ÇáÑÆíÓÉ ›برامج›حجر الزاوية›حجر الزاوية - 1426›القضاء والقدر القضاء والقدر الجمعة 29 ذو القعدة 1410هـ طباعة د. سلمان العودة 5871 متابعة النص إلغاء متابعة النص الأنتقال الى النص مقدمة الحلقة المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.أيها الإخوة والأخوات! سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً ومرحباً بكم في برنامجكم المتجدد الذي يستمر معكم يومياً (حجر الزاوية)!في هذا البرنامج أيضاً يسرني أن أرحب ومجدداً بفضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة ، حياك الله يا شيخ.الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: حياكم الله جميعاً. المقدم: كما نوهنا بالأمس موضوعنا اليوم هو عن القضاء والقدر، وقبل أن ندلف إلى محاور هذا الموضوع يسرني أن أذكر بأرقام الهواتف التي ستتاح إن شاء الله لكم؛ للمتصلين من داخل السعودية ومن خارجها، من داخل السعودية الرقم هو (026069191)، ومن خارج السعودية (0096626067029)، ورسائل الجوال هي (0500244244)، وهي متاحة أيضاً للمتصلين من خارج السعودية على الرقم الدولي.أما الموقع الإلكتروني الدائم فهو: www.azzawiah.com. موقف الشيخ من الكلام في القدر المقدم: في بداية هذه الحلقة يا شيخ! الموضوع ذو شجون وهو من بواكير نشوء المجتمع الإسلامي، والحديث فيه على طائفتين، فطائفة تود أن يقلل الحديث عنه قدر المستطاع، وطائفة تريد أن يوصل الحديث فيه مع مختلف جوانب حياة الفرد المسلم.رأيك يا شيخ في الموضوع ابتداءً؟الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.أولاً: كما تفضلت وصدقت أن هناك من يتحدث عن أن موضوع القضاء والقدر يجب أن يغلق، وقد يحتجون بحديث مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا ذكر القدر فأمسكوا) وفي الحديث مقال ، لكن حتى على فرض صحته لا يعني الإمساك المطلق، وإنما يعني الإمساك عن القول بغير علم.والطائفة الأخرى أو ليس بتعبير طائفة بل جمهور الناس تجد أن قضية القضاء والقدر تسير معهم في كل تصرفات حياتهم، فكل الناس يتحدثون عن القضاء والقدر ما بين أحد يتعاطاه بطريقة سليمة، وما بين أحد يتعامل معه بطريقة مغلوطة تحتاج إلى تصحيح، ولذلك لا مناص من معالجة موضوع القضاء والقدر، لكن هناك أكثر من ميدان للمعالجة، هناك أحياناً معالجة فلسفية، وهذه تزخر بها كتب التراث وبعض كتب الكلام وغيرها التي تتحدث عن القضاء والقدر من زاوية فلسفية محضة وفيها جدل طويل لا أظن أننا بحاجة إليه.وفي الدائرة الأخرى هناك الجانب الفطري العفوي، وهذا يتكأ عليه، يعني: إحساس الإنسان؛ أي إنسان سواء كان مسلماً أو كافراً أن عنده إرادة وعنده اختيار ذاتي شخصي، فأمامه عدد من الطرق، لا يشعر بأن هناك قوة خارجية تفرض عليه شيئاً منها وإنما يختار بمحض إرادته ما يعتقد أنه مصلحة له، عنده عدة زوجات يريد أن يختار أفضل واحدة، عنده مشاريع عمل، عنده وظائف، عنده دراسات، فيحس الإنسان بفطرته وعفويته أن هذه الخيارات متروكة أمامه هو يبحث عما هو الأفضل والأحسن منها، وهذا جزء من مناط المسئولية والتكليف.الجانب الثالث أيضاً: هو قضية النص الشرعي، وإذا تناولنا النص الشرعي -كلام ربنا سبحانه وتعالى وكلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم- بسهولة وانسيابية وسلاسة وجدنا أن القضية أيضاً واضحة وسهلة بدون حاجة إلى التعقيد، مثل قول الله سبحانه وتعالى: ((وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ))[الكهف:29].الإنسان يشعر فعلاً أن أمامه طريق الإيمان وطريق الضلال، وأن اختيار أحد الطريقين يعود إلى قراره هو، وهو الذي يختار هذا الطريق أو ذاك الطريق.الحياة -أخي فهد - مشحونة بأحداث معينة تفرض علينا أن ننظر أو نبحث في موضوع القضاء والقدر. حاجتنا للإيمان بالقدر الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: يوماً من الأيام رأيت في آخر الليل رؤيا أنني أمشي على عكازين كأن رجلي مكسورتان، وخرجت الصباح إلى عمل ثم رجعت بعدما طلعت الشمس فوجدت رجلاً يستوقفني في الشارع ووقفت أظنه يريد أن أحمله إلى مكان معين فوجدته يقول لي: انزل انزل أريدك! فنزلت له فأخبرني أن والدي رحمه الله قد توفي في تلك اللحظة، وكانت هذه صدمة أو مفاجأة؛ لأنه كان في قوة نشاطه واحتدام حيويته. إلى جوارنا كان هناك شاب، هذا الشاب كان قوياً إلى درجة أنه يستطيع أن يرفع السيارة بيده من قوة النشاط، وصار له حادث في وسط البلد وخرج من الحادث أشبه ما يكون بالجثة الهامدة، وأمضى فترة طويلة جداً في المستشفى، وأفاق وهو يجد نفسه معوقاً تماماً لا يتحرك منه إلا لسانه وعيناه، أتيته مرة أزوره، فوجدت النور يتوهج في وجهه وقسماته، قلت له: يا مناع ! ما شاء الله، ما هذا الإشراق وهذا النور؟! قال: والله أول ما صار الحادث صعب علي أن أتكيف مع الوضع لأني كنت قوياً وصحوت على نفسي بهذا العجز، فبدأت أتذكر أن هذا مكتوب وأخذني أخي إلى المرضى الذين إلى جواري فوجدت الكثير منهم أسوأ حالاً مني، وبدأت ألجأ إلى ذكر الله والتسبيح والاستغفار والذكر حتى أصبحت الآن أعيش حياة عادية؛ بل حياة طبيعية وجميلة، وفي ذات الوقت كنت أتحفظ أبياتاً قديمة لرجل مشهور: أبو الأسود الدؤلي الذي فقد سبعة من أولاده في سنة واحدة بالطاعون:سبقوا هـوي فأعنقوا لهواهم فتخرموا ولكل جنب مصرع وإذا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمة لا تنفع فالعين بعدهم كأن حداقها سملت بشوك فهي عور تدمع وتجلدي للشامتين أريهم أني لريب الدهر لا أتضعضع يقال: إن ذا القرنين لما قربت وفاته قال لوالدته: يا أمي -وقد رأى حزنها- إذا مت فاعملي وليمة ضخمة وادعي لها أفراد الشعب كلهم، لكن أخبريهم ألا يحضر إلى الوليمة أي أحد سبق أن أصيب بمصيبة، فعملت وليمة ضخمة ودعت الشعب كله وقالت: كل أحد أصيب بمصيبة فلا يحضر، فلم يحضر أحد قط، فعرفت أن ولدها كان يريد أن يعزيها بعد وفاته أن المصيبة التي نزلت فيه ما من أحد إلا وقد مرت به أو أنه أصيب بها يوماً من الأيام.أذكر من القصص التي قرأتها: رجل اسمه بودلي رجل غربي فرنسي عاش في الصحراء الغربية ، وهو رجل غير مسلم ومع ذلك ألف كتاباً اسمه الرسول، هذا الرجل كتب سيرته مع عرب الصحراء، وقال: إنني جربت الحياة معهم ووجدت متعة عظيمة وفائدة لا يستهان بها أبداً، تعلمت من عرب الصحراء كيف أتغلب على القلق وعلى نوازعه ودوافعه في النفس، فهم قوم يؤمنون بالقضاء والقدر، وكلما نزلت بهم نازلة أدركوا أنها بقضاء الله وقدره فاستسلموا لها لكنهم لم يتركوا العمل قط، فهم يقاومون بكل ما أوتوا من قوة وبكل ما يستطيعون.يقول: مرة من المرات هبت علينا وعليهم عاصفة رملية، وذهب كثير من قطعان الغنم التي معهم والإبل وتفرقوا وأشياء كثيرة جداً، يقول: كنت في غاية الغضب والانفعال، فقالوا لي: إن الغضب لا يصنع شيئاً، لماذا تغضب؟ هذا أمر كتبه الله تعالى وقدره وقضاه، ووجدتهم يتنادون فيما بينهم ثم يجتمعون ثم يتحادثون ثم يتضاحكون وهم يقولون: الحمد لله! لقد بقي 40% من الغنم.ومرة أخرى يقول: كنا معهم في سيارة فتعطل أحد الإطارات ووجدتني أغضب وهم يهدئونني ويقولون لي: لا تغضب، الغضب لا يصنع شيئاً. مشوا بالسيارة المعطلة بعد قليل توقفت نهائياً ثم اكتشفنا أن البنزين أيضاً قد انتهى، وهم في كل ذلك يهدئونني ويعلمونني كيف يواجهون المشكلات بجدية وإصرار واستخدام لكل القوى والإمكانيات الموجودة، لكن من دون أن يفضي ذلك إلى نوع من الغضب أو الانفعال أو التحطيم.يقول: إيمانهم بالقضاء والقدر يمنحهم قوة في مواجهة المشكلات وصبراً عليها، لكنه لا يمنعهم أبداً من أن يقوموا بالأعمال التي يشعرون بفطرتهم أنهم يستطيعون أن يقوموا بها.إذاً الخلاصة: أن الحياة مجبولة على المشكلات ، فهذه مثلاً فتاة تعيش في بيت أبويها وقد يكون وضعاً صعباً جداً تنتظر الزوج الذي يخرجها من هذا الجحيم، وتتفاجأ أن الزوج مدمن مخدرات وقد ابتليت معه وتورطت معه، فتقول: إن شاء الله العزاء في الأولاد، فقد يأتي الأولاد ويكون هؤلاء الأولاد عققة فتتألم منهم وتقول: العزاء في البنت، فتفاجأ أن البنت أصابها حادث وأصبحت معوقة، أمام مثل هذه الأحداث التي تقع في الحياة ولا بد، ولا يمكن من أحد أو بيت أو أسرة إلا ويكون دخله منها شيء قليل أو كثير، هنا يكون الإيمان هو الواحة التي تجمل في ظلها الحياة:إذا الإيمان ضاع فلا أمان ولا دنيا لمن يحي ديناومن رضي الحياة بغير دين فقد جعل الفناء لها قرينافهنا تدرك كيف أن ارتباط الإنسان بالله سبحانه وتعالى وشعوره بأن الله تعالى هو الذي يدبر الكون من حوله يجعله يشعر بحميمية الحياة وجمال الحياة، ويستمتع بكل مباهجها ومتعها وجمالاتها فيما أحل الله، وحينما يجد حرماناً منها أو من بعضها يعرف كيف يتكيف مع هذه الأشياء، بل حينما يجد نفسه محروماً أصلاً، يعني: إنسان ولد بعيب معين أو فتاة ولدت وهي دميمة أو فيها ما يعيبها أو يشينها، هنا إذا استشعرت القرب من الله سبحانه وتعالى وعملت بهذا فهذا يعطيها دفعة إيمان وإيجابية في مواجهة الحياة، لكنه ليس مانعاً قط من أن الإنسان يستخدم طاقته الفطرية في التغلب على المشكلات التي يواجهها. الإيمان بالقضاء والقدر بين القدرية والجبرية الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: إذاً: لو تخيلنا مثل هذه الصور فهد . المقدم: نعم.الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: لو تخيلنا أن من الناس من لا يؤمن بأن هناك إلهاً وليس ثمة قضاء ولا قدر، وأن هذه الأشياء أمور عفوية اعتباطية، هذا الإنسان سوف يقتل نفسه حسرات؛ لأن الحادث الذي وقع كان من الممكن ألا يقع، فلو فعلت كذا ولو فعلت كذا، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا) هذه صورة. الصورة الأخرى طبعاً العكسية التي يبتلى بها بعض المسلمين: أنه لو تخيل أيضاً أن هذا الإنسان مجبور وأنه كالريشة في مهب الريح، وتنكر للفطرة التي يشعر بها من داخله في قضية الإرادة، أيضاً كم سوف يكون هذا الشعور الكاذب جناية على الإنسان بمصادرة إنسانيته، وكونه لا يمكن أن يعمل شيئاً لأنه يعتقد أنه مجبور، فإذا توسط الإنسان وآمن بأن ثمة إلهاً له الخلق والأمر، وأن الكون يسير بإذنه وعلمه سبحانه أعطاه هذا إيماناً وهدوءاً، وآمن بأن ثمة إنساناً أيضاً له قوة وله عقل وله إرادة واختيار وهو مسئول عن اختياره مما يدل على أن اختياره مؤثر هذا يحفزه على أن يكون على مستوى المسئولية في مواجهة صنوف الحياة.إذاً: القضاء والقدر نستطيع أن نقول هو قضاء وقدر فيما وقع ورأيناه، لكن كيف نعرف أن هناك قضاء وقدراً سيقع في المستقبل؟ هذا غيب؛ ولذلك البعض قد يعتمدون على رؤيا، أحدهم يقول: رأيت رؤيا ودلت على أنه سيحصل كذا، فيسير إلى هذا الأمر الذي اقتضته الرؤيا، أقول: الرؤيا قد تصدق وقد تكذب وقد تكون من الله وقد تكون من الشيطان، ولذلك على الناس ألا يبالغوا في الرؤيا وأن يعطوها حجمها الطبيعي، وليس جيداً ولا حسناً أن الإنسان يقع ضحية رؤيا معينة، فيشعر بأن هذه الرؤيا تضطره إلى سلوك طريق معين ولا بد من ذلك، الرؤيا ليست دليلاً شرعياً ولا دليلاً واقعياً . معنى القضاء والقدر المقدم: طيب. جميل! الآن أنت تكلمت يا شيخ! عن قضية أن الموضوع شائك في الأصل، وتكلمت عن بعض ما يعنيه القضاء والقدر في الشريعة الإسلامية، هل من استكمال لهذه النقطة، عن معنى التام للقضاء والقدر في مفهوم المؤمن المعتقد بهذه الشريعة، أم أننا نتكلم عن نقطة أخرى عن الاحتجاج بالقدر؟الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: فيما يتعلق بالمعنى، معنى القضاء والقدر أولاً: البعض يسألون عن الفرق بين كلمة قضاء وكلمة قدر، فأقول: إنه قد لا يكون بينهما فرق، وقد بحثت المسألة فلم أجد هناك فرقاً يذكر، وقع في بالي إنه يمكن أن نقول: إن القدر هو ما كان عند الله سبحانه وتعالى، والقضاء هو ما وقع للناس ، بمعنى: أنه ما وقع فعلاً سميناه قضاء؛ لأنه قد قضي ووقع فعلاً، فالذي حصل أمس وحصل اليوم قد يسمى قضاءً، لكن الذي لم يحصل بعد وهو عند الله تعالى يسمى قدراً.على كل حال القضية ليست ذات بال، إنما ما هو المقصود بالقدر؟ المقصود بالقدر بالدرجة الأولى: العلم، يعني الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى يعلم الأشياء كلها، وهذا قدر متفق عليه عند أهل القبلة وأهل الإسلام جميعاً، بل يفترض أن أهل الأديان كلهم يؤمنون بأن الإله الذي له الخلق والتدبير والحكمة لا بد أن يكون عليماً ولا يخفى عليه شيء ، ومن غير المعقول أن يكون الإنسان الضعيف يعلم ما لا يعلمه الله، فإذا كان الإنسان في نيته أنه سيعمل اليوم شيئاً، فليس من المعقول أن يكون الإنسان ناوياً ويعلم أنه سوف يعمل هذا الشيء ويكون هذا غير معلوم لربنا سبحانه، فالله تعالى يعلم كل ما سيفعله العباد.إذاً: عمر بن عبد العزيز و الشافعي و أحمد يقولون: "علم الله نافذ"، يعني: إذا الله علم أن فلاناً سيتاجر وفلاناً سيتزوج وفلاناً سيتعلم وفلاناً سيسافر وفلاناً سيموت، فهذا الأمر الذي علمه ربنا علم صادق صحيح لا بد أن يقع، فهل يحتج الإنسان بالعلم ويقول: ما دام الله عالم أني سأفعل كذا سأفعله، نقول: لا يحتج الإنسان بالعلم مع أن العلم نافذ، فلذلك لا يحتج الإنسان بالعلم. الإرادة وعلاقتها بالقدر الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: طيب. هل يحتج الإنسان بالإرادة؟ بعض الناس يقول: ما دام أن الله كاتب أو مريد، طبعاً الإرادة درجة ثانية مع العلم لا أقول درجة بعد العلم بل هي مع العلم، إن الله تعالى هو الأول وصفاته كلها أزلية قديمة ليست حادثة، فأيضاً كونه سبحانه أراد أن هذا الإنسان يعمل، ما معنى أن الله أراد؟ معناه: أن الله تعالى أذن للإنسان إذناً قدرياً كونياً أن يفعل، بمعنى: أن الله تعالى قادر. هؤلاء المشركون لو شاء الله ما أشركوا كما قال سبحانه: ((وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا))[الأنعام:107] إنما أشركوا بأن الله تعالى أذن لهم، أعطاهم نوعاً من الحرية، نوعاً من التفويض أن يؤمنوا أو يكفروا، ومن هنا إذا قال الإنسان: لماذا خلق الله الإنسان بطبيعة مزدوجة قابلة للخير والشر؟ فهنا نقول: هذا سر الاختيار وسر الابتلاء أن يكون الإنسان أمامه طرق: ((وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا))[الشمس:7-10] .إذاً: هنا الإرادة هي نوع من الإذن الكوني والقدري للإنسان أن يعمل هذا الشيء أو ذاك . مرتبة الكتابة والخلق في القدر الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: يبقى أيضاً الكتابة، كثيراً ما يقول العوام مثلاً: ما كان مكتوباً في الجبين لا بد أن تراه العين ، يعبرون بالكتابة عن الإرادة الإلهية أو الإذن الإلهي الكوني بفعل شيء معين، والكتابة ليست سوى تدوين لما هو معلوم عند الله سبحانه وتعالى. ثم خلق الله للأشياء، فالله تعالى خلق البشر وخلق ما يعملون، كما قال سبحانه: ((وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ))[الصافات:96]، فمثلاً: الله خلق جوارح الإنسان، ولذلك ما يعمله الإنسان بجوارحه فالله تعالى هو الذي خلقه أيضاً، وبذلك تدرك أن عملية القضاء والقدر ليست عملية قهر ، أن الله قهر الإنسان على أن يفعل ما لا يريده، وإرادته سبحانه متوافقة مع إرادة الإنسان، أو إرادة الإنسان متوافقة مع إرادة الله، يعني: ليست إرادة اعتباطية.لو ترك الإنسان دون إرادة -يعني: دون أن يريد الله له شيئاً- لم يكن الإنسان يفعل إلا ما يفعله مع وجود الإرادة، لأن إرادة الله إرادة كاشفة، إرادة مبنية على معرفة الله تعالى بالخلق ومعرفته بالعباد.فالخلاصة: أن القضاء والقدر ليس أمراً جبرياً وإنما هو أمر فيه إرادة واختيار للعبد . خلق الاختيار في الإنسان تدركه الفطرة السليمة المقدم: طيب. هذا يا شيخ! تفريق تنظيري أو حتى رد على من يحتج بالقدر، لكن ألا يمكن أن يدرك ذلك بالفطرة، فطرة المؤمن السليمة ألا يمكن أن تدرك ذلك؟الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: هذا الذي أقوله، أقول: إننا الآن لو نظرنا بعيداً عن الجدل الفلسفي، الفرق بين اثنين: إنسان يشعر بأنه مختار، يعني: هو في السطح مثلاً وقام بإرادته ثم بحث عن الدرج ثم نزل درجة درجة حتى وصل إلى القبر، هذا إنسان تصرف باختياره، بينما إنسان آخر في السطح قام مجموعة من الناس وحملوه وقهروه وتغلبوا عليه وهو يحاول أن يقاوم ولكن دون جدوى ثم حملوه وأنزلوه من الدرج، فهل الاثنان يتساويان تماماً؟ لا أحد يقول: إن الاثنين بدرجة واحدة، الأول واضح أنه مختار، والثاني مقهور، ولذلك نقول: إن الإنسان دائماً وأبداً يحافظ على أشياء هو يختارها فعلاً، ولذلك كلما قل اختيار الإنسان كلما قلت مسئوليته، وكلما تم اختياره حتى عند الله سبحانه وتعالى تمت مسئوليته ، فالحساب يوم القيامة يختلف ويتفاوت حتى على الذنب الواحد، يعني: قد يفعل عشرة أشخاص ذنباً واحداً، حسابهم يوم القيامة يختلف بحسب كمال وتمام الإرادة عندهم، فهذا إنسان مثلاً فرضت عليه ضغوط معينة أوقعته في هذا الذنب يحاسب لكن ليس مثل الإنسان الذي تعمد البحث عن الذنب.ولهذا مثلاً جاء ذكر الأشيمط الزاني وأنه تسعر به النار وهو أحد الثلاثة الذين يغضب الله عليهم يوم القيامة، لأن الدوافع عنده ضعيفة، فهو بحث وتحرى ووصل إلى الحرام، لكن الشاب الذي يقع في المعصية قد تكون عنده إرادة بدون شك، لكن هذه الإرادة نوعاً ما مغلوبة بشهوة مندفعة، فهو أقل من الشيخ حساباً وإن كان الحساب للجميع. أسئلة المتصلين المقدم: طيب. فضيلة الدكتور، أنا أستأذنك لأخذ اتصالات، معي منى من الإمارات تفضلي.مداخلة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.مداخلة: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. مداخلة: يعطيكم العافية.المقدم: ويعافيك. تفضلي.مداخلة: تقف الكلمات حائرة يا شيخ! أشكرك كثير الشكر، أنرت قلوبنا وعقولنا معاً.الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: بارك الله فيكِ أختي منى . مداخلة: الله يسلمك. في كتابه العزيز قال الله تعالى: ((أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ))[الأعراف:99]، سؤالي يا شيخ: الحاصل حالياً في التغيرات الكونية من زلازل أو من إعصارات غرباً أو شرقاً شمالاً أو جنوباً، معظم ما يعلق عليه إعلامياً أو في المقالات تنزل بأن هذا نوع من سخط وغضب من الله تعالى، سؤالي هو: لماذا يولى الأمر إلى غضب من الله وسخط ولا تكون رحمة من الله عز وجل، فقد كتب على نفسه الرحمة وهو ليس.. يعني ..المقدم: نعم. مداخلة: ليس هو.. يعني لماذا دائماً الناس تنقل أو تنسب الأزمات التي تنزل بالبشر إلى أنها سخط من الله تعالى، لماذا لا تنسب إلى أنها رحمة؟المقدم: نعم.مداخلة: واستحضاري لهذه الآية الكريمة، أنا دائماً أنظر إلى الأمور من زاوية الرحمة، فهل أنا من القوم الخاسرين؟المقدم: طيب. مداخلة: هذا فقط سؤالي يا شيخ.المقدم: واضح جداً. شكراً أختي منى .عصام من السعودية . عصام تفضل، وعليكم السلام ورحمة الله.مداخلة: اسمحوا لي أن يكون سؤالي خارج موضوع اليوم.المقدم: تفضل. تفضل.مداخلة: فضيلة الشيخ! لاحظنا التغير الجذري في الخطاب الديني لكثير أو بعض الدعاة بعد أحداث سبتمبر، وعندما كنا نناقشهم في بعض الأحيان -ونحن سعيدون جداً بهذا التغير وهذا الانفتاح وهذا الوعي الذي لم يكن موجوداً من قبل- نقول لهم: نريدكم أن تعترفوا بالغلط الذي كنتم عليه وأن تكونوا مثلاً في الاعتراف بالخطأ، علماً بأن الاعتراف بالغلط علامة قوة وليس علامة ضعف؛ لكنهم ينكرون هذا تماماً ويصرون على أن هذه لهجتهم من زمان، يعني: من سنين طويلة، وهذا غير صحيح.وأريد من الشيخ أن يضرب لنا مثلاً في الاعتراف بالغلط، فيضرب لنا مثلاً في شيء كان يصر عليه واتضح له لاحقاً أنه خطأ، ويعطينا درساً في هذا ويعطيهم أيضاً درساً في هذا.المقدم: جميل.مداخلة: سؤالي الثاني يا شيخ.المقدم: تفضل.مداخلة: كثير من الناس المستمعين في مجتمعنا يرفضون أي شيء أو أي فكرة يأتي بها أحد قد سبق له أن درس في الخارج أو تعلم هناك، أنه لا يفهم شيء وأن أي شيء يأتي منه أنه غلط وأنه أمريكي وأنه وأنه، علماً بأن كثيراً من الأشياء كنا نقولها سابقاً واتضح فيما بعد -بعد سنين طويلة- .. يقولها الآن مشايخ وأثبتوا أنهم غلط، مثلاً: وجوب كره الكافر أياً كان، وعندما كنا ..... المساجد وما المساجد، وكنا والله نتحدث فيها قبل سنوات أنها فيها أشياء أولى من المساجد، وكانوا شبه يكفرونا إذا قلنا هذا، والآن اتضح مع أن الكلام أصبح نوعاً ما فيه من الصحة؟المقدم: طيب.مداخلة: أرجو التعليق على هذا.المقدم: شكراً.مداخلة: شكراً.المقدم: شكراً أخي عصام .صالح من السعودية تفضل.مداخلة: السلام عليكم.المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله.مداخلة: شيخ سلمان ! في الحقيقة أنه عندما أسمعك صراحة أشعر أني أمام عالم كبير منفتح على الآخر، ويمتلك إمكانات هائلة، فأهنيك صراحة على هذا العلم، ونفع الله بك الأمة الإسلامية إن شاء الله.الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: آمين. مداخلة: ولكن يا شيخ سلمان ! عندي ثلاث نقاط.الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: تفضل. مداخلة: أرجو أنك تعيد النظر فيها، في بعض الآراء التي تتخذها وبشكل جريء، فمثلاً الجهاد يا شيخ! في العراق ، كما تعرف يا شيخ سلمان ! مثلاً صدام حسين حكم العراق منذ ثلاثين سنة بالنار والحديد ونهب الثروات وكان يحكم البلاد بلا قانون وبلا دستور، والله سبحانه وتعالى كما سخر لنا الغرب في الصناعات التي تركب مثل السيارات أو مثل الطائرات أو حتى الأشمغة التي نرتديها، أو حتى الميكرفونات التي نتكلم منها وبالقنوات التي نتواصل من خلالها، سخرها الله سبحانه وتعالى رحمة بنا نحن المسلمين في هذه الأيام بالذات، فأيضاً أعتقد أن الله سبحانه وتعالى سخر لنا الغرب في قمع الطغاة و صدام حسين كان اسمه الطاغية والله سبحانه وتعالى وضع لها نهاية وحداً.المقدم: طيب. باختصار لو سمحت وبسرعة.مداخلة: أي نعم.المقدم: لو تكرمت.مداخلة: النقطة الثانية يا دكتور! فطبعاً أعتقد أنه الآن أصبح هناك قانون وأصبح هناك علماء وهم أولى وأدرى بمصالح العباد، وأصبح هناك ولي أمر الآن. المقدم: طيب. مداخلة: بالنسبة لقضية -طال عمرك- الحجاب، طبعاً سمعت دكتور سلمان يتحدث عنه أكثر من مرة، وتعرف يا شيخ سلمان ! إن الشيخ الألباني رحمة الله عليه أورد أكثر من ثمانية عشر دليلاً على جواز كشف الوجه والكفين، وفي هذه القضية بعض العلماء في السعودية لا يعترف حتى بوجود الخلاف، بالرغم من أن هناك أدلة استشهد بها الأئمة الأربعة وكذلك بأقوال لـعبد الله بن عباس وحديث الخثعمية وإلى آخره. المقدم: النقطة الثالثة.مداخلة: النقطة الثالثة طال عمرك، ما أدري الدكتور سلمان هل قرأ كتاب أحكام الغناء والمعازف وأنواع الترفيه الهادف للدكتور سالم علي الثقفي ما أدري ما تعليقه على هذا الكتاب؟المقدم: طيب، شكراً لك.مداخلة: .....المقدم: شكراً. سعيد من إسبانيا تفضل. تفضل أخي سعيد .مداخلة: السلام عليكم.المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله.مداخلة: سؤالي هو مختلف عن موضوعكم اليوم، نسأل الشيخ عن أخطاء فيما يتعلق.. يعني: عندما كنت طفلاً وتعرضت لاعتداء جسدي وأظنني كنت في عمر ما بين السادسة عشرة والسابعة عشرة، وربما كان ذلك لأني كنت مرتمياً في الشارع وكان ذلك الاعتداء لا أعرف عن إرادتي أم عن .. لا أذكر شيئاً من ذلك، ولذلك سؤالي هو هل الله يغفر مثل هذه الأشياء، أم أنه قبل سن الرشد، فهل له علاقة بأن يغفر الله لي؟ وشكراً وجزاكم الله خيراً.المقدم: شكراً أستاذ سعيد . أجوبة أسئلة المتصلين الكوارث الطبيعية وجانب من رحمة الله المقدم: منى من الإمارات ؟الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: منى أولاً أشكرك أختي، وهي تحدثت حول نقطة واحدة في قضية التغيرات الكونية: الزلازل، الفيضانات، البراكين، الأعاصير التي تقع للناس، وأنها تقول: إن الناس دائماً يعتبرون هذا نوعاً من الغضب، وهي تقول: إنها تنظر إلى الموضوع من زاوية أنه رحمة من الله سبحانه وتعالى، وتتساءل: هل هذا الإحساس عندها يعني أنها قد أمنت مكر الله؟ فأقول: لا يا أختي، أنتِ نظرتِ إلى زاوية صحيحة، ولكن ليست هي كل الصورة، فلذلك نقول أولاً: إن ما يقع للناس -سبق أن بيناه- هو تخويف، كما قال ربنا سبحانه وتعالى: ((وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا))[الإسراء:59] يكون تخويفاً للعباد، ويستفيد منه قوم ويتضرر آخرون.أما قضية هل هو رحمة أم لا؟ فيجب أن نراعي أن الفعل الإلهي الواحد يكون رحمة في جانب ويكون عقاباً في جانب آخر، يكون رحمة لقوم وعذاباً على آخرين، ولهذا على سبيل المثال الطاعون وهو من الأوبئة التي تنتشر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله بعثه رجزاً على قوم، وإنه رحمة للمؤمنين)؛ لأن الذي يموت بالطاعون فهو شهيد، ولذلك فإن الأمر يمكن أن ينظر إليه أحياناً من أكثر من زاوية، قد يكون من زاوية فيه تأديب وعقاب لقوم، وقد يكون من زاوية أخرى فيه رحمة لآخرين، وقد يستفيد منه أقوام فيرجعون إلى الله سبحانه وتعالى فيكون رحمة لهم. التراجع عن أفكار معينة لا يلزم منه إعلان ذلك وإشاعته في كل الأحوال المقدم: طيب. عصام من السعودية يقول: هناك تغير جذري في الخطاب الديني لكثير من الدعاة لكنهم لا يعترفون بالخطأ؟الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: أي نعم. الحقيقة أنا في نظري -أخي عصام - أولاً: أن الخطاب الديني وغيره كل الأشياء تتغير، يعني: ليس بالضرورة أن نعبر بلفظ التغير الذي يفهم بأنه مسألة انتقام، وإنما الأشياء تنضج وتكبر والإنسان يتسع عقله وعلمه ومداركه مع مزيد القراءة ومزيد الخبرة، أيضاً الأحداث لها تأثير على المجريات، فإذا كان هناك نوع من التحسن كما ذكرت وهذا شيء جميل وسعيد، هنا ليس بالضرورة أن نجر نواصي الناس لأن يعترفوا بأخطاء أو بما نسميه نحن أخطاء، هي ليست في الواقع أخطاء؛ لأن هناك نوعاً من النمو الطبيعي، يعني: الشاب الذي في العشرين من عمره مثلاً هل تتوقع أنه سوف يكون ناضجاً كمن هو في الأربعين أياً كان اتجاهه؛ اعتبره إسلامياً أو قومياً أو ليبرالياً أو أي شيء آخر، سيكون يتحدث بلغة الشاب الذي يستقبل الحياة ببداياتها وبتوهج وإشراق ولكن أحياناً قد يقوم بنوع من الاندفاع، فليس بالضروري أن نتحدث دائماً وأبداً عن قضية انتقال، أو تغير بمعنى أنه تغير سلبي، هو نوع من النضج أو التكامل المحمود، وأنا في نظري أنه ليس بلازم، وهذا سبق بيناه في ملاحظة أو في حلقة الأخطاء كيف نصحح الأخطاء. افرض أن إنساناً كان عنده ذنوب ومعاص معينة، سواء كانت تخصه أو تخص غيره، يعني عامة، هنا عندما هذا الإنسان استفاد من تجاربه وعدل مسيرته لا يلزم أن نقول له: لابد أن تعترف أنك كنت تعمل كذا وكنت وكنت وكنت إلى آخره؛ لأن هذا فيه نوع من جر النواصي أو الإطاحة بإنسانيته في جوانب معينة، أو حجز الناس عن التصحيح أحياناً من منطلق أنه لا يمكن .. إلا أن يكون هناك أشياء معينة تتعلق بالناس ومصالح الناس، في هذه الحالة على الإنسان أن يوضح، يعني: لما يكون إنسان في مرحلة من المراحل قد يكون ماركسياً ثم سقطت الماركسية وبدأ يعيد حساباته فتحول إلى إنسان قومي، ثم أيضاً تراجعت القومية فأعاد حساباته وقرأ وتقدم خطوة أخرى وأصبح يطرح طرحاً إسلامياً، هنا ليس بالضرورة أن أقول له: أنت لابد دائماً وأبداً ترجع للوراء وتقول أنا كنت، هو طبعاً تراثه موجود، وأي إنسان أي عالم أو مصلح أو مجدد حين تقرأ سيرته وحياته من البداية إلى النهاية سوف تجد أنه مر بمرحليات معينة، ولا يمكن أن يكون وصل إلى النضج إلا من خلال التسلسل.أحياناً قد لا يكون الموضوع أيضاً -بالضرورة- أن الأمر الذي كان فيه يعتبر غلطاً بمعنى أنه خطأ، هو صواب بالنسبة له في وضعه وظرفه ومرحليته، لكن التغيرات والأحداث اقتضت اجتهاداً آخر، وسبق أن بينا كلمة عمر أيضاً: [ذاك على ما قضينا وهذا على ما نقضي]، فلذلك أنا أقول: إن هذه قضية ينبغي أن يتعامل معها بهذه الروح.وأيضاً: ألا نعتبر أن التغير أمر سلبي، يعني: كأننا نعيب فيه أحداً أو .. بالعكس التغير هو سنة الحياة، والذي لا يتغير هو إما جماد أو جاهل، أما الإنسان الذي تتجدد له المعلومات والمعارف والخبرات فيفترض أنه يحدث بشكل مستمر، حتى الذي يقوله اليوم يمكن أن يضيف إليه في المستقبل أو يعدل فيه أو يزيده وضوحاً وإشراقاً.نبقى في أن كلام عصام أيضاً من جانب صواب؛ أن هناك أناساً تبنوا مواقف، مثلاً هناك إنسان تبنى موقف استخدام العنف ثم تبين له خطأ هذا الموقف وتراجع عنه، هذا كونه يكتب كتاباً ويتحدث علانية في وسائل الإعلام أنه يدين العنف ويرفضه هذا يعتبر نقلة ويعتبر شجاعة، وقد يكون من كمال الشجاعة أنه يقول: والله أنا كنت أتبنى هذا الموقف؛ لأن القضية هنا قضية موقف حاد لا يحتمل أن يكون هناك لبس. الفرق بين النمو الطبيعي لفكر المرء وبين الانتقال من فكرة إلى نقيضها المقدم: ما أدري، أنا كأني أفهم من خلال كلامه أنه يريد أمثلة لكي يقتنع الناس، بعيداً عن كونه سماه خطأ وأنت سميته تغييراً إيجابياً، فكلا الأمرين النتيجة واحدة أن هناك تغييراً وتطوراً مع الظروف، ربما مرحلة سابقة تحتلف عن المرحلة الآنية، لكن هو يريد علامة، الناس تقتنع مثلاً، وتقتنع زيادة أن هذا الداعية أو هذا العالم أو كذا غير رأيه، ليس بالضرورة من خطأ إلى صواب، لكن الرأي تغير أو تطور كما تفضلتم، يعني على أساس أن الناس الذين استفادوا من رأيه بالأمس قبل سنوات يعرفون أن رأيه اليوم مثلاً تطور إيجابياً؟الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: أخي فهد ! الشاب الآن عندما ينمو لا يشعر .. النمو هذا يأتي تدريجياً فلا يحس به، ولذلك الذين يراقبونه أو يغيب عنهم ثم يرونه بعد سنتين يقولون: ما شاء الله يا فلان كبرت، لكن هو لا يحس بهذا؛ لأن النمو هذا ما جاء نقلة مفاجئة، وإنما هو نمو تدريجي فطري إنساني يعني طبيعي، والعقل مثل الجسد هو هكذا.أما الأفكار فمثلما قلت لك: عندما يكون عند الإنسان فكرة معينة ثم انتقل إلى فكرة نقيضة، هنا طبعاً يكون من المهم أن الإنسان يوضح؛ حتى أنه قد يوجد أناس يتبنون رأيه القديم فيعرفون أنه لم يعد يقول بهذا القول. الحث على الاستفادة من الأفكار الواردة من الخارج إن كان فيها فائدة للمسلمين المقدم: جميل. النقطة الثانية عنده التي هي رفض أي فكرة جاءت من شخص درس في الخارج وشيء من هذا القبيل؟الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: أيضاً هذا غير جيد، يعني: أنا أعتقد أن الحكمة ضالة المؤمن، ودعنا من إنسان درس في الخارج، دعنا ممن يعيشون في الخارج، الأشياء الإيجابيات الموجودة في بلاد الغرب ذاتها، كم من الإيجابيات العظيمة المجتمعات الإسلامية بأمس الحاجة إليها؛ قضايا التنظيم، الانضباط، المسئوليات، القانون الذي يسيطر على الجميع ويحكم الجميع، ونظام يخضع له الكل بدون استثناءات، الشفافية والوضوح، أعتقد أن العالم الغربي فيه إيجابيات ضخمة جداً في الحياة يفترض أن يستفيد منها المسلمون، وكما هو معروف في الأثر: (الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها). وأعتقد أن الشباب الذين درسوا في الخارج اقتبسوا من تلك المجتمعات الجوانب الإيجابية، وبالتالي قد يطرحونها، ويمكن أن يكون الأخ عصام يشهد أو يعيش بعض الأشياء الواقعية مثلما قال أن هناك ناساً قد يرفضون هذه الأشياء يوماً من الأيام، ثم بعد ذلك يتبين أنها صواب، فيتبين أن الرفض هذا مبني على نوع أولاً من السذاجة وعدم المعرفة، وقد يكون من جهة أخرى أن الإنسان الذي يملك هذه الفكرة الجميلة لم يحسن أن يسوقها عندهم بشكل معين، فبالتالي ربما أخذت بعد، وأنا أجد أنه في كثير من القضايا التي يختلف الناس حولها في النهاية ليس هناك خلاف حقيقي، لكن كل واحد أخذ الموضوع من زاوية وأساء الظن بالآخر، فلو أمكن أن يكون هناك وسيط يصحح الرؤية لذهب كثير من الخلاف. أسئلة المتصلين المقدم: طيب. أنا أستأذنك فقط لاتصال أو اتصالين، سامي من بلغاريا تفضل.مداخلة: السلام عليكم.المقدم: وعليكم السلام.الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: وعليكم السلام ورحمة الله. المقدم: أنا قطعتك حتى آخذه لأنه دولي وراح الخط.دينا من السعودية تفضلي.مداخلة: السلام عليكم.المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله.مداخلة: كيف حالك يا شيخ؟الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: مرحباً بكِ. مداخلة: أريد أسألك ثلاثة أسئلة الله يسلمك.الآن هنا حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يرد القضاء إلا الدعاء) يعني: أن -مثلاً- شيئاً مقدر وأنا أقعد أدعي أدعي يتغير القدر؟ هذا سؤال. السؤال الثاني الذي أريد أسأله: هناك مقولة أو هو حديث لا أعرف يقول أيضاً: لو اطلعتم على الغيب لاخترتم الواقع، يعني: مثلاً هناك شيء مقدر في الحياة ربنا اختاره لنا، يقولون: لو أنتم عرفتم ماذا يخبئ ربنا لكم فسترضون بما انقسم لكم في القضاء والقدر. المقدم: طيب. مداخلة: سؤال ثالث: أنه -مثلاً- لما الإنسان يجري في الحياة من أجل الرزق، بينما الرزق والأشياء هذه لا تتيسر له، هل هو قضاء وقدر؟ أو هو ابتلاء من الله؟ أو هو غضب أو أيش بالضبط؟ يعني: مثلاً واحد يجري في حياته في رزقه وليس هناك شيء يتيسر له ما هو السبب؟ الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: طيب. مداخلة: ويكون هو متديناً ويصلي وكل الأمور هذه؟ جزاك الله خيراً. الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: بارك الله فيكِ. المقدم: شكراً.سالم من السعودية تفضل.مداخلة: السلام عليكم.المقدم: وعليكم السلام.مداخلة: مساء الخير.المقدم: مساء النور.مداخلة: كيف حالك يا شيخ سلمان ؟الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: مرحباً أخي سالم . مداخلة: أحبك في الله والله يا شيخ.الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: أحبك الله وبارك فيك. مداخلة: فقط عندي سؤالان لو تكرمت؟المقدم: تفضل. مداخلة: السؤال الأول: قدر الله علي قبل سنتين وصار علي حادث فقدت فيه إحدى قدمي، وتأقلمت مع الوضع وأصبحت إنساناً عادياً في المجتمع، ولكن هناك من يواجهني في المجتمع يحدثني بأني إنسان عاجز وإنسان غير قادر على العمل وإنسان غير قادر على قضاء احتياجاتي الخاصة، فلما أجلس مع نفسي أقول: لو أن الله ما قدر علي، فهل هذا يؤثر على إيماني بقضاء الله وقدره؟ هذا السؤال الأول واضح يا شيخ؟الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: واضح نعم. مداخلة: السؤال الثاني الله يجزيك خيراً: الاحتلام في نهار رمضان، هل يؤثر على الصيام؟المقدم: طيب شكراً. مداخلة: وعندي طلب يا شيخ لو تكرمت.الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: سم. مداخلة: دعواتك المباركة الله يجزيك خيراً. الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: أبشر بارك الله فيك. مداخلة: السلام عليكم.المقدم: شكراً.محمد من ليبيا تفضل. تفضل محمد .مداخلة: ألو. مساء الخير.المقدم: مساء النور.مداخلة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله.مداخلة: والله نريد نسأل الشيخ سؤالاً. الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: تفضل يا أخي محمد . مداخلة: هناك امرأة والله تربي في أيتام هي. المقدم: نعم. مداخلة: وتربي أخواتها، وفيه صغار أخوها المهم تربي في أيتام، فهمتني؟ المقدم: واضح. مداخلة: عندها أختها الصغيرة هي يعني اتبعت واحداً غير جيد ولعب بها، والبنت هذه حملت، فهمتني؟ الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: لا. المقدم: لديها أختها.مداخلة: نعم ..... المقدم: نعم. نعم. هي امرأة تربي أيتاماً وعندها أخت.مداخلة: أختها تربي فيها الصغيرة هي. المقدم: أي نعم.مداخلة: تعرفت على واحد ولعب بها بالزنا يعني، ..... فهمتني؟ المقدم: نعم. نعم. واضح.مداخلة: وحملت منه البنت هذه.المقدم: نعم.مداخلة: وعندها أخواتها متزوجات، ما عرفت كيف الحل يعني؟ المقدم: نعم.مداخلة: ......... ثلاثة شهود. المقدم: نعم.مداخلة: يعني سترت البنت وسترت أخواتها من أجل ألا يطلقوا، فما عرفت المسكينة ......... من حل. المقدم: نعم.مداخلة: وأنت بماذا تفتي؟ يعني ماذا تقول لنا بالضبط ماذا نعمل؟المقدم: واضح يا شيخ؟الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: لا. مداخلة: طيب شكراً. السلام عليكم.المقدم: لحظة قليلاً يا محمد .مداخلة: نعم.المقدم: حملت هي بالحرام.مداخلة: وتزوجت هي ...... الشيخ؟المقدم: هي تزوجت فيما بعد؟مداخلة: فيما بعد تزوجت وعندها أطفال وسترت، يعني: سترتها.المقدم: سترت نعم.الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: حملت بالحرام ... المقدم: نعم. ثم تزوجت وانسترت.طيب. سؤالك عن ماذا الآن عن الذنب السابق يعني؟مداخلة: نعم. عن الطفل الذي ثبت من الأم، وأختها .....المقدم: الطفل أسقط؟ نعم.مداخلة: نعم.المقدم: تم إسقاط الطفل؟مداخلة: .....الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: أسقط في أي مرحلة الطفل؟ مداخلة: .. يمكن ثلاثة شهور.المقدم: ثلاثة شهور.مداخلة: نعم.المقدم: نعم. شكراً.مداخلة: ما أسمعك.المقدم: شكراً أخي محمد . أجوبة أسئلة المتصلين حقيقة التواجد الأمريكي في العراق واستهداف العالم الإسلامي المقدم: صالح من السعودية يسأل عن ثلاثة أمور، يسأل عن مواقف الشيخ تحديداً.. قضية الجهاد في العراق أولاً؟الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: في النقطة الأولى كأني فهمت أنه يقول: لماذا ما نقول: إن الله كما سخر الغرب لنا في أمور كثيرة سخرهم في العراق لإزالة هذا الحاكم الطاغية؟طبعاً أنا أعتقد أن هنا مشكلة كبيرة في العالم الإسلامي -أخي صالح - أن العالم الإسلامي يعيش فترة ضعف وتراجع شديد جداً، ولذلك هو لا يملك إرادته السياسية بشكل صحيح، وجزء من ذلك أن الغرب يغمس يده في قضايا العالم الإسلامي، وبالتأكيد لن يكون الغرب منصفاً ولم يأت من أجل زرقة أو سواد عيوننا، وإنما يأتي الغرب من أجل مصالحه، فـأمريكا تدخلت في العراق مثلاً من أجل النفط، أمريكا تدخلت في العراق من أجل حماية أمن إسرائيل ، أمريكا تدخلت من أجل مصالحها، لم تأت لنشر الديمقراطية كما يقولون أو لنشر الحرية، ولا شك أن زوال حكم طاغية يعتبر عيداً عند المسلمين، ولكن المشكلة دائماً هي البدائل، ونحن نجد الآن أن العراق يعيش وضعاً.. عدد القتلى خلال الفترة التي مضت ليست بالهينة، وقد تكون قريبة من القتلى خلال فترة طويلة من حكم البعث.وأنا أقول أيضاً: أن الأمر الماضي ننظر إليه بأي صفة؟ لكن دعنا ننظر للمستقبل، الآن الأمور يتم الحديث فيها عن سوريا وما يتعلق بتقرير ميليس واحتمالات معينة، فالأمر الذي يؤلم الضمير - فهد - ودائماً أنا أشعر بحرقة في داخلي من جرائه: أن العالم الإسلامي في معظم دوله يعيش أوضاعاً غير قابلة للاستمرار، أوضاعاً ليس فيها عدل، ليس فيها مشاركة سياسية صحيحة، ليس فيها شفافية، فيها نوع من مصادرة رأي الشعوب وحقوقهم، فهذه الأوضاع غير قابلة للاستمرار .والمشكلة أن إرادة التصحيح الداخلية أيضاً غائبة، فالآن الناس لما يتحدثون عن استهداف أمريكا لدولة عربية قد تتفاجأ أن كثيراً من الناس يرحبون ليس حباً في أمريكا ولكن نقداً للأوضاع القائمة، وهذا ليس مقبولاً بكل حال، فكون بلاد المسلمين تصبح عرضة للمشاكل بحجم المشاكل التي تقع في العراق ؛ ضحايا، ضياع العمل، ضياع الحياة، خلافات الناس، سقوط الدولة وهي دولة -في الأصل- مسيطرة ماسكة بأزمة الأمور، فينكشف الأمر حينئذ عن وضع صعب جداً، ولذلك يتوجب الأمر الحديث الملح والقوي عن ضرورة الإصلاح وضرورة مواجهة التحديات بمسئولية، سواء في بلد مستهدف كـسوريا أو في غيرها؛ لأن حصول مشكلة في بلد معين يفتح الاحتمالات على جميع الدول المجاورة، بل على جميع دول العالم الإسلامي كما هو مشاهد فهي متصلة فيما بينها. المقدم: طيب. الحجاب؟الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: بالضبط ماذا يعني؟ المقدم: في موضوع الجهاد في العراق يقول: إن على العلماء أن يفتوا أن أهل أو علماء العراق أدرى بشعب العراق وبوضعه وكذا؟الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: هم أدرى بدون شك أدرى بوضعه. الخلاف في جواز كشف الوجه والكفين للمرأة المقدم: الحجاب وجواز الكشف عن الوجه واليدين؟الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: ما هو سؤاله في موضوع الحجاب، ما سمعته جيداً؟ المقدم: في موضوع الحجاب يقول: إن كثيراً من العلماء هنا في داخل السعودية حتى يلغون الخلاف في الموضوع، ولا عندهم استعداد لأن يخبروا الناس أن هناك خلافاً، وأنه قد يكون هناك راجح أو مرجوح أو شيء من هذا القبيل. الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: لا، الخلاف لا يمكن إلغاؤه، فالخلاف موجود وقائم وثابت ووردت روايات حتى عن بعض الصحابة رضي الله عنهم في الاختلاف فيما يتعلق بموضوع الوجه، لكن الواقع كما أشار الأخ صالح أن أكثر علماء المملكة يرون وجوب تغطية الوجه، وهذا معروف رأي الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله والشيخ محمد بن عثيمين والعلماء المعاصرون.أما إلغاء الخلاف فلا يمكن إلغاؤه، وأيضاً ينبغي أن يراعى قضية اختلاف البيئات، مرة اتصلت بي أخت من إحدى مدن الشام وقالت: إنها متدينة لكن تعاني مشكلة من زوجها ومن أولادها ومن جيرانها وتعيش حالة أشبه ما تكون بحالة اضطهاد بسبب محافظتها على الصلاة، وبسبب التزامها، وسمعت فتوى بتغطية الوجه، فتقول: بدأت أغطي وجهي فأصبحت -كما تقول لي- أربعين يوماً لا يرقأ لي دمع ولا أهنأ بعيش ولا نوم بسبب هذا الوضع الجديد الذي أضيف إلى معاناة قديمة، هذا غير مناسب، ينبغي أن تراعى ظروف الناس وبيئاتهم وأحوالهم ويكون في ذلك اعتدال. حكم الغناء والمعازف المقدم: طيب. هنا أيضاً كتاب أحكام الغناء والمعازف ؟الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: لم أر هذا الكتاب، ولكني اطلعت على كتاب آخر للشيخ عبد الله بن يوسف الجديع وأعتقد أنه بحث علمي في موضوع الغناء والموسيقى، وهو انتهى طبعاً إلى جوازها بصيغة معينة، أنا لا أتفق مع الشيخ عبد الله على النتائج، خصوصاً وأنه صح حديث البخاري الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) لكنني أقول: إن مثل هذه البحوث العلمية تربي القراء على الهدوء في معالجة هذه الأشياء، وتفهم الأمر بطريقة معتدلة بدلاً من أن يكون هناك نوع من السباب أو الصراخ أحياناً. قبول الله لتوبة العبد من معاصيه التي اقترفها قبل البلوغ وبعده المقدم: طيب. سعيد من إسبانيا ، هنالك خطأ عندما كان طفلاً.الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: لم أفهم سؤاله جيداً. المقدم: يعني يقول: هناك خطأ عندما كان عمري ست عشرة.. سبع عشرة سنة، عموماً بصرف النظر عن الخطأ أو اعتداء أو شيء من هذا القبيل، قد يكون بإرادته أو بغير إرادته، هو يقول: الخطأ الذي يحصل قبل سن الرشد، هل يغفر الله لي؟الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: إذا كان عمره ستة عشر فهو قد بلغ سن الرشد، لكن بكل حال! الله سبحانه وتعالى يغفر حتى للإنسان بعد سن الرشد، لكن المغفرة مرتبطة بأن الإنسان نادم، وبالتأكيد مثلاً الأخ سعيد لما يسأل ويطرح هذه القضية معناه أنه يستشعر الألم على الخطأ الذي صدر، الله تعالى يغفر الذنوب جميعاً، حتى الكافر والمشرك إذا تاب إلى الله تعالى وأناب تاب الله عليه وغفر له، بل إذا صدق التوبة الإنسان بدل الله سيئاته حسنات، فالله تعالى يغفر الذنوب جميعاً. المقدم: طيب. دينا من السعودية سأؤجل أسئلتها لأنها تنطلق منها إلى محاور في بقية وقت الحلقة. الرضا بقضاء الله وقدره وجعله منطلقاً لحياة جديدة المقدم: سالم من السعودية ، هنالك حادث وفقد إحدى قدميه ويقول: إن المجتمع أحياناً يعيرني فيه لكني أحياناً أحدث نفسي وأقول: لو أن الله لم يفعل أو لو ..؟الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: أخي سالم أولاً: هذا أمر قضاه الله وقدره، وأنت أمام الواقع هنا تكون أهمية الإيمان بالقضاء والقدر واستشعار رحمة الله تعالى، وأن اختيار الله لك أفضل من اختيارك لنفسك، الأحاسيس التي ترد في النفس -يعني: حديث النفس أو الوسوسة التي ترد أحياناً لو لو ..- ما لم ينطق بها الإنسان فإنها لا تضره، بل يمكن أن تعتبر أن ما حصل لك -أخي سالم - هو نوع من التحدي، بمعنى: أنك تحاول أن تثبت قدرتك على أن تعمل، وكثير من المعوقين استطاعوا أن يبدعوا وأن يعيشوا الحياة بشكل جيد وطيب وصحيح، لا تكن أسير هذه المعاناة أو هذا العجز الجزئي الذي تعيشه، انطلق منه ليكون تحدياً لتثبت لنفسك وللآخرين قدرتك على العمل. حكم الاحتلام في نهار رمضان المقدم: الاحتلام في نهار رمضان؟الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: الاحتلام لا يؤثر على الصيام، وإنما على الإنسان إذا وجد أثر الاحتلام.. يعني: الماء قد خرج منه عليه أن يغتسل.وأدعو الله تعالى لك -يا أخي سالم - أن الله تعالى يشرح قلبك بالإيمان، ويفتح لك أبواب الخير والرحمة ويعافيك أيضاً. المقدم: آمين. حكم إسقاط الحمل قبل نفخ الروح المقدم: محمد من ليبيا يقول: أخطأت فحملت فأسقطت، أسقط الحمل؟الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: هنا طبعاً الحمل إسقاطه قبل نفخ الروح، فعلى الأخت أن تستغفر الله عز وجل مما حصل منها وتكثر من الأعمال الصالحة. رد الدعاء للقدر المقدم: طيب. أنا أرجع لـدينا والحقيقة أن أسئلتها هي المحاور الباقية عندي. تتكلم عن علاقة القضاء بالدعاء، يعني: الدعاء يرد القدر؟الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: بالنسبة للقدر المكتوب.. يعني: قد يكتب الله تعالى على العبد أن يقع له شيء لو لم يفعل شيئاً آخر، لو لم يدع الله تعالى، فيكون الدعاء مما يصرف الله تعالى به عن الإنسان أمراً كان سوف يصيبه، وفيما يتعلق: "أما لو اطلعتم على الغيب لرضيتم بالمقدور" هذا ليس بحديث، ولكنه قد يكون في كثير من الحالات معناه صحيح. عدم توفق الإنسان في رزقه رغم سعيه في ذلك يحمله على مراجعة نفسه والنظر في الأسباب الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: سؤالها الثالث لم أفهمه .. هل هو ابتلاء أو قدر؟ المقدم: يعني: كون الإنسان يسعى ويجري في الرزق لكنه لا يوفق، فهل في هذا الموضوع قضاء وقدر أم أنه امتحان وابتلاء من الله؟ الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: هو قضاء وقدر، لكن هنا نرجع كما تفضلت لقضية الاحتجاج بالقدر، حين يكون قدراً ما معناه؟ هل معناه أنني أستسلم وأقول لا فائدة، وإلا معناه أن القدر يوجب علي هنا أن أبحث عن سر الإخفاق؟ هل هناك تقصير في فعل الأسباب؟ هل هناك نوع من التسرع؟ هل الدراسات ناقصة؟ الله تعالى هنا يأمرنا بأن نفعل الأسباب حتى يكون القدر في المرة القادمة في صالحنا. حقائق يجب استحضارها عند الرد على من يحتجون بالقدر على ما يأتونه من ذنوب ومعاص الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: أما مسألة الاحتجاج بالقدر كما أنت ذكرتها فهذه قضية مهمة جداً، يعني: الكثيرون يحتجون بالقدر سواءً على الذنوب التي فعلوها أو على أشياء أخرى. الله عز وجل حكم عدل لا يظلم أحداً من خلقه الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: فأولاً أقول: يجب أن يعلموا أن الله تعالى حكم عدل، ولا يظلم ربك أحداً، وهو سبحانه يقول: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا)، الله لا يظلم عباده، وهو سبحانه العدل الذي يحاسب الخطائين والمذنبين والمقصرين والظالمين، ويقول ((وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ))[التكوير:8-9] فيوم القيامة يوقف أباها ويحاسبه أمام الخلائق عما عمل ببنيته الصغيرة، فالله تعالى حكم عدل، فلا يمكن أن يظلم أحداً من عباده، هذه قضية يجب على الإنسان أن يستحضرها بشكل جيد؛ لأنها تعفيه أحياناً من الخوض في مسائل القدر التي قد لا يعرف تفاصيلها. إرادة الله عز وجل لا تنفي اختيار الإنسان وإرادته الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: النقطة الثانية التي ذكرناها: أن إرادة الله سبحانه وتعالى في عباده ليست إرادة اعتباطية وإنما هي إرادة منسجمة مع الإنسان نفسه وما يمكن أن يعمل، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله الصحابة، قالوا: (يا رسول الله! ألا نتكل وندع العمل؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له، فمن كان من أهل الشقاوة ييسر لعمل أهل الشقاوة، ومن كان من أهل السعادة ييسر لعمل أهل السعادة).إذاً: هذا الإذن الإلهي للإنسان بفعل المعصية منطلق من إرادة الإنسان أن يفعل المعصية . الحساب يوم القيامة يكون على الإرادة الفعلية للإنسان التي لا ينكرها عقل ولا فطرة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: النقطة الثالثة: أن الحساب يوم القيامة على الأعمال، الحساب مبني على الإرادة الضرورية التي تشعر بها، والواحد منا اليوم في الدقيقة الواحدة يرى كم يعمل من عمل، قرأ وكتب وقام وقعد ودخل وخرج واستقبل ضيوفاً وودع وأكل وشرب، هذه الأعمال على مدار الساعة التي يمارسها الإنسان بإرادته المحضة هي الفطرة الضرورية التي لا تحتاج إلى كثير جدل، شعور ضروري أخلاقي عند كل إنسان بأنه مختار وأنه ليس هناك أحد يقهره على فعل شيء أو ترك شيء، هذا هو القدر، ولهذا يقول بعض السلف وهو محمد بن واسع : [إن الله تعالى لا يحاسب العباد يوم القيامة على ما قضاه وقدره، ولكن يحاسبهم على ما عملوا]. مواطن يناسب فيها الاحتجاج بالقضاء والقدر الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: أيضاً: الاحتجاج بالقضاء والقدر قد يكون سليماً في حالات معينة، مثل الاحتجاج بالقضاء والقدر على المصائب التي وقعت، بحيث تكون دواء لقلب الإنسان من الآلام، من الحزن، من الشعور بالفقد، فهذا خير دواء أن يحتج الإنسان بالقدر والقضاء، أيضاً على ما ترتب على هذا الحادث. زد على ذلك أنه قد يحتج الإنسان بالقضاء والقدر على ذنب مضى لكن بشرط أن يتوب منه وينيب؛ لأنه يعالج قدر الذنب بقدر التوبة لله سبحانه وتعالى، ولذلك عمر رضي الله عنه لما ذهب إلى الشام وعلم أن الطاعون موجود، فقالوا: [يا أمير المؤمنين! نمضي. قال: لا، نرجع. فقالوا: تفر من قدر الله؟] لاحظ هنا لو قيل للواحد: يا أخي! أنت تهرب من القدر؟ قال: لا، أعوذ بالله أن أهرب من القدر؟! القدر يدركني. لا. عمر رضي الله عنه بشجاعته وجرأته وفقهه وأنه صح باطنه ففصح لسانه قال: [نعم أفر من القدر]. أوجد هذا التحدي وسبك هذه العبارة الجميلة وهي شعار يجب أن يرفع، نفر من القدر لكن إلى أين؟ ليس إلى منطقة لا قدر فيها، إلى قدر الله سبحانه وتعالى أيضاً.فالذي يرعى في المنطقة المعشبة بقدر الله، والذي يرعى في المنطقة التي لا عشب فيها هو بقدر الله أيضاً، فيفر الإنسان من القدر ويعالج الأقدار بالأقدار، ولذلك أيضاً يروى عن الشيخ عبد القادر رحمه الله أنه يقول: كل الناس إذا ذكر القدر أمسكوا ولم يتكلموا إلا أنا، فإنه فتح لي فيها روزنة -يعني فتحة أو نافذة- فعالجت أو نازعت أقدار الحق بالحق.فالإنسان يعالج القدر ويفر من القدر إلى القدر، فعدم دخول -مثلاً- المناطق الموبوءة من القدر، والتزام الإنسان بالأسباب أيضاً هو من القدر، ولذلك أقول بكل أهمية: إن أخطاء المسلم الفردية الآن، كون المسلم عنده معاص أو ذنوب أو تقصير أو ترك الصلاة أو عقوق والدين هذه ذنوب، لا يجوز أن يحتج الإنسان بالقدر على الإصرار على الذنب، ولكن عليه أن يعالج هذه الذنوب بالاستعانة بالله والفرار إلى قدر الطاعة .كذلك الذنوب الجماعية ذنوب المسلمين، التخلف الآن، التشتت السياسي، الانهيارات التي نشهدها في العالم الإسلامي، الفشل في إدارة كثير من الأزمات داخل المجتمعات الإسلامية، الهروب من مواجهة المشكلات، كما يقال: الهروب إلى الأمام، هذه أيضاً من الأقدار المؤلمة التي يبتلى بها المسلمون، ونحن لا نريد أن نتحدث عن الماضي، نريد أن نتحدث عن المستقبل، أن نعالج هذه الأقدار؛ أقدار الفشل السياسي في العالم الإسلامي بقدر الاستقامة والحوار الصادق والاستعداد القاطع لمحاولة الإصلاح من داخل العالم الإسلامي، من داخل دول المسلمين وليس أن تأتي قوة خارجية لتفرض علينا ما يسمى بالإصلاح . الرضا بالقدر وعدم الرضا بالمقدور المقدم: تمام الإيمان بالقضاء والقدر الذي تكلمت عنه الآن يا شيخ -طوال الفترة الماضية من الحلقة- كيف أوظفه أنا كشخص مسلم عامي بسيط في حياتي كأثر إيجابي؟ الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: مهم، وهذا يمكن هو أهم قضية، يعني: قضية الرضا والتكيف، مثلما ذكر أخونا الذي تحدث عن مشكلة وقعت له.. قضية الإيمان والرضا والتكيف:دع المقادير تجري في أعنتهـا ولا تبيتن إلا خالي البالما بين غمضة عين وانتباهتهـا يغير الله من حال إلى حالوالرضا هنا فيه لبس، كيف نرضى؟ نرضى بالخطأ؟ نقول: نرضى بالقدر من حيث هو فعل الله سبحانه وتعالى، لكن لا نرضى بالمقدور ، بمعنى: لو تصورنا أن إنساناً مقتول، الآن من حيث كونه مات وانتهى ودفن هذه قضية يجب أن نرضى بها، وأن أجله قد انتهى، ولذلك نسلم ونقول: إنا لله وإنا إليه راجعون. لكن من حيث القضية ومن الذي قتله، ومن المسئول عن قتله، وما هي تداعيات هذا القتل ومحاسبة المخطئ، هذه قضية لا نرضى بها، بل ينبغي أن يكون هناك نوع من فتح -إن صح التعبير- الموضوع ومتابعته بشكل جيد. فالرضا بالقدر غير الرضا بالمقدور ذاته، هذه قضية مهمة. من إيجابيات الإيمان بالقدر الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: أيضاً القدر يعين الإنسان -فهد - على عملية الشجاعة والكفاءة في مواجهة مشكلات الحياة، ليس الشجاعة فقط في المعركة، الشجاعة في المعركة شيء، و علي رضي الله عنه كان يخوض المعركة ويقول: أي يومي من الموت أفر يوم لا قدر أم يوم قدريوم لا قدر لا أرهبه ومن المقدور لا ينجو الحذر فيعطي الإيمان بالقدر الإنسان دفعة من الشجاعة، لكن أقول: الشجاعة في مواجهة معركة الحياة كلها، الشجاعة في مواجهة معركة الحياة وليس فقط معركة السيف .قضية العفو والصفح، وهي من أهم القضايا التي نحتاج إلى إشاعتها في مجتمعاتنا الإسلامية، تربية الناس على السماح والعفو والصفح، القضاء والقدر يحفز الإنسان على هذا المعنى، وما أصابك من فلان فهو قضاء من الله تعالى وقدر ، فالإنسان يعفو ويصفح ويصحح.أيضاً: قضية التوكل وفعل الأسباب، فالمصيبة الكبرى أن كثيراً من المسلمين يفهمون القدر على أنه استسلام، ويتركون السبب ويحتجون بالقدر ، بينما القدر هو الذي يحفز الإنسان على فعل السبب وعلى البحث عن قدره وعلى التوكل على الله سبحانه وتعالى، ولهذا قال: ((مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ))[التغابن:11] فالمصائب التي نزلت هي بإذن الله، لكن الإنسان عليه فعل وهو الإيمان بالله سبحانه وتعالى والتوجه إليه، ولهذا أيضاً قال عليه السلام: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز) فالإنسان يحرص على المصالح، ويستعين بالله تعالى على تحقيقها، ولا يئول إلى العجز والقعود واتهام النفس بأنها لا تستطيع أن تصنع شيئاً، ومع ذلك إذا فشلت هذه الأسباب لا يقل: لو أني فعلت، وإنما يقول: قدر الله وما شاء فعل. هذا يمنح الإنسان مزيداً من القدرة على تكرار المحاولة وأنه لا ييأس من فشل مرة أو مرتين أو ثلاث.أخيراً: القضاء والقدر يمنح الإنسان قدرة كبيرة على الإيجابية في مواجهة الحياة . المقدم: جميل. وهذا هو ربما العنوان الأبرز الذي كنت أريد أن أصل إليه. خاتمة الحلقة المقدم: باسمكم جميعاً أيها الإخوة المشاهدون والمستمعون نشكر فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة ، وقد أمضينا معه ساعة أو ما يقاربها في حديث عن القضاء والقدر، وقد تناقشنا أيضاً في محور كنا وعدناكم فيه بالأمس عن علاقة الدعاء بالقضاء والقدر.غداً سيكون إن شاء الله عز وجل لنا حديث مع الزهد والورع، كيف تكون علاقة الزهد والورع، وما هي التكاملية فيما بينهما وتقاطع ما بينهما، وأيضاً كيف يحيا المؤمن والزهد والورع نصب عينيه، وكيف يعايش الحياة في كل مباهجها، وهذا هو العنوان الذي يكون نصب عينيه، وكيف يسايرها في بهجة وفرح.نلتقيكم في الغد بمشيئة الله عز وجل، سلام الله عليكم ورحمته تعالى وبركاته.الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: وعليكم السلام ورحمة الله.