلك من الألفاظ التي ورد النهي عنها، ذكر أن مما يكره أو يستكره أو يستهجن قول القائل: ولي، وعندي، وأنا فقال: أفضل ما استعملت فيه هذه الألفاظ أن يقول العبد: لي الذنب ولي الجرم ولي الإثم ولي الخطيئة، أو يقول: أنا العبد المذنب الفقير المقصر المستحق للعقوبة إن لم يغفر الله لي، وأفضل ما استعملت فيه كلمة (عندي) في مثل قوله صلى الله عليه وسلم: ( اللهم اغفر لي خطئي وعمدي، وهزلي وجدي، وكل ذلك عندي ) فهذا أدب نقصر فيه كثيراً نحن الطلاب، والأولى بنا أن نعود ألسنتنا قدر الإمكان على اللهج دائماً بالثناء على الأئمة والعلماء، وعلى تجنب الألفاظ التي تدل على أن المتكلم يرجح بين هذه الأقوال كما لو كان شيخ الإسلام ابن تيمية أو غيره من المجتهدين الكبار. فهناك أمر وسط بين هذا وهذا، ليست القضية أن تقلد تقليداً مطلقاً بلا دليل ولا تبصر، ولا أن تنسف هذه الأقوال كما لو كان الذين قالوها أتوا بها من كيسهم بلا دليل، بل ترجح ما رجحه العلماء المحققون، وغالباً يكون هو رأي جمهور العلماء بأدلته، مع معرفة أن الآخرين لهم دليل ولو كان ضعيفاً، لا يكاد يخلو قول من وجود دليل، لكن قد يكون الدليل ضعيفاً من حيث الثبوت، وقد يكون الدليل ضعيفاً من حيث الاستدلال .وهذه الآداب أيها الإخوة! عمداً جاء الحديث عنها؛ لأن كثيراً من الطلاب -خاصة طلاب العلوم الشرعية- حين يبدءون بدراسة الحديث والفقه تبرز هذه المشكلة، وقد يقرءون في كتب العلماء الكبار فيجدون هذه العبارات فينقلونها كما هي، صحيح أنت قد تجد في كلام ابن تيمية أو ابن القيم أو في كلام بعض العلماء المعاصرين أنه قد يقول: قلت -مثلاً- أو يقول: وأرى أو عندي، لكن ينبغي للطالب أن يتجنب هذه العبارات حتى يصل إلى ما وصلوا إليه، وحينئذ يقول ما يرى أنه مناسب. هذا هو الذي دفعني إلى عرض الأقوال حتى يعرف الطالب أن الجميع مجتهدون، ولهم أدلة، لكن لا شك أن الحق واحد، وهو نصيب أحد الفئتين. هذه بعض الفوائد التي تؤخذ من حديث بئر بضاعة، وقوله صلى الله عليه وسلم: ( إن الماء طهور لا ينجسه شيء ) ومن المفترض أن نسمع اليوم حديثين أو ثلاثة أحاديث، وهما حديث أبي أمامة بروايتيه وحديث ابن عمر في القلتين، فما أدري أيحفظ أحد من الإخوة هذه الأحاديث! التالي متن حديث: (إن الماء طهور إلا إن تغير لونه وطعمه وريحه...) وتخريجه باب المياه - حديث 2-4 السابق أقسام المياه وأقوال أهل العلم في ذلك باب المياه - حديث 2-4 مواضيع ذات صلة ظاهرة الخلاف في الأمة الإسلامية النقد العام دون ذكر شخص بعينه الخلط بين الرأي والمبدأ العدل والتوسط والإنصاف حكم الاختلاف وكيفية التعامل معه