ÇáÑÆíÓÉ الفتاوى1422 هـحكم زكاة الحلي المستعمل للنساء

حكم زكاة الحلي المستعمل للنساء

رقم السؤال: (3766).
التاريخ: الإثنين 14 / رجب / 1422الموافق 01 / أكتوبر / 2001م.

السؤال :

ما القول الفصل في زكاة الحلي المستعمل للنساء؛ فقد كثر خلاف العلماء فيه؟

الجواب :

اختلف العلماء في حكم زكاة الحلي اختلافاً قديماً متجدداً، وكتبت فيه عشرات الكتب في الأزمنة المتأخرة، وليس في المسألة قول فصل، كما ذكر الأخ السائل الكريم، ولكنها اجتهادات تخطئ وتصيب، ثم إن المسألة فرعية يسيرة لا يجب التشديد فيها، ولا الوعيد على المخالف، فإنه لا خلاف في وجوب زكاة الذهب من حيث الأصل، وهذا هو الأمر المتوعد على تركه في القرآن والسنة.
أما الحلي المستعمل ففيه خلاف عريض، وأكثر أهل العلم على عدم وجوب الزكاة فيه، كما سنشير إليه، فلا ينبغي أخذ المسألة بحدة وغضب، فالمجتهدون فيها هم بين أجر وأجرين، والمقلدون هم تبع لأشياخهم، ولا تثريب على هؤلاء ولا على هؤلاء، والواجب الحرص على جمع الكلمة وسلامة الصدور، وإن تفاوت الاجتهاد.
وفي المسألة أحاديث نعرضها فيما يلي:
الحديث الأول: عن عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبيه عن جده رضي الله عنهما: ( أن امرأة من أهل اليمن أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت لها، في يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب، فقال: أتؤدين زكاة هذا؟ قالت: لا، قال: أيسرك أن يسورك الله عز وجل بهما يوم القيامة سوارين من نار؟ ال: فخلعتهما فألقتهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: هما لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ) وقد أخرجه أبو داود (1563)، و النسائي (5/38) من طريق خالد بن الحارث، وكذا النسائي (5/38) من طريق المعتمر بن سليمان كلاهما خالد بن الحارث ، و المعتمر عن حسين المعلم .
والترمذي (637) من طريق عبد الله بن لهيعة وكذا علقه أيضاً عن المثنى بن الصباح .
وأحمد (2/208،204،187) من طريق الحجاج بن أرطأة أربعتهم حسين و ابن لهيعة و المثنى و الحجاج عن عمرو بن شعيب به بنحوه إلا عند حسين المعلم من رواية المعتمر عنه، فجعله عن عمرو بن شعيب عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، ولما ذكر النسائي الاختلاف على حسين المعلم في وصله وإرساله، رجح المرسل بقوله: وحديث معتمر أي المرسل أولى بالصواب ينظر سننه (5/38)، وقد سقطت هذه الجملة من المطبوع، وهي موجودة في التحفة .. وغيرها.
ومن هذا يتبين أن مدار الحديث على عمرو بن شعيب، وقد اختلف عليه في وصله وإرساله، وقد صرح الإمام الترمذي بإعلال الموصول، ثم قال: ولا يصح في هذا الباب شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن حبان : ليس الحكم عندي في عمرو بن شعيب إلا مجانبة ما روى عن أبيه عن جده رضي الله عنهما، والاحتجاج بما روى عن الثقات غير أبيه رضي الله عنه، ثم ذكر مما استنكر عليه هذا الحديث المجروحين (2/73)، وانظر سير أعلام النبلاء (5/178).
وأشار البيهقي أيضاً إلى إعلاله بقوله: وهذا يتفرد به عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهما (4/140).
وهنا بحث مفرد في رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده تجده رضي الله عنهما في موضعه من هذه الفتاوى.
وخلاصته: أنه لا يقبل ما تفرد به عن الثقات، ومع هذا ففي المتن نكارة، من حيث إن المسكتين مما لا يبلغ النصاب، حتى تجب فيهما الزكاة.
الحديث الثاني: عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: ( كنت ألبس أوضاحاً من ذهب، فقلت: يا رسول الله! أكنـز هو؟ فقال: ما بلغ أن تؤدي زكاته فزكي، فليس بكنـز ) أخرجه أبو داود (1564)، و الحاكم (1/390)، و البيهقي (4/140) من طريق ثابت بن عجلان عن عطاء بن أبي رباح عن أم سلمة رضي الله عنها فذكره.
الحكم عليه: هذا الحديث معلول من جهتين:
1- تفرد ثابت بن عجلان عن عطاء به، قال البيهقي : وهذا يتفرد به ثابت بن عجلان (4/140)، وذكر الذهبي في الميزان (1/365) أن هذا الحديث مما أنكر على ابن عجلان لتفرده به.
2- أن في هذا الحديث انقطاعاً بين عطاء بن أبي رباح و أم سلمة رضي الله عنها إذ لم يسمع منها، كما نص على هذا ابن المديني المراسيل لـابن أبي حاتم (ص129)
.
إذاً: هذا الحديث ضعيف كما قال ابن عبد البر : في سنده مقال. فتح الباري (3/272)، وضعفه ابن الجوزي في التحقيق ، وسيأتي نص جمع من الأئمة على أنه لا يصح في الباب حديث مرفوع.
الحديث الثالث: عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى في يدي فتختان من ورق، فقال: ما هذا يا عائشة ؟ فقلت: صنعتهن أتزين لك يا رسول الله، قال: أتؤدين زكاتهن؟ قلت: لا، أو ما شاء الله، قال: هو حسبك من النار ) أخرجه أبو داود (1565)، و الدارقطني (2/105)، و الحاكم (1/390)، والبيهقي (4/139) من طريق عمرو بن الربيع بن طارق عن يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن أبي جعفر عن محمد بن عمرو بن عطاء عن عبد الله بن شداد بن الهاد عن عائشة رضي الله عنها فذكره.
الحكم عليه: هذا الحديث معلول من جهتين:
1- من جهة تفرد يحيى بن أيوب به، وهو وإن كان قد خرج له في الصحيحين، فهو من باب الانتقاء لأصح أحاديثه، وما ضبطه من الروايات؛ إذ هو متكلم فيه، وليس بالمتقن، وله بعض المناكير، ولهذا قال الحافظ الذهبي : له غرائب ومناكير يتجنبها أرباب الصحاح، وينقون حديثه.
2- أنه قد صح عن عائشة رضي الله عنها من رواية القاسم بن محمد و ابن أبي مليكة عنها: أنها كانت تحلي بنات أخيها، يتامى في حجرها لهن الحلي، فلا تخرج من حليهن الزكاة. أخرجه مالك (1/250)، والشافعي في مسنده (65)، وعبد الرزاق (7052)، والبيهقي (4/138).. وغيرهم، وما صح عنها من عدم إخراج زكاة الحلي، يؤكد ضعف ما روي عنها مرفوعاً في إثبات الزكاة في الحلي، ولهذا نظائر يعل الأئمة به بعض الروايات المخالفة لرأي الراوي، إذا كان مرويه ليس بالقوي، وسيأتي نقل نصوص العلماء بأنه لا يصح في هذا الباب شيء.
الحديث الرابع: عن شهر عن أسماء بنت يزيد بن السكن رضي الله عنها قالت: ( دخلنا أنا وخالتي على النبي صلى الله عليه وسلم وعليها أسورة من ذهب، فقال: أتعطيان زكاته؟ قالت: فقلنا: لا، قال: أما تخافان أن يسوركما الله أسورة من نار، أديا زكاته ) أخرجه أحمد (6/461) من طريق عبد الله بن عثمان بن خثيم عن شهر به بلفظه. وأخرجه الحميدي (368)، وأحمد (6/453، 454، 455، 459، 460) من طريق عبد الله بن أبي حسين و داود الأودي و عبد الحميد بن بهرام و حفص بن السراج و عبد الجليل القيسي و قتادة بن دعامة عن شهر به بنحوه أثناء حديث طويل، وفيه: ( وفي النساء خالة لنا عليها قلبان من ذهب، وخواتيم من ذهب، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا هذه! هل يسرك أن يحليك الله يوم القيامة من حجر جهنم، سوارين وخواتيم ) وليس فيه ذكر الزكاة.
وأخرجه أبو داود (4238)، والنسائي (8 /157)، وأحمد (6/455،457،460) من طريق يحيى بن أبي كثير عن محمود بن عمرو عن أسماء رضي الله عنها فذكره بلفظ: ( أيما امرأة تحلت -يعني: بقلادة من ذهب- جعل في عنقها مثلها من النار، وأيما امرأة جعلت في أذنها خرصاً من ذهب، جعل الله عز وجل في أذنها مثله خرصاً من النار، يوم القيامة ) ولم يذكر فيه الزكاة، ظهر من خلال التخريج في فروق المتن الاختلاف على شهر بن حوشب في لفظه في ذكر الزكاة، وأن رواية الجماعة عنه ليس فيها ذكر الزكاة مطلقاً، ولعل هذا المحفوظ عنه، وكذلك لم تذكر الزكاة في هذا الحديث في رواية محمود بن عمرو ، ومن هنا يتبين عدم صحة الاستدلال بهذا الحديث على وجوب زكاة الحلي المستعمل، ومع هذا فالحديث معلول لا يصلح الاحتجاج به، ولذا قال ابن حجر في الدراية (1/259): فيه مقال. انتهى؛ وذلك أن شهر بن حوشب ليس بالقوي ، وكذا محمود بن عمرو قد ضعف . ينظر بيان الوهم والإيهام (1389)، والميزان (4/78)، وقال الحافظ الذهبي في نقد بيان الوهم والإيهام : المتن منكر (ص 103).
وسيأتي نصوص الأئمة أنه لا يصح في إيجاب الزكاة في الحلي شيء .
الحديث الخامس: عن أبي حمزة ميمون عن عامر الشعبي عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( في الحلي زكاة ) أخرجه الدارقطني (2/107) من طريق صالح بن عمرو عن أبي حمزة به بلفظه، وهذا الحديث ضعيف لحال أبي حمزة ، فقد ضعفه البخاري والدارقطني .. وغيرهما، ينظر سنن الدارقطني (2/107)، و الميزان (4/234).
فهذه درجة أحاديث إيجاب الزكاة في الحلي لا يسلم حديث منها عن مقال في إسناده، ولذا نص جمع من الأئمة أنه لا يصح في وجوب زكاة الحلي شيء.
قال الإمام الشافعي : وقال بعض الناس في الحلي زكاة، وروي فيه شيء ضعيف. ينظر المجموع شرح المهذب (5/490). وقد تقدم قول الترمذي : ولا يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء.
وقال ابن حزم : واحتج من رأى إيجاب الزكاة في الحلي بآثار واهية، لا وجه للاشتغال بها إلا أننا ننبه عليها .
وقال أبو حفص عمر الموصلي : لا يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء. .
أما أقوال العلماء في المسألة، فهي كالتالي:
القول الأول: إيجاب الزكاة في الحلي، وهو قول أبي حنيفة . انظر بدائع الصنائع (2/16-17)، وذهب إليه داود و ابن حزم الظاهري ، وهو منقول عن ابن مسعود و عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم، و مجاهد و عطاء و طاوس و جابر بن زيد و ميمون بن مهران و عبد الله بن شداد و سعيد بن المسيب و سعيد بن جبير و ذر الهمداني و ابن سيرين و الأوزاعي وهو رواية عن أحمد .
وحجتهم: أولاً: أحاديث الباب، حيث صححها أو صحح بعضها جماعة من العلماء، خصوصاً المتأخرين، وهي ظاهرة في إيجاب الزكاة في الحلي.
ثانياً: الآيات والأحاديث الواردة في وجوب الزكاة في الذهب مطلقاً، كقوله تعالى: (( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ))[التوبة:34].. الآية.
وحديث أنس رضي الله عنه: ( في الرقة ربع العشر ) رواه البخاري (1362)، والنسائي (2404)، وأبو داود (1339)، وابن ماجه (1790)، وأحمد (68) (11551).
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه: ( ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها، إلا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار .. ) الحديث رواه مسلم (1647)، والبخاري (1314) (1315) (2198)، والترمذي (1560)، والنسائي (2405)، وأبو داود (1414)، وابن ماجه (1776)، وأحمد (7247).
وظاهر أن هذه النصوص عامة، ولا خلاف في وجوب زكاة الذهب والفضة، لكن الحلي خرج من هذا العموم عند القائلين بعدم وجوب الزكاة، بكونه من المستعملات: ( وليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة ) انظر ما رواه البخاري (1463)، ومسلم (982) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه والرقة لا تشمل الحلي عند كثير من أهل اللغة، والحديث الآخر ذكر الحلي دون أن ينص على الزكاة.
والنـزاع: هل الزكاة حق فيه أم لا؟
القول الثاني: أنه لا زكاة في الحلي المستعمل، وهو مذهب الإمام مالك ، المدونة (1/305-306) محتجاً بأثر عائشة رضي الله عنها السابق، وأثر آخر عن أسماء رضي الله عنها، ومثله القاسم بن محمد و عروة و هشام ، قال ابن وهب : وأخبرت رجالاً من أهل العلم عن جابر و أنس و عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم و القاسم و سعيد بن المسيب و ربيعة و عمرة و يحيى بن سعيد .. وغيرهم قالوا: ليس في الحلي زكاة.
ومذهب الشافعي كما في الأم (2/44-45) حيث روى بعض ما سبق عن عائشة رضي الله عنها، ثم عن ابن عمر رضي الله عنهما في عدم الزكاة في الحلي، ثم عن ابن عباس رضي الله عنهما إلى أن قال: وقد قيل: في الحلي زكاة، وهذا ما أستخير الله فيه.
قال الربيع : قد استخار الله فيه، أخبرنا الشافعي : وليس في الحلي زكاة.
وظاهر مذهب الحنابلة المغني (2/322).
وهو منقول عن الشعبي و أبي جعفر محمد بن علي و طاوس و الحسن و سعيد بن المسيب و قتادة و أبي عبيد و إسحاق و أبي ثور و ابن المنذر انظر: معرفة السنن للبيهقي و المحلى لـابن حزم .
قال أحمد : خمسة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون: ليس في الحلي زكاة، ويقولون: [ زكاته عاريته ].
وقد روى ابن أبي شيبة عن الحسن قال: [ لا نعلم أحداً من الخلفاء قال في الحلي زكاة ].
وحجة القائلين بعدم الوجوب:
أولاً: عدم صحة الأحاديث الواردة في الباب، أو حملها على العارية، أو زكاة مرة في العمر، كما هو مروي عن مالك .. أو نحو ذلك.
ثانياً: أن الحلي معد للاستعمال المأذون به شرعاً، فهو كالبيت الذي يسكنه، والثوب الذي يلبسه، والآنية التي يستعملها، والفرش، والأثاث، والخادم، والفرس التي يركبها.. ونحو هذا، وهذا هو المعهود من قواعد الشريعة، وهو استدلال ركين مكين، ولا يخرج منه شيء إلا بيقين، وحيث لم تثبت الأحاديث الواردة في الباب، فإن القاعدة مطردة في الحلي المستعمل وغيره من المستعملات، مما الأصل فيها الزكاة، لكنها أعفيت منها بالاستعمال.
ثالثاً: الآثار الثابتة عن جماعة من الصحابة في الباب كـعائشة و أسماء رضي الله عنهما ومن ذكرنا.
وهذا هو القول الراجح والله أعلم لكن يحسن الاحتياط بإخراج الزكاة، فإن لم تخرجها استحب لها إعارتها، وإن احتيج إليه وجبت الإعارة .