ÇáÑÆíÓÉ ›دروس›العقيدة الواسطية›القرآن -الرؤية -اليوم الآخر›الإيمان بأن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة الإيمان بأن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة الخميس 2 جمادى الأولى 1437هـ طباعة د. سلمان العودة 1158 متابعة النص إلغاء متابعة النص الأنتقال الى النص الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: انتقل المصنف بعد ذلك -وهذه النقطة الخامسة- إلى مسألة أخرى وهي مسألة الرؤية، رؤية المؤمنين ربهم تبارك وتعالى يوم القيامة.قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقد دخل فيما ذكرناه من الإيمان به وبكتبه وبرسله: الإيمان بأن المؤمنين يرونه يوم القيامة عياناً بأبصارهم كما يرون الشمس صحواً ليس دونها سحاب، وكما يرون القمر ليلة البدر لا يضامون في رؤيته، يرونه سبحانه وهم في عرصات القيامة، ثم يرونه بعد دخول الجنة كما يشاء الله سبحانه وتعالى.] وقد أجمع السلف على إثبات الرؤية لله تعالى في الدار الآخرة، كما أن هذا دلالة القرآن والسنة. الأدلة من القرآن على ثبوت الرؤية الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: أما دلالة القرآن الكريم ففي مواضع منها: أولاً قوله تعالى: ((وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ))[القيامة:22-23]، فهذه الآية ذكر الله تعالى فيها النظر إلى وجه الله، النظر إلى الله تعالى. والنظر في اللغة لفظ مشترك يدل على أكثر من معنى، فمن معاني النظر في اللغة أولاً النظر بالعين الباصرة المعاينة، فهذا يسمى نظر، تقول: نظر فلان إلى الشمس مثلاً، هذا من معاني النظر، من معاني النظر أيضاً؟مداخلة: التأمل.الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: التأمل والتفكر، فتقول: نظر في هذه المسألة، يعني: تعني أنه تأملها، وتفكر فيها.وكذلك من معاني النظر في اللغة..مداخلة: ... الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: (أيوه)، الانتظار، كون الإنسان ينتظر الشيء، فهذا يطلق عليه أيضاً النظر، (طيب) هذه ثلاث معان، ولذلك نقول: إنه لفظ مشترك بين هذه المعاني الثلاثة. ما الذي يدلنا على أن هذه الآية وهي قوله تعالى: ((إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ))[القيامة:23] أن المقصود به النظر إلى وجه الله الكريم؟ قال العلماء: هناك ثلاثة أدلة، نعم كلها تكمل السياق بطبيعة الحال: الأول: أنه أسند النظر إلى الوجوه، ((وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ))[القيامة:22]، أسند النظر إلى الوجوه، فالوجوه هي التي تنظر، وهذا يدل على أن المقصود رؤية العين.القرينة الثانية: أنه عد لفظ النظر بحرف جر وهو (إلى) ((نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا))[القيامة:22-23]، وهذا في اللغة العربية إنما يطلق على ما ينظر فيه، يعني: لا تقول: فلان ينظر فلاناً، يعني: يراه، وإنما ينظر إلى فلان إذا كان يراه، بينما إذا كان ينتظره فقل: ينتظر فلاناً مثلاً، فالتعبير بلفظ (إلى) دليل على أن المقصود المعاينة.القرينة الثالثة: خلو الآية من أي قرينة تدل على إرادة غير هذا المعنى، إذاً هذا المعنى في الأصل محتمل أن يكون المقصود النظر إلى وجه الله الكريم، ودل على أنه هو المقصود عيناً من بين المعاني الأخرى أنه أسنده إلى الوجوه ((وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ))[القيامة:22] وأنه عداه بـ (إلى)، وخلو السياق من أي قرينة أخرى غير هذا. الدليل الثاني: قوله تعالى: ((لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ))[يونس:26]، هذه آية في سورة يونس نعم، وهذا اللفظ قوله: (وزيادة) لفظ مجمل لا يدل بذاته على الرؤية لو تجرد عن غيره، ولكن جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في صحيح مسلم من حديث صهيب ما يفسر هذا المعنى، وخير ما فسر به القرآن القرآن ثم السنة، فقد ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الرؤية ثم قال: (فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم، وهي الزيادة، وقرأ هذه الآية: ((لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ))[يونس:26])، فدل ذلك على أن قوله تعالى: ((لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ))[يونس:26] أن المقصود بالزيادة هو تمتعهم بالنظر إلى وجه ربهم تبارك وتعالى في جنات النعيم.ومثل ذلك أيضاً وهذا يصلح دليلاً ثالثاً من القرآن قوله تعالى: ((وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ))[ق:35]، وهذه الآية في سورة (ق)، ((لَهمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ))[ق:35]، وقد ذكر العلماء والمفسرون في هذه الآية أكثر من معنى، منهم من قال: إن المقصود بالمزيد النظر إلى وجه الله الكريم، وأخذوا هذا من أن لفظ (المزيد) يشبه لفظ الزيادة، فكلاهما مشتق من لفظ: (زاد يزيد زيادةً)، و(المزيد) من هذا الباب، وهذا روي عن علي بن أبي طالب و أنس ، وروي مرفوعاً ولا يصح، ومنهم من قال: إن المقصود بالمزيد الزيادة على ما تمنوا، ((لَهمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ))[ق:35]، يعني: أهل الجنة يقال لهم: تمنوا فيتمنون حتى تنقطع أمانيهم، ولا يعود يخطر ببالهم شيء، ثم يعطيهم الله تعالى مزيداً على ذلك مما لم يتمنوه ولم يخطر لهم ببال، فهذه الآية محتملة. الأدلة من السنة على ثبوت الرؤية الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: أما السنة النبوية فالنصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم في إثبات رؤية المؤمنين ربهم تبارك وتعالى يوم القيامة متواترة، جاءت عن أكثر من ثلاثين صحابياً، منهم العشرة المبشرون بالجنة، ومنهم أبو هريرة ، و أبو سعيد الخدري ، و عبادة بن الصامت ، و جرير بن عبد الله البجلي ، و أبو موسى الأشعري ، و صهيب كما ذكرنا قبل قليل، وأحاديثهم في الصحيحين والسنن والمسانيد وغيرها، ولهذا حكم العلماء بأن هذه الأحاديث متواترة، ولا إشكال فيها. ومن هذه الأحاديث ما رواه الشيخان عن أبي هريرة و أبي سعيد : (أن ناساً قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: هل تضارُّون أو تضارون -بالتشديد أو بالتخفيف- في رؤية القمر ليلة البدر؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: هل تضارون في رؤية الشمس صحواً ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: فإنكم ترونه سبحانه كذلك..) إلى آخر الحديث. وقد صنف في الأحاديث الواردة في الرؤية جماعة من العلماء، وجمعوا طرقها وأحاديثها، ومن أشهرهم الإمام الدارقطني له كتاب الرؤية ، وكذلك أبو نعيم الأصبهاني ، و الآجري ، و ابن النحاس ، وغالب هذه المصنفات مطبوعة. الرد على منكري الرؤية الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: (طيب) هناك أشياء قد يحتج بها من ينكرون الرؤية مثل قول الله تبارك وتعالى: ((لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ))[الأنعام:103]، فقوله سبحانه: ((لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ))[الأنعام:103]، هل يدل على نفي الرؤية؟مداخلة: كلا.الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: كلا، لماذا؟ نقول: لأن الآية فيها نفي لماذا؟ للإدراك، والإدراك غير الرؤية، ولهذا الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم -وهذا معنى لطيف- قال: ((فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ))[الشعراء:61]، لاحظ لفظ (تراءى) يعني: رأى كل من الجمعين الآخر، ((قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ))[الشعراء:61]، قال موسى : ((قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ))[الشعراء:62]، فأثبت الرؤية، ونفى الإدراك، إذاً الإنسان قد يرى الشيء ولكن لا يدركه؛ لأن الإدراك يكون بالإحاطة به، والله سبحانه وتعالى لا يحيطون به علماً، وإنما يرونه سبحانه كما أخبر عن ذلك.إذاً نفي الإدراك لا يدل على نفي الرؤية، بل قد نقول: إنه ربما يدل على ثبوت الرؤية، وهذا من قلب الدليل، أنه لما نفى الإدراك دل على أن الرؤية ليست منفية، وهكذا قوله سبحانه لـموسى لما قال: ((رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي))[الأعراف:143]، فإن بعضهم تعلق بقوله: ((لَنْ تَرَانِي))[الأعراف:143]، وقالوا: إن (لن) تستخدم للنفي المؤبد، قالوا: لنفي التأبيد، يعني: إذا قلت: لم يحدث كذا معناه أنه لم يقع أبداً، فتكون لنفي التأبيد، وهذا قال به المعتزلة الذين ينكرون الرؤية، ويقولون: إن الرؤية ممتنعة، وما معنى ممتنعة؟ يعني..؟ مداخلة: ...الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: لا، يعني: مستحيلة، يعني: مستحيلة عقلاً أن تقع عندهم، ليس معنى أنها ليست حاصلة، الرؤية عندهم ممتنعة أي: مستحيلة، فنقول: أولاً موسى عليه الصلاة والسلام قال: ((رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ))[الأعراف:143]، وهو أعلم بربه تبارك وتعالى، فلو كانت الرؤية ممتنعة ما كان لنبي من أولوا العزم من الرسل أن يسأل ربه أمراً ممتنعاً لا يليق به سبحانه وتعالى، فدل ذلك على أن الرؤية ممكنة، وليست ممتنعة، ولهذا قال في الآية نفسها: ((وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي))[الأعراف:143]، فاستقرار الجبل هل هو مستحيل؟ ليس مستحيلاً، إذاً لم يعلق الأمر بمحال، وإنما علقه بأمر ممكن، فنقول: الآية دلت على أن الرؤية ممكنة وليست بمستحيلة. كما أننا نقول: إن (لن) هنا ليست للنفي المؤبد، بل هي قصاراها أن تكون للنفي، وحتى على فرض أنها للنفي المؤبد فهو للنفي المؤبد في الدار الدنيا، وليست للدار الآخرة، ولذلك مثلاً يقول الله سبحانه وتعالى عن اليهود : ((فَتَمَنَّوُا المَوْتَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ))[البقرة:94-95]، (طيب) يوم القيامة ما يتمنون الموت؟ بلى، والدليل أنهم يتمنونه قوله تعالى: ((وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ))[الزخرف:77]، إذاً مع أنه نفى أن يتمنوه أبداً، وأكد النفي بـ(أبداً) إلا أن هذا يقع في الدار الآخرة، فدل على أن قصارى الأمر نفي الرؤية في الدنيا.إذاً الآيات كلها والأحاديث وإجماع السلف دل على ثبوت الرؤية ووقوعها للمؤمنين، يرونه سبحانه وتعالى في عرصات القيامة، ويرونه بعد ذلك بعد دخول الجنة كما يشاء الله تبارك وتعالى. بقي في مسألة الرؤية، وطبعاً موضوع الرؤية هو من أعظم الفضل والنعيم الذي امتن الله تبارك وتعالى به على عباده، فإن الإنسان إذا رأى شيئاً من جمال أو بديع صنع الله تعالى في الدار الدنيا في البر أو في البحر أو في الفضاء فإنه يدهش، ويعظم، ويذهل، وربما داخله شيء من السرور الله تعالى به عليم، فكيف إذا منّ الله تبارك وتعالى على عبيده في الدار الآخرة بعدما منّ عليهم بألوان النعيم أن يمتعهم بالنظر إلى وجهه الكريم، ولهذا كان هذا غاية النعيم، وغاية ما يمن الله تبارك وتعالى ويتفضل به على عباده.فنسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى، وعظمته، وفضله، ورحمته، وبره، وجوده، وإحسانه، أن لا يحرمنا وإياكم هذا النعيم، وأن يمن به علينا وعليكم وعلى جميع المسلمين. رؤية الكفار لربهم يوم القيامة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: يبقى في موضوع الرؤية نقطة أخرى وهي الفقرة السادسة، وهي مسألة فرعية بحث أهل العلم ولم يشر إليها المصنف، وهي: هل الكفار يرون ربهم يوم القيامة أم لا يرونه؟ هذه ليست من مسائل الأصول التي يضلل فيها المخالف، وإنما هي من المسائل الفرعية اليسيرة لوجود خلاف فيها بين أهل العلم وبين أهل السنة ، ولم يحفظ فيها قول عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، ولذلك اختلف العلماء فيها على ثلاثة أقوال، طبعاً المقصود رؤيتهم ربهم تعالى في عرصات القيامة، يعني: وإلا إذا ذهبوا إلى النار.. الله المستعان!، وإنما المقصود رؤيتهم يوم القيامة. فهنا منهم من قالوا -وهذا القول الأول-: إن جميع الناس يرونه سبحانه مسلمهم وكافرهم، ويحتجب عنهم بعد ذلك، وهذا رجحه الإمام ابن القيم رحمه الله.القول الثاني: قالوا: إنه يراه فقط المنافقون، ثم يحتجب عنهم، واحتج هؤلاء ببعض الأحاديث الواردة في السنة النبوية.القول الثالث: أنه لا يراه أحد من غير المؤمنين حتى في عرصات القيامة، فلا يراه المنافقون ولا غيرهم، ولعل الأقرب والله أعلم أنه لا يراه أحد منهم، والدليل قوله تعالى.مداخلة: ((كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ))[المطففين:15].الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: ((كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ))[المطففين:15]، فهذا دليل على أن الله تعالى يمنعهم ويحجبهم عن الرؤية، والمسألة كما ذكرت تحتمل الأقوال كلها، ولهذا لا تثريب فيها على أحد، ولما وقع بين أهل البحرين خلاف فيها في زمن الإمام ابن تيمية رحمه الله، وترتب على هذا الخلاف نوع من التفرق وتغير النفوس، كتب إليهم في ذلك رسالةً مشهورة، وعاتبهم فيها على ذلك، فبين أن هذه المسألة من المسائل المحتملة اليسيرة. رؤية النبي عليه الصلاة والسلام لربه ليلة المعراج الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: النقطة السابعة وهي أيضاً مسألة أخرى في الرؤية، وهي كسابقتها من المسائل الفرعية اليسيرة: هل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الإسراء والمعراج بعيني رأسه أم لا؟ من أهل العلم من نسب إلى جمهور العلماء أنهم يقولون بإثبات الرؤية، وهذا ذكره القاضي عياض ، وذكره النووي منسوباً للجمهور، ومنهم من حكى الإجماع على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه في ليلة المعراج، والصواب والله أعلم أن المسألة ليس فيها قطع ولا جزم، وإنما هي كما ذكرنا من مسائل الاختلاف التي يسع الأمر فيها، وقد نقل عن ابن عباس رضي الله عنه القول: (بأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه)، هكذا، ونقل عنه لفظ آخر: (أنه رآه بفؤاده)، فالأولى أن يحمل كلام ابن عباس بعضه على بعض، ويكون مقصوده بالرؤية أن يكون رآه بقلبه لا بعينه، هذا ما ينسب إلى ابن عباس . وبناءً عليه نقول -والله أعلم-: إنه لا يصح عن أحد من الصحابة القول بثبوت الرؤية، بل عائشة رضي الله عنها كما في صحيح مسلم قالت: (لقد قفّ شعري مما قلت). ومما يدل ويرجح أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه بعيني رأسه ليلة المعراج أن الله سبحانه وتعالى قال: ((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ المَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ))[الإسراء:1]، وقال في الآية الأخرى: ((لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى))[النجم:18]، فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه لكانت الإشادة برؤيته لربه تبارك وتعالى أولى من الإشادة برؤية بعض آيات ربه، وكذلك هو بيّن أنه لم يره كل الآيات وإنما أراه من الآيات، ((لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا))[الإسراء:1]، ((لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى))[النجم:18]، يعني: إما أن يكون رأى الكبرى من آياته، أو رأى من آياته الكبرى، يعني: مجموعةً من آياته الكبرى. المقصود أن الإشارة إلى أنه رأى بعض الآيات يدل على أنه لم ير ربه، وأنه لو رأى ربه لكان الإشارة إلى ذلك أولى، ولهذا جاء في صحيح مسلم عن أبي ذر : (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل: هل رأى ربه؟ قال: رأيت نوراً)، وفي لفظ آخر قال: (نور أنى أراه)، والمقصود بالنور -والله تعالى أعلم- الحجاب؛ لأن حجاب ربنا تبارك وتعالى هو النور، كما في الحديث أيضاً حديث أبي موسى وهو في الصحيح قال: (حجابه النور)، فحجاب ربنا تبارك وتعالى هو النور، فالنبي صلى الله عليه وسلم رأى الحجاب، رأى النور الذي هو الحجاب، ولم ير ربه، هذا هو الأقرب، والمسألة كما ذكرنا ليس فيها نوع من التفسيق، أو التضليل، أو التبديع، أو الإشكال في هذا الأمر. كلام لـسيد قطب في الرؤية الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: هنا كلمة لـسيد رحمه الله نختم بها موضوع الرؤية، فقد ذكر في سورة القيامة كلاماً لطيفاً في موضوع النظر إلى وجه الله الكريم.يقول: "هذه الوجوه الناضرة نضّرها أنها إلى ربها ناظرة، (إلى ربها)، فأي مستوى من الرفعة هذا؟ أي مستوى من السعادة؟ إن روح الإنسان لتستمتع أحيانا بلمحة من جمال الإبداع الإلهي في الكون أو النفس، تراها في الليلة القمراء، أو الليل الساجي، أو الفجر الوليد، أو الظل المديد، أو البحر العباب، أو الصحراء المنسابة، أو الروض البهيج، أو الطلعة البهية، أو القلب النبيل، أو الإيمان الواثق، أو الصبر الجميل.. إلى آخر مطالع الجمال في هذا الوجود فتغمرها النشوة، وتفيض بالسعادة، وترف بأجنحة من نور في عوالم مجنحة طليقة، وتتوارى عنها أشواك الحياة، وما فيها من ألم وقبح، وثقلة طين، وعرامة لحم ودم، وصراع شهوات وأهواء..فكيف؟ كيف بها وهي تنظر لا إلى جمال صنع الله، ولكن إلى جمال ذات الله؟ألا ترى أنه مقام يحتاج أولاً إلى مد من الله، ويحتاج ثانياً إلى تثبيت من الله؛ ليملك الإنسان نفسه فيثبت، ويستمتع بالسعادة، التي لا يحيط بها وصف، ولا يتصور حقيقتها إدراك.((وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ))[القيامة:22-23].ومالها لا تتنضر وهي إلى جمال ربها تنظر؟إن الإنسان لينظر إلى شيء من صنع الله في الأرض من طلعة بهية، أو زهرة ندية، أو جناح رفاف، أو روح نبيل، أو فعل جميل، فإذا السعادة تفيض من قلبه على ملامحه، فيبدو فيها الوضاءة والنضارة، فكيف بها حين تنظر إلى جمال الكمال مطلقاً من كل ما في الوجود من شواغل عن السعادة بالجمال؟ فما تبلغ الكينونة الإنسانية ذلك المقام، إلا وقد خلصت من كل شائبة تصدها عن بلوغ ذلك المرتقى الذي يعز على الخيال، كل شائبة لا فيما حولها فقط، ولكن فيها هي ذاتها من دواعي النقص، والحاجة إلى شيء ما سوى النظر إلى الله تبارك وتعالى". التالي الإيمان بكل ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام مما يكون بعد الموت القرآن -الرؤية -اليوم الآخر السابق الإيمان بأن القرآن كلام الله القرآن -الرؤية -اليوم الآخر مواضيع ذات صلة بيان قصد زيادة إيمان المؤمنين ونفي ريب أهل الكتاب بذكر عدة الموكلين بالنار تقريب وقت قيام الساعة دون تحديده سهولة بعث الله تعالى للكفار الموت المعنوي الشهادة أرقى صور الموت