ÇáÑÆíÓÉ ›دروس›شرح بلوغ المرام›كتاب الصيام›كتاب الصيام [2] كتاب الصيام [2] الثلاثاء 24 ربيع الأول 1439هـ طباعة د. سلمان العودة 1568 متابعة النص إلغاء متابعة النص الأنتقال الى النص شرح حديث (لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين...) بسم الله الرحمن الرحيم.الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وصلوات الله وسلامه على سيدنا محمد خير البرية وأزكى البشرية، معلم الناس الخير، وعلى آله وأزواجه وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.وسلام الله عليكم أيها المؤمنون ورحمة الله وبركاته.رقم الدرس الذي كان البارحة تقريباً مائتان وأربعة عشر من شرح بلوغ المرام، وفي هذه الليلة رقم الدرس هو مائتان وخمس عشرة، وهو الدرس الثاني في هذه الدورة المكية المباركة.عندنا حصة، وهذه عبارة عن سبعة أحاديث نبوية.قد يقول البعض: إنه لم يتابع شرح هذا الكتاب من أوله، فهذا صحيح، ولكن أنت تستطيع أن تواصل كتاب الصيام، فسوف ننجزه بإذن الله تعالى كاملاً غير منقوص. وثانياً: الطالب المتابع أو حتى الذي يتابع عبر هذه الفضائيات المباركة التي تنقل هذه الدروس وهذه الدورة، هو يستطيع أن يجرب نمطاً من الدرس العلمي والشرعي، ويستعذبه ويتعلم منه طريقة معينة، وإن لم يكن حصل على شرف متابعة الكتاب من أوله إلى آخره.كتاب الصيام، الحديث رقم ستمائة وخمسون.يقول المصنف رحمه الله الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه بلوغ المرام : كتاب الصيام.وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين، إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه ) متفق عليه. تخريج الحديث أولاً: تخريج هذا الحديث.هذا الحديث رواه البخاري كما ذكر المصنف رحمه الله، في كتاب الصوم، باب لا يتقدم رمضان بصوم يوم ولا يومين، ورواه مسلم أيضاً في كتاب الصوم، الباب نفسه، ولفظ المصنف الذي ساقه هو لفظ مسلم، علماً بأن الأبواب التي في صحيح مسلم هي من وضع الترمذي رحمه الله -العناوين-، وليست من وضع الإمام مسلم نفسه.وقد أخرج هذا الحديث السبعة، من هم السبعة؟قلنا: البخاري، مسلم.. مداخلة: أحمد.الشيخ: أحمد، أبو داود، الترمذي، النسائي، ابن ماجه. فهذا حسب اصطلاح المصنف رحمه الله، وكلهم أخرجوه في كتاب الصوم، أما الإمام أحمد فأخرجه في مسنده في مسند أبي هريرة رضي الله عنه.ورواه أيضاً ابن حبان في صحيحه، وأبو عوانة في مستخرجه الذي صنفه على أبواب مسلم، وخرج فيه أحاديث مسلم بأسانيد خاصة به كما هو معروف، والدارقطني أيضاً في سننه و الطيالسي وسواهم من الأئمة.هذا ما يتعلق بتخريج الحديث، وحسبك أنه في المتفق عليه. غريب ألفاظ الحديث النقطة الثانية: ما يتعلق بغريب ألفاظ الحديث، فقوله عليه الصلاة والسلام: ( لا تقدموا ) هذا نهي، اللام ناهية، وأصلها (لا تتقدموا) فيها تاءان، حذفت إحداهما على سبيل التخفيف فقال: ( لا تقدموا )، وهو نهي عن أن يسبق الرجل صيام رمضان بصوم يوم أو يومين.قوله صلى الله عليه وسلم: ( إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه ). (إلا رجل) هذا استثناء، والأرجح والأفصح أن يقال: (إلا رجلاً)، ولكن هكذا جاءت الرواية في صحيح مسلم، أما في البخاري فجاءت الرواية: ( إلا أن يكون رجل كان يصوم صوماً فليصمه )، وعلى كل فكلا الوجهين صحيح، وإن كان بعضها أفصح من بعض، وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو أفصح من نطق بالضاد، ولكن هذا لا يمنع من اختلاف الرواة أحياناً في بعض هذه الحروف، وقد نقل جماعة منهم أنه في مسلم ( إلا رجلاً )، ولكن الذي في المطبوع كما في الكتاب ( إلا رجل ). حكم تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين ما يتعلق بالنقطة الثالثة في الحديث: فهي المسائل الفقهية التي يتعلق بها بحث.أولاً: مسألة تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين، أن يصوم الإنسان قبل رمضان يوماً أو يومين.ظاهر الحديث النهي عنها ( لا تقدموا رمضان )، ولكن هل هذا النهي للتحريم أم هو للكراهة؟ على قولين لأهل العلم: القول الأول: أن النهي هنا للكراهة لا للتحريم، وهذا مذهب جمهور أهل العلم.. أكثر أهل العلم أن النهي في ( لا تقدموا ) للكراهة.. كراهة التنزيه وليست للتحريم.وهو المشهور أيضاً من مذهب الحنابلة، يعني: هو مذهب الأئمة الثلاثة: الشافعي ومالك وأبي حنيفة، وهو المشهور عند الحنابلة، ولهذا قلنا: إنه مذهب الجمهور.ما الذي يصرف النهي في قوله: ( لا تقدموا ).. ما الذي يصرفه عن التحريم إلى الكراهة؛ لأن الأصل في النهي التحريم؟ فنقول: الذي يصرفه:أولاً: الاستثناء في الحديث نفسه، فقوله: ( إلا رجل كان يصوم صوماً )، هذا الاستثناء يصرف أصل النهي عن التحريم إلى الكراهة.الدليل الثاني الذي يصرف الحديث: هو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان، في حديث عائشة في الصحيح ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان أكثره بل كله ). إذاً النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان كله أحياناً، ويتقدم رمضان بشهر كامل بما في ذلك اليوم واليومين الأخيرة من شهر شعبان، فهذا دليل عند هؤلاء على أن النهي للكراهة.القول الثاني: أن النهي في الحديث للتحريم، وعليه فلا يجوز للإنسان أن يصوم قبل رمضان يوماً أو يومين، يعني: آخر يومين من شعبان أو آخر يوم من شعبان، لا يجوز له أن يصومه، وهذا هو قول الشافعية.يمكن أنا أخطأت ونسبت القول الأول للشافعي، هو مذهب الجمهور، القول الثاني هو قول الشافعي ورواية عن أحمد، أن ذلك للتحريم.وحجتهم: أولاً حديث الباب، وأن ظاهر النهي يدل على تحريم السبق. والأقوى من هذه الأقوال، ليس بالضرورة أن نقول: الراجح، لكن نقول: التأليف بين هذه الأقوال أن يقال: إن تقدم رمضان بيوم أو يومين يختلف بحسب الأحوال، ففي حال يكون تقدم رمضان بيوم أو يومين حراماً، وذلك كما إذا تقدم على سبيل الاحتياط لرمضان، فهذا يكون محرماً كما سوف يأتي مزيد إيضاح لهذه النقطة؛ لأن الحدود الشرعية محددة رمضان يعني ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته )، فإن كان التقدم على سبيل الاحتياط لرمضان يكون حراماً، هذه هي الحالة الأولى.الحالة الثانية: ألا يكون على سبيل التقدم، وإنما يكون على سبيل النفل، ولكنه خص هذين اليومين، فيكون حينئذ أيش؟ مداخلة: للكراهة.الشيخ: مكروهاً.. فيكون مكروهاً نعم.الحالة الثالثة: أن يكون ذلك من رجل اعتاد أن يصوم، وليس من أجل رمضان ولا للنفل المطلق، وإنما مثل رجل صام شعبان كله كما ذكرت، أو رجل يصوم يوماً ويفطر يوماً، أو يصوم الإثنين والخميس، أو رجل عليه نذر، أو اعتاد أن يصوم هذه الأيام الأخيرة من كل شهر مثلاً، عادة له، ليس لخصوص رمضان، فهذا نقول: إن الأمر فيه مباح وواسع.إذاً يختلف حكم هذه الأيام بحسب النية. حكم تقدم رمضان بصوم أكثر من يومين أيضاً من مسائل الحديث مسألة أخرى: وهي إذا كان الحديث نهانا أن نتقدم رمضان بيوم أو يومين، لو أن الإنسان تقدم رمضان بأكثر من يومين، ثلاثة أيام.. أربعة .. خمسة.. فما هو الحكم؟ نقول: إذا تقدم رمضان بأكثر من يومين، فإن جمهور أهل العلم على أن ذلك جائز لنص الحديث، قالوا: إن النهي وإن كان عندهم للكراهة إلا أنه مقيد باليوم أو اليومين، فمن زاد لا يدخل في النهي، هذا أولاً.ثانياً قالوا: لأن الأصل هو الجواز، فالتنفل في الصيام مطلق إلا ما ورد النهي عنه على وجه الخصوص، فلذلك قالوا: إن الأصل هو الجواز، بل إن الأصل هو المشروعية؛ لأنها أيام من شعبان، وشعبان مما يستحب صيامه، كان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه.القول الثاني: قول الشافعية، قالوا: يبتدئ المنع أو يبتدئ النهي من ستة عشر شعبان، يعني: بعد النصف من شعبان لأن النصف يعتبر من أيام البيض، فيستحب صيامه عند كثير من أهل العلم.. الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، لكن قالوا: بعد النصف من شعبان لا يصوم شيئاً حتى رمضان، فيبتدئ المنع عندهم من السادس عشر من شعبان. ما هي الحجة في ذلك.. حجة الإمام الشافعي ؟حجتهم حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا )، يعني: بعد النصف. وهذا الحديث أخرجه أصحاب السنن، أخرجه الترمذي وصححه في سننه، وأخرجه أيضاً ابن حبان وأبو عوانة وصححه، وابن خزيمة وابن حزم وابن تيمية وابن عبد البر، وصححه من المعاصرين الشيخ الألباني والشيخ ابن باز رحمهم الله جميعاً.فعلى هذا النص ( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ) يقول الشافعية: إن النهي عن تقدم رمضان يبدأ من ستة عشر شعبان.طيب. هذا الحديث لو صح لكان مستمسكاً لهم، ولكن في الواقع أن في إسناد الحديث علة أو ضعفاً، فقد ضعفه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين أيضاً، وابن مهدي والبيهقي وأبو زرعة، والأثرم وابن رجب، وأعرض مسلم رحمه الله عن إخراج هذا الحديث لعلة فيه، حتى إن الإمام أحمد قال: لم يرو العلاء -العلاء بن عبد الرحمن- أنكر من هذا الحديث، وكذلك يحيى بن معين قال: هذا حديث منكر.إذاً العلاء بن عبد الرحمن تفرد بهذا الحديث، ومثل تفرده لا يقبل.فلذلك القول الراجح أن حديث ( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ) معلول، ولا يستقيم الاستدلال به على إثبات حكم شرعي، والأئمة الكبار أعلوا الحديث بغرابته ونكارة متنه، وقد يقبل الأئمة من الراوي الأحاديث التي وافق فيها الجماعة، لكن إذا انفرد بحديث فإنهم لا يقبلونه بل يعد من مناكيره؛ لأن الراوي وإن كان صدوقاً أو ثقة إلا أنه قد يغرب أو يأتي بالمنكر من الأحاديث.ولهذا فإن الراجح هو مذهب الجمهور: أنه لا بأس أن يتقدم الإنسان صوم رمضان بأكثر من يومين ما لم يكن قصده أو مراده الاحتياط لشهر رمضان. من فوائد الحديث النقطة الرابعة: فوائد الحديث.من فوائد الحديث: النهي عن تقدم رمضان بيوم أو يومين على سبيل الاحتياط للعبادة.أيضاً من فوائد الحديث: أن ذلك جائز لمن وافق صيامه المعتاد، ولا تثريب عليه فيه.من فوائد الحديث أيضاً: الإشارة إلى الحكمة -والله أعلم- في هذا النهي؛ فإن المقصود من ذلك هو عدم دخول الفرض في النفل، كما تجدونه في الصلاة مثلاً، ( نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يصل الرجل صلاة بصلاة -يعني: النافلة بالفريضة-، إلا أن يتكلم أو يقول شيئاً )، حتى لا تتداخل الفرائض بالنوافل، ويطول بالناس الزمن فتمتد عندهم الفريضة، فكأن الشريعة جعلت حمى للفريضة لا ينبغي للإنسان أن يتجاوزه؛ لئلا تزول الأسوار بين الفرض وبين النفل، ومن هنا جاء النهي عن صوم يوم الشك، كما سوف أعرض له بعد قليل.. فلعل هذا هو أقرب ما يكون من الحكمة.ويمكن أن يلتمس حكم أخرى مثل الاستعداد لرمضان، أن يكون الإنسان مفطراً فيكون مستعداً لرمضان، لكن الحكمة الأولى أقرب؛ بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان كله، وهذا يضعف الإنسان نوعاً ما عن صيام رمضان، ولكن الصيام هنا ليس بنية الاستعداد لرمضان، وإنما على أنه نفل.أيضاً من فوائد الحديث: جواز إطلاق لفظ (رمضان) بدون كلمة الـ(شهر)، كما ذكرت البارحة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم هنا قال: ( لا تقدموا رمضان )، هذا ما يتعلق بالحديث الأول. شرح حديث (من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم ) الحديث الثاني رقم ستمائة وواحد وخمسون -على حسب النسخة المتوفرة معي-: هو حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: [من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم].الحديث ذكره البخاري تعليقاً، ووصله الخمسة كما يقول المصنف، وصححه ابن خزيمة وابن حبان. قصة الحديث أولاً: هذا الحديث له قصة، وهي: أن عماراً كما يقول أبو إسحاق السبيعي: عن صلة، أنه قال: [كنا عند عمار فقدمت لنا شاة -شاة مصلية مشوية- ليأكل، فتنحى بعض القوم، يعني: ابتعدوا فلم يأكلوا، واحتجوا بأنهم صيام، فقال عمار رضي الله عنه: من صام هذا اليوم فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم]. تخريج الحديث النقطة الثانية: ما يتعلق بالتخريج، فهذا الحديث كما يقول المصنف: ذكره البخاري تعليقاً.والتعليق ما هو في البخاري؟ أنه لا يذكره بالإسناد، فإذا قيل: رواه البخاري تعليقاً معناه أنه ليس على شرطه، ولم يذكره بإسناده، وإنما طوى البخاري أول الإسناد من جهته، وجاء بالإسناد من وسطه أو من آخره.على سبيل المثال في هذا الموضع قال البخاري: قال صلة: كنا عند عمار، فهذا تعليق؛ لأن البخاري لم يقل: حدثنا فلان حدثنا فلان، وإنما قال: قال صلة، والعلماء يقولون: إنما ذكره البخاري تعليقاً على صفة الجزم فغالبه صحيح، ولكنه يتقاصر أو يتقاعد عن شرط البخاري، ولذلك لا يذكره بالإسناد مراعاة للتفنن والدقة في الرواية والإخراج. فهذا معنى قول المصنف: علقه البخاري.وقد علقه البخاري في كتاب الصوم، باب إذا رأيتم الهلال فصوموا؛ إشارة إلى معنى الحديث في النهي عن صوم الشك.ورواه أيضاً أبو داود في كتاب الصوم، باب كراهية صوم يوم الشك، ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجه كلهم في كتاب الصيام، ورواه أيضاً ابن خزيمة وابن حبان والحاكم.وحينما نقول: رواه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، هذا يعني تصحيحهم للحديث عندهم أو على طريقتهم، وإن كانوا يتسامحون في تصحيح الأحاديث، لكن الأحكام يعزز بعضها بعضاً.طيب. وقد صحح الحديث جماعة منهم الترمذي حيث قال: هذا حديث حسن صحيح، وابن خزيمة وابن حبان والحاكم كما ذكرت، والدارقطني في سننه قال: إسناده صحيح ورجاله ثقات.وفي الحديث عنعنة أبي إسحاق السبيعي عن صلة، وأبو إسحاق إمام جليل القدر، عظيم الرواية، ولكنه قد عنعن هنا عن صلة، يعني: لم يصرح بالتحديث.أيش معنى التحديث؟ أن يقول: حدثنا، أما العنعنة فهي أن يقول: عن، وبينهما فرق.. لاحظ هنا الدقة المتناهية. الفرق: إذا قال: (حدثنا) وهو ثقة ثبت معناه أنه سمع منه مباشرة، أما إذا قال: (عن) وهو مظنة أن يكون مدلساً؛ لأن المدلسين أيضاً معروفون، فيحتمل أن يكون لم يسمعه منه مباشرة، وإنما سمعه بواسطة راوٍ آخر، هذا الراوي الآخر لا ندري من هو، فيحتمل أن يكون راوياً ضعيفاً، هكذا تكون الدقة في الرواية والضبط.أبو إسحاق السبيعي على جلالته هنا قد عنعن، ولم يوجد أنه صرح بالتحديث في أي موضع من مواضع رواية هذا الحديث، ولذلك ذكر الترمذي في كتاب العلل رواية عن أبي إسحاق السبيعي أنه قال: حُدِّثت عن صلة، وهذا يحتمل، معناه أنه لم يسمع منه مباشرة، ولذلك أعرض البخاري عن تخريج هذا الحديث بإسناده، وساقه معلقاً. ولكن للحديث طريق أخرى عند عبد الرزاق وابن أبي شيبة يتقوى ويتعزز بها هذا الطريق، وله أيضاً شاهد عن ابن عباس بمثله، ويشهد له حديث أبي هريرة الذي قبله، ولذلك نقول: إن هذا الحديث حسن الإسناد، والله أعلم.كما أن في الباب -باب تجنب صيام يوم الشك- آثار عن جماعة من الصحابة ذكرها البيهقي في سننه . ألفاظ الحديث ما يتعلق بالنقطة الثالثة: وهي ألفاظ الحديث.قوله: [من صام اليوم الذي يشك فيه]، وفي الرواية الأخرى: [من صام هذا اليوم وكان يوم الشك]، المقصود الشك فيه هل هو من رمضان أو ليس من رمضان، وسوف يتبين بعد قليل أن العلماء اختلفوا في تعريف يوم الشك ما هو، ما هو اليوم الذي يطلق عليه يوم الشك بالضبط؟ هل هو دائماً اليوم الأخير لشعبان، أم هو اليوم الذي يكون فيه غيم ويشك الناس إن كان من رمضان أو ليس من رمضان؟قوله: [فقد عصى أبا القاسم]، إطلاق لفظ المعصية يطلق على مخالفة الأمر (( أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي ))[طه:93]، وهذا دليل على أن ذلك محرم عند عمار رضي الله عنه، وأنه سمع من النبي صلى الله عليه وسلم النهي، كذلك ارتكاب النهي يعتبر معصية.وقوله: (أبا القاسم) هذه كنية سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، والقاسم هو أكبر ولده، وأم القاسم من هي؟ مداخلة: خديجة.الشيخ: خديجة نعم، والقاسم يقول أهل السير: إنه مات قبل البعثة، ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يكنى به، وفي الصحيحين من حديث أنس: ( أن رجلاً من الأنصار قال لآخر بـالبقيع: يا أبا القاسم! فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لم أعنك يا رسول الله، وإنما عنيت فلاناً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تسموا باسمي، ولا تكتنوا بكنيتي )، فأصبح التسمي بمحمد جائزاً، على الأقل، وإن كان قد نأخذ من هذا الحديث ( تسموا باسمي ) أنه مستحب، وهذا العلماء يقولون: التسمي بعبد الله وعبد الرحمن، هذا ورد فيه ( خير الأسماء عبد الله وعبد الرحمن )، لكن قوله: ( تسموا باسمي ) قد يحمل على الإباحة بقرينة أنه قال: ( ولا تكتنوا )، يعني: نهى عن هذا وأباح هذا، وقد يكون دليلاً على الأفضلية والاستحباب لهذا الاسم الشريف العظيم، الذي حمله سيد ولد آدم بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، وألحقنا الله في شفاعته، وأوردنا حوضه، وأقر عيوننا بمجالسته في جنات النعيم.إذاً كنيته صلى الله عليه وسلم أبو القاسم كما في أحاديث وروايات كثيرة جداً.هل للنبي صلى الله عليه وسلم كنية أخرى؟ نعم ورد كنية، ابنه المشهور من هو؟ مداخلة: إبراهيم.الشيخ: إبراهيم نعم، وإبراهيم أمه هي مارية القبطية، ومات وهو رضيع كما هو معروف أيضاً، وقد ورد قليلاً تكنيته صلى الله عليه وسلم بأبي إبراهيم، فقد روى الحاكم في مستدركه ( أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: يا أبا إبراهيم )، ولكن هذه الرواية عند الحاكم فيها عبد الله بن لهيعة، وهو وإن كان شيخاً ثقة إلا أنه اختلط، فلذلك نقول: إن في هذا الحديث ضعفاً، والمشهور من كنية النبي صلى الله عليه وسلم هي أبو القاسم. طيب. ماهية يوم الشك النقطة الرابعة: ما يتعلق بمسائل الحديث. المسألة الأولى -كما أشرت قبل قليل-: ما هو يوم الشك ( من صام يوم الشك ).. ما هو يوم الشك؟اختلف العلماء في تحديد يوم الشك على قولين: القول الأول: قول الحنابلة، المشهور عنهم والذي نصره الكثير منهم، بل ألفوا فيه الكتب، قالوا: يوم الشك المنهي عن صيامه هو يوم الثلاثين من شعبان إذا كانت ليلته صحواً، فهذا هو يوم الشك الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يعني: ولم ير الهلال، فهذا هو القول الأول.وبناءً عليه فإن الحنابلة يرون أنه إذا كانت ليلة الثلاثين من شعبان غيم أو فيه قتر أو غبار شديد، ولم يستطع الناس رؤية الهلال، هل يكون عندهم يوم شك أو لا؟ لا، عندهم في هذه الحالة إذا حال دون رؤية الهلال ليلة الثلاثين غيم أو قتر، هذا عندهم لا يسمى يوم شك، وإنما يستحبونه أو يوجبون صيامه احتياطاً لرمضان، وهذه تسمى من مفردات المذهب، ما هي مفردات المذهب؟ هي المسائل التي انفرد فيها الإمام أحمد عن الثلاثة، فهذه من مفردات المذهب.وهذا القول الذي ذهب إليه الحنابلة في تعريف يوم الشك، وأنه يوم الثلاثين إذا كان صحواً ولم ير الهلال، هو قول منقول عن جماعة من الصحابة، نقل عن عمر بن الخطاب وعن عبد الله بن عمر، وعمرو بن العاص وأبي هريرة وأنس وعائشة وأسماء وغيرهم. وحجتهم في هذا القول هو حديث ابن عمر رضي الله عنه، المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( الشهر تسع وعشرون، فلا تصوموا حتى تروا، ولا تفطروا حتى تروا، فإن غم عليكم فاقدروا له )، قالوا: معنى (اقدروا له) هنا -هذا التعريف الحنبلي إن صح التعبير- (اقدروا له) يعني: ضيقوا عليه، والقدر يأتي بمعنى التضييق (( وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ ))[الطلاق:7] يعني: ضُيّق عليه رزقه، فقالوا: إن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( فإن غم عليكم ) يعني: كان فيه غيم أو شيء يحول دون الرؤية، السماء ليست صافية، ( فاقدروا له ) أي: ضيقوا عليه. والتضييق كيف يكون؟ نضيق على شعبان بأن يكون تسعة وعشرين يوماً، ونلحق اليوم الأخير في ليلة الغيم تلك نلحقه برمضان، فنكون قدرنا على شعبان، يعني: ضيقنا عليه. هذا تعريفهم له، بجعله تسعة وعشرين يوماً.إذاً هذه حجتهم في تعريف يوم الشك، وهو أنه يوم الصحو، فأما إن وجد غيم فيحتجون هم بالحديث الآخر ( إن غم عليكم فاقدروا له ).إذاً الحنابلة يقولون أحد احتمالين: إما أن تكون الليلة ليلة الثلاثين صحواً، ولا يرى الناس الهلال، في هذه الحالة ماذا يكون الأمر؟ مداخلة: يوم الشك.الشيخ: يكون يوم شك، ويحرم صيامه.الاحتمال الثاني: أن تكون الليلة غيماً يحول دون رؤية الهلال، فحينئذ لا يكون عندهم يوم شك، وإنما يصومونه تضييقاً على شعبان واحتجاجاً بهذا الحديث. القول الثاني في تحديد وتعريف يوم الشك، هو قول الجمهور قالوا ..، طبعاً الجمهور أبو حنيفة ومالك والشافعي، ويروى أيضاً رواية عن الإمام أحمد قالوا: أنه إذا كان هناك صحو.. إذا كان يوم الثلاثين صحواً، فهذا لا يسمى يوم شك أصلاً؛ لأن صيامه حرام ولا يجوز، وليس فيه شك، وإنما الشك هو إذا كان اليوم غيماً، فقالوا: إن صيام يوم الغيم هو المنهي عنه، وأما إذا كان يوم صحو، وصامه احتياطاً لرمضان فهذا ليس بشك أصلاً، وإنما صومه حرام من كل وجه.إذاً ثمة فرق بين مذهب الجمهور ومذهب الحنابلة: الحنابلة يقولون: الشك هو الصحو، وأما الغيم فليس شكاً بل يصام.الجمهور لا، يقولون: الشك هو يوم الغيم، ولذلك يحرم صيامه، أما الصحو فمن باب أولى أنه لا يصام، وقد علم أن الناس لم يروا الهلال، وإلا فما معنى أن يقول: ( صوموا رؤيته، وأفطروا لرؤيته )، فكيف يصام وهو لم يرى الهلال أصلاً؟ولذلك استدل الجمهور على مذهبهم بحديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فإن غم عليكم )، الذي استدل به الحنابلة وقالوا: ( فاقدروا له ) يعني: ضيقوا عليه، الجمهور قالوا: لا، النبي صلى الله عليه وسلم فسر قوله: ( فاقدروا له )، فسره بقوله: ( فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين )، هذا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه وهو متفق عليه.وهكذا أيضاً في حديث ابن عمر المتفق عليه في بعض الروايات، قال: ( فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين )، فقالوا: إذاً المقصود بقوله: (فاقدروا له) ليس فضيقوا عليه كما فهم الأولون، لا، وإنما (فاقدروا له) يعني: احسبوا له تمام الشهر؛ لأن الأصل -كما يقال- بقاء ما كان على ما كان.نحن الآن في شعبان، نظل موجودين في شعبان حتى ننتقل من شعبان إلى رمضان بيقين لا شك فيه، فالأصل بقاء الناس في شعبان، وبناءً عليه قالوا: إن قوله صلى الله عليه وسلم: ( فاقدروا له ) يعني: احسبوا له تمام الشهر ثلاثين يوماً، والروايات والأحاديث يفسر بعضها بعضاً.إذاً استدلوا بحديث أبي هريرة ( فأكملوا العدة ثلاثين )، استدلوا بحديث عمر ( فأكملوا العدة ثلاثين )، استدلوا بأن الأصل هو بقاء ما كان على ما كان.استدلوا أيضاً بالحديث الذي قبل قليل حديث أبي هريرة : ( لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين )، إذاً هذا هو الخلاف في هذه المسألة. ولا شك أن القول الراجح هو قول الجمهور خلافاً للحنابلة، وأن يوم الشك المنهي عنه هو يوم الغيم إذا لم ير الهلال.. اليوم الأخير من شعبان إذا كان غيماً ولم ير فيه الهلال فهو يوم الشك، وأما إن كان صحواً فالنهي عنه من باب أولى للحديث السابق: ( لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين ). من فوائد الحديث ما يتعلق بالنقطة الخامسة: فوائد هذا الحديث.أولاً: تحريم صيام يوم الشك على سبيل الاحتياط لرمضان.ثانياً: جواز صيام يوم الشك، ليش؟ متى يجوز صيام يوم الشك؟ مداخلة: إذا كان هذا من عادته.الشيخ: نعم، إذا كان من عادته ( إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه )، وكذلك لو كان يصوم شعبان كله فأكمله بما في ذلك يوم الشك، أو لو صادف يوم إثنين أو خميس، ومن عادته أن يصوم، أو يصوم يوماً ويفطر يوماً، فصادف يوم صيامه، فهنا ما صامه لأنه يوم الشك، وإنما صامه لاعتبار آخر فلا حرج في ذلك.وكذلك لو كان عليه قضاء وبقي عليه من القضاء يوم واحد، فصامه في هذا اليوم فليس عليه في ذلك حرج؛ لأن تقييده بالشك يوحي بأن النهي عن صيامه بسبب كونه مشكوكاً فيه واحتياطاً لرمضان، طيب. هذا الحديث الآخر. شرح حديث (إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا...) الحديث التالي ورقمه ستمائة واثنان وخمسون: حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فاقدروا له ) متفق عليه.ولـمسلم: ( فإن أغمي عليكم فاقدروا له ثلاثين ). وللبخاري: ( فأكملوا العدة ثلاثين ). تخريج الحديث أولاً: التخريج.البخاري رحمه الله روى الحديث في كتاب الصوم، باب هل يقال: رمضان، وأيضاً رواه في موضع آخر، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا رأيتم الهلال فصوموا )، ومسلم أيضاً خرجه في الصوم، باب وجوب الصوم لرؤية الهلال، ورواه أبو داود في الصوم، باب الشهر يكون تسعة وعشرين. ألفاظ الحديث ما يتعلق بألفاظ الحديث.قوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا رأيتموه )، الهاء هذا (رأيتموه) هي ضمير يرجع إلى غير مذكور وهو الهلال، هل ذكر الهلال في الحديث؟ لا، إذاً لماذا ذكر الضمير، وأعاده إلى غير مذكور سابق.. لماذا؟ للعلم به، كل الناس يعلمون ( إذا رأيتموه ) أن المقصود الهلال، وليس المقصود شيئاً آخر، واستغنى بهذا العلم المستفيض عند الجميع عن الذكر، وفي بعض الألفاظ ( إذا رأيتم الهلال فصوموا ).طيب. الهلال، ما هو الهلال؟ هو القمر أو الشهر؟ مداخلة: القمر.الشيخ: هاه! مداخلة: القمر.الشيخ: نعم الهلال هو القمر، بس ما هو دائماً، قمر خمسة عشر نسميه هلالاً؟ لا، وإنما نقول: الهلال هو القمر في الأيام الأولى من الشهر، أو في الأيام الأخيرة، يعني: في اليومين الأولين أو في الأيام الثلاثة يسمى هلالاً.ولماذا سمي هلالاً؟ لأن الناس إذا رأوه استهلوا، يعني: الناس مثلاً إذا شافوا الهلال أحياناً يصرخ: شوفوا الهلال.. شوفوا الهلال! فترتفع الأصوات، هذا من الإهلال، ومنه الإهلال بالتلبية، رفع الصوت إذا استهل المولود، يعني: صرخ بعدما يولد.إذاً سمي هلالاً لأن الناس يصرخون إذا رأوه، فهذا هو الهلال وسبب تسميته.طيب. قوله: ( إذا رأيتموه ) المقصود هنا هلال رمضان ( إذا رأيتموه فصوموا ). ( وإذا رأيتموه فأفطروا ) هلال أيش؟ هلال شوال.. هذا واضح هلال شوال.قوله صلى الله عليه وسلم: ( فإن غم عليكم )، غم يعني: ستر عنكم فلم تروه أو غُطّي، وفي بعض الألفاظ قال: (أغمي عليكم) أو (غمي عليكم)، وفي بعض الألفاظ قال: ( فإن غَبي عليكم ) أو ( غُبي عليكم )، ومعناها خفي، وهذا من العامي الفصيح، نحن الآن نقول: أين الحاجة الفلانية، تقول: مغبيها صح؟ ما معنى (مغبيها)؟ مخبيها، مخفيها يعني.فهكذا ( غبي عليكم )، بعضهم يقول: الغباء مأخوذ من ذلك، من هو الغبي؟ الغبي هو الذي لا يعرف للغبي سبعين اسماً.طيب. ما هي الغباء، أعطونا أسماء: غبي.. مداخلة: أحمق.الشيخ: أحمق جيد، صحيح. مداخلة: مغفل.الشيخ: يله إلى آخره.إذاً غمي أو غبي أو أغمي أو غم.. كلها بمعنى واحد، يعني: ستر عنكم بحائل -بعارض- من غيم أو قتر أو غبار شديد، أو أي حائل آخر يمنع الرؤية.قوله صلى الله عليه وسلم: ( فإن غم عليكم فاقدروا له )، ما معنى (فاقدروا له) أو (فاقدِروا له)؛ لأنها تقال بضم الدال (فاقدُروا) أو بكسرها (فاقدِروا له)؟ هو من التقدير.. من الحساب والتقدير، والمعنى عند الحنابلة أيش؟ مداخلة: ضيقوا.الشيخ: ضيقوا عليه، وعند الجمهور.. مداخلة: فأكملوا العدة.الشيخ: احسبوا ثلاثين ثم صوموا، احسبوا ثلاثين يعني: أكملوا العدة ثلاثين، ولا شك أن هذا هو الأرجح للروايات الأخرى.وفي تفسير قوله: ( فاقدروا له ) أيضاً احتمال ثالث ذكره بعض أهل العلم: وهو أن معنى (اقدروا له) يعني: الجئوا إلى علم التقدير أو ما يسمى بعلم التسيير.. علم الحساب، الذي بموجبه يمكن معرفة منازل القمر، وهذا ذكره جماعة من أهل العلم كما نقل عن مطرف بن عبد الله من التابعين، وابن قتيبة و ابن سريج الإمام أبو بكر بن سريج من أئمة الشافعية وجماعة، سوف أذكرهم بعد قليل.إذاً هذا معنى ( فاقدروا له )، يحتمل هذه المعاني الثلاثة، والأقرب منها هو الأوسط الذي يعني بالتقدير: (أكملوا عدة شعبان) احسبوا شعبان ثلاثين ثم صوموا. المعتبر في رؤية الهلال النقطة الثالثة في الحديث: المسائل المتعلقة به.المسألة الأولى: في الحديث اعتبار الرؤية في الهلال، والحديث ذكر فيه ثلاث وسائل تقريباً:الوسيلة الأولى: هي الرؤية: ( صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته ).والوسيلة الثانية ما هي؟ مداخلة: إكمال شعبان.الشيخ: ممتاز. إكمال شعبان ثلاثين يوماً.والوسيلة الثالثة: هي التقدير على اختلاف فيه، هل هو التضييق كما يقول الحنابلة، أو هو الإكمال وحساب ثلاثين كما يقول الجمهور، أو هو التقدير بمعنى استخدام الحساب وعلم الحساب والتسيير لمعرفة منازل القمر.الخلاف في هذه المسألة: أولاً الجمهور والمشهور عند الأئمة الأربعة، يرون أنه لا يؤخذ إلا بالرؤية أو بالإكمال -إكمال الشهر- ثلاثين أو تسعة وعشرين، على حسب الخلاف بين الحنابلة وبين الجمهور.استدلوا أولاً بالأحاديث: ( صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته )، فقالوا: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم علق الحكم بالرؤية.استدلوا أيضاً بحديث أبي هريرة، استدلوا بحديث ابن عمر في الباب، استدلوا بالآية الكريمة، وهي قوله تعالى: فمن أيش؟ مداخلة: (( فَمَنْ شَهِدَ))[البقرة:185].الشيخ: شهد نعم. (( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ ))[البقرة:185]، وكأن (شهد) هنا معناها شاهد أو رأى من الشهادة .. من الشهود .. من المشاهدة، وإن كان هذا الاستدلال فيه ما فيه؛ لأن المتبادر من لفظ (( فَمَنْ شَهِدَ ))[البقرة:185] يعني: حضر أو أدرك الشهر، حتى لو لم يشهده بنفسه وإنما شهده غيره أو شاهده غير؛، لأن مقابل فمن شهد (( وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ ))[البقرة:185].ومما يستدل به أيضاً لمذهب الجمهور في اعتبار الرؤية وعدم اعتبار الحساب وعلم التسيير، حديث أم سلمة : ( الشهر هكذا وهكذا وهكذا )، يعني: النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا ) يعني: كم؟ مداخلة: ثلاثين.الشيخ: ثلاثين، ثم قال: (هكذا وهكذا وهكذا). يصير كم؟ تسعة وعشرين، وهذا من باب مزيد الإيضاح، في بعض الروايات النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( الشهر تسعة وعشرين أو ثلاثون، يكون مرة هكذا ومرة هكذا ).هذا هو القول الأول، وهذه هي أدلته، وقد ذكرت أنه المشهور عن الأئمة الأربعة.القول الثاني في المسألة: هو جواز الأخذ بالحساب إذا قامت حجته، وما يقول به علماء الفلك العارفين به.هذا القول منسوب إلى مطرف بن عبد الله من كبار أئمة التابعين، وهو أيضاً قول ابن قتيبة، وهو قول أبي العباس بن سريج، وهو من كبار أئمة الشافعية حتى إنه يقدمونه على المزني في سعة معرفته بالمذهب، وله في ذلك تصنيف وكلام نسب فيه هذا القول -الذي هو أبو العباس بن سريج - نسب فيه القول بالأخذ بالحساب إلى الإمام الشافعي، ونقل في ذلك نصاً، وإن كان المخالفون له وهموه في ذلك بنصوص أخرى للشافعي، ولكن أيضاً هو نقل هذا القول عن الشافعي . وكذلك قاله القشيري والعبادي، وذكره أبو خطاب من المالكية في مواهب الجليل، ونسبه إلى جماعة منهم مطرف بن عبد الله. وأخذ بهذا القول جمع كبير من العلماء المعاصرين، مثل الشيخ يوسف القرضاوي، الشيخ مصطفى الزرقا، الشيخ أحمد محمد شاكر الإمام المحدث، وله كتاب اسمه أوائل الشهور القمرية، نصر فيه هذا القول نصراً عزيزاً قوياً، وكذلك بعض طلبة العلم اختاروا هذا القول، وصنفوا فيه، الذي هو الأخذ بالحساب.ما هي حجتهم؟قالوا: أولاً: قوله صلى الله عليه وسلم: ( فاقدروا له )، يؤخذ منه أن المقصود التقدير، وليس إكمال الثلاثين ولا التضييق على الشهر، وإنما فسروه على أن المقصود هو حساب القمر ومنازل القمر.الدليل الثاني عندهم قالوا: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم علل في حديث أم سلمة بقوله: ( إنا أمة أمية )، فعلل الموضوع بعدم المعرفة وعدم الحساب: ( لا نكتب ولا نحسب )، فإذا وجد الحساب وعرف وعلم فقد زالت العلة التي ربط بها الحكم.بناءً عليه إذا وجدت المعرفة الصحيحة الحقيقية جاز الأخذ بها، وليس الحديث داعياً إلى عدم المعرفة بالحساب، بدليل أن قوله: ( لا نكتب ) ليس دعوة إلى عدم الكتابة، وإنما الأمر بالكتابة -كتابة السنة وكتابة القرآن- مطلوب شرعاً بالاتفاق، فقوله: ( لا نكتب ولا نحسب ) ليس حتماً لازماً، وإنما ما داموا لا يكتبون ولا يحسبون فالأمر بالنسبة لهم هكذا، أما إذا أصبح هناك معرفة بالحساب فيجوز عندهم الأخذ به.أيضاً من حججهم قالوا: إن هذه الأمور كلها هي وسائل وليست غايات، الغاية هي معرفة دخول الشهر، والاطمئنان إلى أن الناس لم يصوموا يوماً من شعبان، ولم يفوتوا يوماً من رمضان، هذه هي الغاية، أما الوسيلة فقد تكون الرؤية، وقد تكون إكمال شعبان ثلاثين يوماً، وقد تكون بالوسائل العلمية الدقيقة إذا تأكد الناس منها.الأمر الرابع: قالوا: إن الحساب معتمد في عبادة أعظم من الصوم، وهي الصلاة، مع أن أصل الصلاة ضبطت بأوقات في الشمس مثلاً بعد الزوال وقبل الزوال، اصفرار الشمس .. إلى غير ذلك، أن يكون ظل الشيء مثله أو مثليه، وهذه الأشياء أصبح الناس يعتمدون فيها على حسابات معينة معروفة كما ذكر.الدليل الخامس -ليست أدلة بعضها، وإنما هي ملاحظات إن صح التعبير- قالوا: إن رفض الأئمة المتقدمين للحساب؛ لأن ذلك العلم كان علماً يعتمد على التخمين وعلى الحدس، وليس على الضبط والدقة كما هو في علم الفلك المعاصر، بل قال بعضهم: إن كثيراً من المتقدمين كانوا يخلطون بين علم الفلك الحقيقي وبين التنجيم، الذي هو نوع من الشعوذة ونوع من الكلام عن تأثير الكواكب والأفلاك في الكون، وبعضهم ساقوا حديث مثلاً: ( من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد ).وهذا الكلام تجده في كلام ابن حجر رحمه الله وفي كلام ابن بطال، بل وفي كلام ابن تيمية رحمه الله، وهو من أكثر من تكلم في هذا الموضوع وشدد فيه جداً، وأغلظ في هذا الباب لما يستغرب.ولكن لا تستغرب إذا عرفت أنه في ذلك العصر كان علم الحساب مرتبطاً بالحدس والتخمين والظن، ليس قائماً على أسس صحيحة، وأيضاً كان مرتبطاً بالتنجيم واعتقاد تأثير الكواكب والأفلاك.طيب. الراجح في هذه المسألة: هل نعتمد الرؤية أو نعتمد الحساب؟ ما عندي هنا ترجيح، ولكن عندي مجموعة ملاحظات معينة؛ لأن المقصود دائماً هو محاولة الوصول إلى ما يحبه الله ويرضاه، وما هو أليق بالنص الشرعي وأحفظ له، وأنفع للمسلمين أيضاً في دينهم ودنياهم.فعندي مجموعة من الملاحظات؛ لأنني قرأت بحوث العلماء المتقدمين: بحث ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى مطولاً، بحث الشيخ بكر أبو زيد أيضاً في هذا الباب، بحث عدد من العلماء هنا في المملكة، بحث العلماء الذين يجيزون مثل الشيخ مصطفى الزرقا، الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان، الشيخ يوسف القرضاوي عنده بحث في هذه المسألة، أحمد شاكر، بحوث الفلكيين أيضاً.. والفلكيون أنفسهم منقسمون؛ منهم من يؤيد هذا، ومنهم من يؤيد هذا، فهناك مجموع ملاحظات؛ لأنه ليس المقصود من بحث هذه المسائل أن ننقسم إلى فريقين: واحد يؤيد وواحد يعارض، ثم ندير معركة وحواراً وجدلاً وأحياناً صراعاً بيننا، وإنما المقصود الوصول إلى ما هو أرضى لله وأنفع لعباده.الملاحظات:أولاً: هذه مسألة اجتهادية، ما دام الأمر فيها لا يتعلق بموضوع التنجيم أو التخمين، وإنما يتعلق بالكلام عن علم له أصوله وضوابطه، فهي مسألة اجتهادية، لا ينبغي أن يتحول الأمر فيها إلى معاندة أو تباعد أو تباغض أو سوء ظن.ثانياً: جمهور السلف على اعتماد الرؤية، وهذا الذي تجده في غالب الكتب والمصنفات في الحديث والتفسير والفقه وغيرها.ثالثاً: مما لا ينكر أن العلوم العصرية في القرن الأخير، طرأ عليها تغير هائل وفتوح مذهلة، وكشوف لم يكن الناس يحلمون بها ولا يدركونها، ولعل الكثير منا -نحن طلبة العلم الشرعي- لم يستطيعوا أن يستوعبوا هذه المتغيرات ولا أن يدركوها، ولا أن يعرفوا كيف يوظفوها، فمثلاً علم الفلك من العلوم التي تطورت، القمر نفسه صعد الناس إليه، وركبوا على ظهره، والصور رآها الأطفال والكبار والصغار. وكذلك ما أطلقه العلماء من الأقمار في الفضاء، والتي تجول في الفضاء وتضربه شرقاً وغرباً، ويمكن أي قمر إذا تأخر من مداره أو أصبح فيه خلل يستدنى ويستدعى على سبيل العجل، ويتم إصلاحه وتغييره، وأصبح العلماء يرصدون بالمناظير والمراصد حركة الأفلاك بجزء من مائة ألف جزء من الثانية، فهناك تقدم مذهل وهائل في هذا العلم. أظن أنه فعلاً ينبغي أن ينظر إلى هذا التقدم نظرة، أن علينا أن نوظف هذا التقدم توظيفاً إيجابياً صحيحاً.النقطة الرابعة: أن علماء الفلك مع هذا التقدم لا يزال بينهم اضطراب كبير، وأنا سمعت عدداً منهم، أذكر أحد الأساتذة، يعني: بدا لي أنه ... الدكتور محمد الهواري أحد رجالات العمل الإسلامي في ألمانيا، سمعته مرة في مجلس الإفتاء الأوروبي يتكلم عن هذه القضية بكلام في غاية المتانة والروعة والإتقان، وهو فيما يبدو لي متخصص في هذا الجانب، لكن يبدو أن علماء الفلك أنفسهم مضطربون. يعني: قد يقول واحد منهم بأن الرؤية مستحيلة، ويقول آخر بأنها ممكنة، وقد يقول واحد بشيء، ويقول آخر بشيء آخر سواه؛ لأن تعقيد هذه المسألة يفضي إلى أن ينظر كل واحد منهم إلى زاوية معينة، فلا يزال ثمة اضطراب حتى بين علماء الفلك أو علماء الحساب أنفسهم فيها.الملاحظة الخامسة: أن الخطأ يقع في الحساب، والخطأ أيضاً يقع في أيش؟ مداخلة: في الرؤية.الشيخ: في الرؤية، فقد يقع أن يصوم الناس ثم يصوموا ثمانية وعشرين كما حصل في إحدى السنوات، أو يكون هناك إعلان للشهر بينما يحكم الكثيرون بأن ذلك مستحيل.إذاً الخطأ يوجد في الحساب.ويوجد في الرؤية، الرؤية قد يكون بسبب اللبس، أنه يرى جرماً فيعتقد أنه الهلال، أو بسبب الكذب عند بعض الناس الذين قد يكون عنده فساد في ضميره.الملاحظة السادسة: إنه قد تصل الدراسات الفلكية والحسابية يوماً من الأيام إلى نتيجة معينة يذعن لها الأكثرون، ولو أجمع علماء الحساب الإسلاميون على أمر واحد، واتفق عليه بينهم أو على الأقل بين كبارهم، أظن في موضوع إثبات دخول الشهر أو خروج الشهر، أظن أن الكثيرين يمكن أن يرجعوا إلى هذا القول أو يأخذوا به، أما والاضطراب موجود فإن الإنسان حينئذٍ يقول: نحن مضطربون في الرؤية، مضطربون في الحساب أيضاً.النقطة السابعة: إنه قد يكون من الحلول العملية؛ لو أن الحكومات الإسلامية وهي تدري أن رمضان يتكرر كل سنة، ويتعلق به الصيام، ثم يتعلق به العيد، لو أنها أعطت هذا الموضوع مزيداً من الاهتمام، وألا يكون مفاجأة .. كأننا فوجئنا برمضان هذه السنة جاء قبل وقته، فأن يكون هناك لجان متخصصة، هذه اللجان فيها شرعيون، فيها علماء فلك ثقات مأمونون، عندهم معرفة ودين، هذه اللجان أيضاً فيها مراصد فلكية، والمراصد يمكن أن تشاهد القمر، هي جزء من الرؤية، يعني: التلسكوبات أو المكبرات هي أقوى من العين بعشرات المرات أو بمئات المرات، فإذا تبين أن المرصد لم يستطع أن يرى الهلال، وقال إنسان بعينه المجردة أنه رآه، هنا يكون رأى جرماً آخر، أو التبس الأمر عليه، فأقصد هنا بالمراصد التلسكوبات أو المكبرات التي يمكن أن توضع في أماكن عديدة في عشرة مواقع أساسية، يمكن من خلالها رصد ولادة الهلال أو عدم ولادته.وتدرس هذه اللجنة وتقرر بشكل واضح يرفع احتمال الخطأ، ولا أقول: يرفع الخلاف؛ لأن الخلاف باقي وسابق أيضاً، لكن على الأقل يرفع أو يقلل احتمال الخطأ في إثبات الشهر دخولاً أو خروجاً.الملاحظة الثامنة: أن بعض العلماء ذكروا قاعدة وهي: إمكانية الأخذ بالحساب في النفي لا في إثبات.بمعنى أنه إذا أثبت العلم الفلكي بشكل يقيني أنه لا يمكن ولادة الشهر، هنا لا نأخذ بالرؤية؛ لأنه يتبين أن الرائي قد أخطأ، أما الإثبات فلا نثبت الهلال بالحساب. وهذا قول وسط، وممن ذهب إليه ..، يعني: الشيخ يوسف القرضاوي مال إليه والشيخ عبد الله بن منيع أيضاً، وجماعة من أهل العلم مالوا إلى هذا القول.الملاحظة التاسعة: إنه فيما يتعلق بالحساب؛ هناك أولاً ولادة الهلال، أن يثبت أن الهلال ولد، هذا رقم واحد.رقم اثنين: لا بد أن تكون الولادة قبل غروب الشمس؛ لأن اليوم الإسلامي يبدأ بعد الغروب، يعني: الليلة تابعة لليوم، فلا بد أن تكون الولادة قبل غروب الشمس.الشرط الثالث: أن تكون الرؤية ممكنة، وفي نظري أن هذا شرط جيد؛ لأن الله لم يتعبدنا بولادة الهلال، وإنما تعبدنا برؤيته، فإذا كانت الرؤية ممكنة للبشر فهذا قد يجمع بين الاعتماد على الحساب وبين اعتماد الرؤية الواردة في الحديث.النقطة العاشرة: إنه ينبغي أن نراعي عدم تفريق الناس وجمعهم بقدر المستطاع.إذا كانت دولة تأخذ بالحساب، ليبيا مثلاً يأخذون بالحساب، والحساب ليس فقط قبل الغروب، وإنما من فجر اليوم هذا إلى فجر اليوم الثاني، وهذا غريب، لكن مهما كان، إذا أعلنوا الصيام فيجب على شعبهم أن يصوموا؛ لئلا يتفرق الناس، بلد آخر يعتمد على الحساب بطريقة ثانية، بلد ثالث يعتمد على الرؤية، نقول: ليس مطلوباً على الأقل أن يزيد الناس تفرقاً، فعلى الناس أن يتبعوا الجهة الرسمية الموجودة عندهم، يتبعوا إذا أعلنت دار الفتوى أو مجلس القضاء الأعلى، أو جهة حكومية معتبرة في هذا البلد أو ذاك أعلن أن غداً من رمضان فعلى الناس أن يصوموا، إذا أعلنت أن غداً من العيد فعلى الناس أن يعيدوا.وهكذا فيما يتعلق بالمراكز الإسلامية في الغرب في أوروبا وأمريكا و أستراليا وغيرها، ليس صحيحاً أن مركزاً يتبع بلده إن كان من المغرب أو من السعودية، مركز آخر يتبعون مكة لأنهم يقولون: هي البلد الحرام ومركز العالم، مركز ثالث يعتمد على الرؤية، مركز رابع يعتمد على الحساب.. حتى إنك تجد في المسجد الواحد هذا صائم وهذا مفطر، هذا خطأ ينبغي أن ينتهي. وعلى أقل تقدير دع الناس في البلد الواحد أو في المدينة الواحدة أحياناً في الغرب يوحدون صومهم وفطرهم؛ لئلا نصبح مسخرة للعالم كما قيل: يا أمة ضحكت من جهلها الأمم إذاً هذه المسألة الأولى المتعلقة بالحساب. حكم الصوم عند رؤية الهلال للمسلمين جميعاً أو لكل بلد رؤيته المسألة الثانية: هل يلزم المسلمين جميعاً أن يصوموا إذا رآه أحد، أو لكل بلد رؤيته؟أولاً: الإجماع على أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( صوموا رؤيته، وأفطروا لرؤيته ) أنه ليس خطاباً للآحاد، يعني: كل واحد يصوم أو يفطر رأى أو ما رأى، يمكن يكون الواحد ضعيف البصر أو حتى كفيفاً، أو لا يعرف منزل القمر، فليس الخطاب بالاتفاق موجهاً إلى الآحاد، وإنما المقصود هنا المجموع، يعني: الرؤية الشرعية، بل الرؤية الشرعية ثابتة، وليس فقط الرؤية التي يطمئن إليها الإنسان، لا بد أن تكون مثبتة عند جهة رسمية معتمدة.الخلاف في هذه المسألة على قولين:القول الأول: جمهور أهل العلم أحمد ومالك وأبو حنيفة، وهو قول للشافعي، يقولون: يلزم الصوم في جميع الأقطار، يعني: إذا ثبت رمضان في بلد من بلاد المسلمين وجب على البلاد الأخرى أن تصوم أيضاً، فإذا أعلن الصيام مثلاً في السعودية صام الناس، أعلن الصيام في مصر صام الناس، أعلن الصيام في السودان صام الناس .. إذا صامه أهل بلد أو أعلن دخول الشهر أهل بلد وجب على المسلمين جميعاً الصوم، هذا هو القول الأول، وهو مذهب الجمهور، وهو اختيار الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.لماذا؟ قالوا: لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته )، هذا خطاب للأمة .. خطاب للجميع، فهو إذا رآه أحد وجب على الناس جميعاً أن يصوموا.القول الثاني: وهو قول الشافعية، قالوا: إن كل بلد له مطلع فإنه ينفرد عن غيره، يعني: يصوم الناس بحسب اختلاف المطالع، واختلاف المطالع من الأمور المتفق عليها عند علماء الفلك، أن مطالع الشهر تختلف من بلد إلى بلد بحسب خطوط الطول والعرض المعروفة، وهذا أمر معروف عند المختصين، وحتى المتقدمون يعرفونها، المطالع تختلف.فعلى هذا القول يقولون: البلاد التي تشترك في مطلع واحد يلزمها الصوم إذا أعلن أحد البلاد بالصوم، أما إذا كان المطلع مختلفاً فلا يلزمهم الصوم. وهذه رواية أيضاً عند الحنابلة، واختارها ابن تيمية ومن المعاصرين الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.دليلهم على ذلك ما رواه مسلم عن كريب مولى ابن عباس : [أن أم الفضل أرسلته إلى الشام إلى معاوية، فصام عندهم ثم جاء إلى المدينة، فسأله ابن عباس: متى صمتم؟ قال: صمنا الجمعة، قال: رأيتم الهلال؟ قال: نعم، قال: رأيته أنت؟ قال: نعم أنا رأيته ورآه الناس، قال كريب لـابن عباس : أفلا تكتفي بذلك -بصوم معاوية ورؤية معاوية-؟ قال: لا، أما نحن في المدينة فإنما رأوه السبت، فلا نزال نصوم حتى نراه أو نكمل ثلاثين]، وذكر ابن عباس هذا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.هذا الحديث يحتمل أن يكون ابن عباس سمع من النبي صلى الله عليه وسلم تحديداً، أن لكل بلد رؤيته، ويحتمل وهو الأقوى كما ذكره ابن دقيق العيد وغيره: أن ابن عباس أخذ هذا استنباطاً من قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته )، وليس نصاً على المسألة بخصوصها، وهذا هو الذي يظهر لي؛ أن ابن عباس استنبط ذلك من عموم الأمر في الرؤية. والراجح عندي هو القول الأول؛ أن توحيد صيام المسلمين أولى وأفضل، مع التسليم والإقرار باختلاف المطالع، ولكن لأن هذا أمر تعبدي والنص عام: ( صوموا لرؤيته )، وهذه شعيرة، اجتماع الناس عليها في كل مكان قد يرفع كثيراً من الخلاف، ويبقي على قدر من وحدة الأمة.مع أنه إذا وجد الاختلاف الطبيعي الذي ربما وجد عبر العصور كلها بهذا القدر، مثل اختلاف أهل الأندلس عن أهل خراسان كما ذكره ابن عبد البر ونقل إجماع العلماء عليه، ولا إجماع في المسألة في الواقع، فهذا محتمل، ولكن لو أمكن، ممكن نقول: إنه بعيد.إنما دعنا على الأقل نتحدث عنه من الناحية النظرية فإن هذا أولى.المعمول به اليوم ليس هذا ولا ذاك، لا يعمل اليوم لا برؤية، ولا على وجه التخصيص، ولا بحساب على صعيد العالم الإسلامي من حيث التوحيد وعدم التوحيد، المعمول به هو بحسب التبعية السياسية، حتى إنك تجد بلدين متفقين في المطلع ومع ذلك يختلفون في الصيام، وتجد بلدين مختلفين ومع ذلك يصومون معاً، بل أحياناً المدينة الواحدة، هناك مدن مقسمة، مثل البريمي مثلاً مقسمة بين عمان وبين الإمارات، وهي مدينة واحدة لا يفصل بينها إلا شارع، وقل مثل ذلك في الجزائر و المغرب، ومع ذلك تجد أن المدينة الواحدة قد يصوم شمالها ويفطر جنوبها، وهذا من المشكلات التي ينبغي السعي في حلها. حكم من ردت شهادته في رؤية الهلال المسألة الثانية: هي من شهد وردت شهادته، واحد شهد على أنه رأى الهلال وردت شهادته، فماذا يلزمه؟قيل: يلزمه الصيام في الحالين، يصوم رمضان اليوم الأول؛ لأنه رأى الهلال، ويصوم اليوم الأخير؛ لأن شهادته لم تقبل.وقيل: يفطر في الحالين، وهذا قول الشافعي .والقول الوسط: هو أنه يتبع الناس في الحالين صوماً وفطراً، والدليل على ذلك ما رواه الترمذي وصححه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الصوم يوم يصوم الناس، والفطر يوم يفطر الناس )، فلا يعتبر رؤيته بمفرده، وإنما العبرة بما عليه الناس. شرح حديث (فأكملوا عدة شعبان ثلاثين ) الحديث رقم ستمائة وثلاث وخمسون: قال المصنف رحمه الله: وله من حديث أبي هريرة : ( فأكملوا عدة شعبان ثلاثين ).التخريج: قوله: (وله) يعني: للبخاري، والبخاري روى هذا الحديث في كتاب الصيام، باب إذا رأيتم الهلال فصوموا، ولكن أيضاً رواه مسلم، ولهذا اقتصار المصنف على عزوه للبخاري تقصير؛ فإن الحديث رواه مسلم في الصيام أيضاً، باب وجوب الصوم لرؤية الهلال.والحديث كالذي قبله فيما يتعلق بالمسائل الفقهية والأحكام. شرح حديث (تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته...) الحديث رقم ستمائة وأربع وخمسون: وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ( تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته، فصام وأمر الناس بصيامه ) رواه أبو داود، وصححه ابن حبان والحاكم. تخريج الحديث أولاً: ما يتعلق بتخريج حديث ابن عمر رضي الله عنهما.رواه أبو داود في كتاب الصوم، باب شهادة الواحد على رؤية الهلال.ورواه أيضاً الدارمي والدارقطني وابن حبان والحاكم والبيهقي، وكلهم صححوا هذا الحديث أيضاً، صححه ابن حبان، يعني: خرجه في صحيحه، والحاكم قال: صحيح الإسناد، وأيضاً ابن حزم والنووي والألباني وغيرهم.والواقع أنه حديث حسن الإسناد؛ يتقاصر عن درجة الصحيح، فيه يحيى بن عبد الله بن سالم العمري، وهو صدوق له غرائب، وفيه أيضاً أبو بكر بن نافع، أبوه نافع مولى عبد الله بن عمر وهو أيضاً صدوق. غريب ألفاظ الحديث أما ما يتعلق بألفاظ الحديث، ففيه قول ابن عمر ( تراءى الناس )، ومعنى (تراءى) مأخوذ من الرؤية، تفاعل الناس في الرؤية، أصله تراءى الناس، إذا رأى بعضهم بعضاً تقول: تراءى الناس، لكن تراءى الناس الهلال إذا تسابقوا وتسارعوا، واجتهدوا في رؤيته، فهذا معنى أنهم تراءوه.والهلال هو القمر -كما ذكرت قبل قليل- في أول الشهر. من فوائد الحديث النقطة الثالثة: فوائد هذا الحديث.من فوائده: مشروعية ترائي الهلال، وهذه من السنن التي غابت عن الناس وخفيت عنهم حتى كادت أن تندرس، وينبغي أن يتعلمها خصوصاً أصحاب البصر النافذ والحديد، أن يعرفوا منازل القمر، وأين يمكن أن يرى ومتى يمكن أن يرى؛ فإن قوله: (تراءى) دليل على أن هذا أمر مشروع، وأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتنافسون في ذلك. أيضاً قول ابن عمر: ( فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته )، فيه دليل على وجوب أداء الشهادة لمن رأى الهلال، فمن رأى الهلال وتيقن من ذلك وجب عليه أن يؤدي أو يبذل هذه الشهادة.فيه أيضاً: الاكتفاء بشهادة العدل الواحد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم اكتفى بشهادة عبد الله بن عمر رضي الله عنه. وفيه: إثبات الشهادة عند الحاكم، عند القاضي أو المحكمة أو الحاكم، وأن الشهادة هذه لا تعتبر حتى تثبت عند الحاكم أو عند جهة مختصة. شرح حديث (... قم يا بلال؛ فأذن في الناس أن يصوموا غداً ) الحديث رقم ستمائة وخمس وخمسون: حديث ابن عباس رضي الله عنه: ( أن أعرابياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إني رأيت الهلال، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أتشهد أن لا إله إلا الله؟ قال: نعم، أتشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: نعم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: قم يا بلال؛ فأذن في الناس أن يصوموا غداً ).وهذا الحديث كما يقول المصنف: رواه الخمسة، وصححه ابن خزيمة وابن حبان، ورجح النسائي إرساله. تخريج الحديث أولاً: ما يتعلق بتخريجه، فقد رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وهم الأربعة، وكذلك رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه، والدارمي .. كلهم في رؤية الهلال وفي شهادة الواحد في كتاب الصيام.وكلهم رووه من طريق سماك بن حرب عن عكرمة مولى ابن عباس، عن ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه.والراجح عند العلماء أن هذا الحديث مرسل كما أشار المصنف، يعني: لم يذكر فيه ابن عباس، وإنما عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يسمى مرسلاً، يعني: سقط منه الصحابي، والمرسل هو أحد أقسام الحديث الضعيف، وقد ذكر ذلك النسائي و أبو داود والترمذي و الدارقطني والبيهقي وغيرهم، أن الصواب من الحديث أنه مرسل، ليس موصولاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فهذه علة.العلة الثانية: أن رواية سماك بن حرب عن عكرمة رواية فيها اضطراب عند العلماء، وبناءً على ذلك فالحديث ضعيف.زد على ذلك أن المصنف قال: (رواه الخمسة)، يعني: أحمد بن حنبل منهم في المسند، والحديث ليس هو في المسند. غريب ألفاظ الحديث النقطة الثانية ما يتعلق بالألفاظ:( أن أعرابياً )، الأعرابي من هو؟ مداخلة: البادية.الشيخ: هو ساكن البادية.. الأعرابي: ساكن البادية.وقوله: ( قم يا بلال فأذن )، الأذان هنا هو الإعلام والبيان، يعني: أن يخبر الناس بدخول الشهر. حكم الاكتفاء بشهادة الواحد في دخول رمضان المسائل في الحديث، هذا الحديث والذي قبله حديث ابن عمر: فيه مسألة: شهادة الواحد، هل يعتبر بها أو لا؟ظاهر حديث ابن عمر رضي الله عنه وحديث سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس، الاكتفاء بشهادة الواحد في دخول الشهر، وهذا هو أحد ثلاثة أقوال في المسألة. إذاً القول الأول هو الاكتفاء بشهادة واحد، والترمذي قال: هذا الذي عليه أكثر أهل العلم؛ أنه يكفي في دخول شهر رمضان شهادة واحد، وهو قول الشافعي وأحمد، وعلى هذا سواء كان هذا الواحد ذكراً أو أنثى، حراً أو عبداً فإنه يكتفى بشهادته.ومما يدل على ذلك حديث ابن عمر وحديث ابن عباس.. حديثا الباب، وهما صريحان في المسألة.وأيضاً قالوا: إن هذا احتياط لدخول الشهر استثناءً لرمضان، وإلا بقية الشهور ما تثبت إلا بشاهدين، أما رمضان فيكتفى بشاهد واحد لهذا الاعتبار.القول الثاني: أنه لا يكفي في دخول رمضان إلا بشهادة اثنين عدلين، وهذا هو قول الإمام مالك رحمه الله، واستدلوا بـ حديث: ( فإن شهد شاهدا عدل فصوموا وأفطروا )، وفي رواية: ( فإن شهد شاهدا عدل نسكنا لرؤيتهما )، والحديث عند الدارقطني وغيره، ولا بأس بإسناده.القول الثالث: هو قول أبي حنيفة؛ أنه يفرق بين ما إذا وجد غيم أو صحو، فإذا وجد صحو لا يقبل شهادة الواحد؛ لأن من غير جار العادة أن يكون صحو ولا يراه إلا واحد عند الأحناف، أما إذا كان غيم فتقبل شهادة الواحد؛ لأنه قد يوجد واحد حاد البصر فتقتصر الرؤية عليه. والأرجح والله أعلم هو القول الأول، الاكتفاء في دخول شهر رمضان بشهادة واحد عدل، استثناءً واحتياطاً للعبادة. من فوائد الحديث من فوائد الحديث: بذل الشهادة كما ذكرت.ومن فوائد الحديث المهمة: ضرورة أخذ الناس بالظاهر، وأن الأصل في الناس الستر والبراءة والعافية، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم كان محتاجاً أن يسأل الأعرابي: ( هل تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قال: نعم، قال: أذن في الناس أن يصوموا )، فلا داعي للتقعر والتنطع والسؤال والتحري والاختبار للناس، وهذا مما أفسد ضمائر المؤمنين، وأوجد الفرقة والاختلاف والتنازع بينهم، وأفضى إلى كثير من الخصومات والتصنيف والتقسيمات، سواء كانت تقسيمات داخل الإطار الإسلامي بانتماءات حزبية وطائفية، وجماعات وأطياف ...، أو كانت داخل المجتمع الإسلامي بانتماءات فكرية قد لا يقوم عليها دليل. شرح حديث (من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له) الحديث الأخير هو رقم ستمائة وست وخمسون: عن حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له ).يقول المصنف: رواه الخمسة، ومال النسائي والترمذي إلى ترجيح وقفه، وصححه مرفوعاً ابن خزيمة وابن حبان. وللدارقطني ( لا صيام لمن لم يفرضه من الليل ).أولاً: التخريج:رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وهم الأربعة في كتاب الصيام، وخرجه أحمد في مسنده.والراجح أنه موقوف من كلام حفصة رضي الله عنها، وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، هذا المرفوع هو إلى النبي صلى الله عليه وسلم، الموقوف هو كلام الصحابي، فهذا الحديث القول الصحيح أنه موقوف من قول حفصة، وليس من روايتها عن النبي عليه الصلاة والسلام.وهكذا عامة أصحاب الإمام الزهري رووه هكذا عن حفصة من قولها، وأما رواية الرفع -يعني: عن النبي صلى الله عليه وسلم- فهي رواية شاذة، وقد رجح الموقوف الأئمة كـالنسائي والترمذي والبخاري وأبي حاتم وأحمد وأكثر أهل الحديث.وإشارة المصنف إلى أن ابن حبان خرج الحديث كأنه وهماً؛ فإن الحديث ليس في صحيح ابن حبان. غريب ألفاظ الحديث ما يتعلق بألفاظ الحديث:قوله: ( لا صيام لمن لم يبيت الصيام ) يوضحها قوله: ( من الليل )، والمعنى أنه ينوي الصيام من الليل، وهذا يطلق على أي جزء من أجزاء الليل، ليس معناه من أول الليل أو من أوسطه، بل لو نوى الصيام قبل طلوع الفجر بثانية لكان قد بيت الصيام من الليل، فالمقصود أن تكون النية تشتمل على جزء وإن قل من الليل.وفي لفظ: ( لا صيام لمن لم يجمع الصيام من الليل )، ومعنى (يجمع) يعني: ينوي نية جازمة.وفي رواية الدارقطني التي ذكرها المصنف قال: ( لمن لم يفرض الصيام من الليل )، وقوله: (يفرض) دليل على أن المقصود بالصيام هنا صيام الفرض، وليس صيام النفل. من فوائد الحديث فوائد الحديث:أولاً: وجوب النية في العبادات، ويكفي فيها حديث عمر المتفق عليه: ( إنما الأعمال بالنيات ).ثانياً: وجوب تبييت النية للصوم الواجب.وسوف أزيد هذه المسألة وضوحاً في الدرس الذي بعده.